الختيار ... حديث البداية
تاريخ النشر : 2013-11-11 00:06

كما كل الروايات تحملنا البداية إلى نهايات واقعية بمزاجية القدر ... نتأهب للفرح لنجد الحزن يقتحم نهايتها .. كبرنا وحيينا على بداية الرواية بمحطاتها المختلفة ... رواية فلسطين مع ياسرها .. ذاك الشاب الفلسطينى الذى استيقظ على حافة حلم عشقه لفلسطين .. وقرر نسج طريق الوصول إلى قلبها بحركة تحرر مدافعة عنها وتسعى لاستردادها من مغتصبيها ليعود إليها بعد رحلة شوق وتضحية ومقاومة وصراعات .. ولم يمر مساء إلا وجدد أبو عمار وعده لفلسطين بحتمية العودة وتحرير ثراها مهما كان الثمن .. فلا تراجع عن اللقاء بفلسطين فإما العودة وإما الموت .. لم يخادع فى عشقه لها ولم يناور إلى أن احتضنت جسده الطاهر بين أضلعها وهو متيم بها ... كم من محاولات الموت الطائشة سعت إلى قلبه الثائر وفى لحظة ملامسة روحه تراجع الموت ليترك له فرصة اللقاء بمعشوقته فلسطين .. وبين كل محاولة موت وأخرى كان يصحو عرفات ليعاقب قتلته بكابوس الخوف من إشعال النار تحت أقدامهم .

ذاك المهندس الذى رسم كل معالم النضال الفلسطينى ببندقيته متنقل بالكثير من المحطات لعل أهمها : مشاركته الحرب فى غزة بعد 1948 ثم رئيس لاتحاد الطلاب الفلسطينين فى مصر 1952 ثم الاشتراك فى حرب 1956 والذهاب إلى الكويت وعلى كاهله المشروع الوطنى لفلسطين وهموم شعبها المشرد فى كل أرجاء العالم ، وبعدها فاجئ العالم بانطلاق حركة التحرير الوطنى الفلسطينى فتح عام 1965 الذى قام بتشكليها قبل ذلك بسنوات مع رفاقه الثوار ، ثم اتخذ الأردن محطة المواجهة مع العدو الاسرائيلى بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وشكل وحدات مقاتلة هناك وكانت معركة الكرامة عام1968 مع الجيش الاسرائيلى الذى حاول تدمير مواقع القوات الفلسطينية والذى انتصر فيها ياسر عرفات بمعركة شرسة أنهى بها هزيمة عام1967 ، وفى عام 1968 انتخب رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية باجماع كافة التنظيمات الفلسطينية وقاد مشروع المقاومة ؛ وكانت حركة فتح فى مقدمة العمل العسكرى وأوجعت الاحتلال الاسرائيلى بالعديد من العمليات العسكرية البطولية ، وحينما تذمر الأصدقاء وللمحافظة على السيادة الأردنية ولأنه كان الأكثر حفاظاً على مشروع القومية العربية ولمعرفته بحقوق وواجبات الضيف قرر الانتقال من الأردن الشقيق إلى لبنان لاستكمال مشواره النضالى هناك ... وبالرغم من كل الأحداث والمجريات السياسية إلا أنه حافظ على صيرورة المقاومة .. ولحكمته وحنكته السياسية ارتأى فى تلك الفترة المزج ما بين الحوار السياسى والكفاح المسلح ولعل عبارته فى الأمم المتحدة لا تسقطوا غصن الزيتون من يدى وبجنبه مسدسه كانت مؤشر للعالم بأننا شعب نحب الحياة ولكننا نعشق الحرية أكثر .

لم يتوانى ذاك الختيار العرفاتى لحظة فى البحث عن الطريق للوصول إلى فلسطين فمن إعلان الاستقلال عام 1988 إلى الذهاب إلى أوسلو والدخول فى عملية المفاوضات مع اسرائيل وما تلاه من اتفاقيات سلام ومفاوضات وجولات كر وفر وصولاً الى كامب ديفيد 2000 ؛ حينما أسقطت اسرائيل غصن الزيتون من يده ولم تترك له إلا البندقية لتشتعل بها انتفاضة الأقصى ولتحصاره فى عرينه محاولة كسر هامته التى عصت على الكسر أو الانحناء لغير خالقها .

قالها ورددها فى الكثير من المناسبات خذونى شهيداً أو قتيلاً أو أسيراً ولن تأخذوا منى صك التنازل عن معشوقتى فلسطين ... وكان أسيراً للكثير من المتآمرين دولياً واقليمياً .. وكان قتيلاً للخائنين لعهدهم له ممن تركوه يموت واقفاً دون منجد .. وكان شهيداً لحلمه بفلسطين .

أي ياسر حسيني مقدسى أنت ... استشرسوا فى قتالك وحصارك .. ففى سلامهم قاتلوك وتآمروا عليك وحاولوا أن يسقطوك وحينما استنفذوا كل الطرق سمموا جسدك المتعب من مراوغتهم وحقدهم ولكنك فى كل الجولات كنت المنتصر للشعب وللقضية ولفلسطين .

حيٌ أنت .. ممتلئ بك شعبك وأحرار العالم المؤمنين بعدالة قضيتك .. بكوفيتك صنعت هوية فلسطين .. ما زلت تأرق قاتليك وستبقى تلاحقهم فى أحلامهم ... ومهما حاولوا لن يستطيعوا صياغة نهاية الحكاية .