أنقدوا لبنان قبل فوات الأوان
تاريخ النشر : 2021-12-06 14:05

لم يتبقى من السيادة اللبنانية أي شيء، حتى شجرة الأرز التي ترمز للعراقة والصمود لم تسلم من بطشهم: فما ان ذبلت أغصانها ويبست فروعها، اقتلعها المسؤولون ليتدفأو بها، لقد أوصلت الحكومة السابقة لبنان الى مرحلة بيعه بالمزاد العلني بعد أن تشاركت مع من سبقتها في تجفيف البنوك من الأوراق الخضراء، لتأتي الحكومة الجديدة وتجد نفسها في مأزق لا مثيل له: حيث استلمت البلد على '' البلاطة ''، بالإضافة شبح حرب طائفية تلوح في الأفق، تحيك خيوطها إيران عن طريق وكيلها حزب الله، الذي ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على ما تبقى من البلد وتحويل عاصمته السياسية  الى طهران . 

تتجه الليرة اللبنانية الى سيناريو البوليفار الفينزويلي، فلقد تخطت كل الحدود الحمراء لتتجاوز ال 24 ألفا للدولار الواحد في السوق السوداء، وهو السعر الحقيقي الذي يخضع للعرض والطلب في ظل انهيار تام لمقومات الاقتصاد، حتى أصبح سعر طباعتها يتجاوز قيمتها في الأساس، لم تبدي حكومة لبنان الجديدة أي خطوة نحو كبح فرامل الليرة التي تستمر في التدحرج السريع الى الأسفل منذ بداية الجائحة، ولا تملك عصا سحرية ولا تحالفات قوية تسمح لها بتدارك الوضع سوا التوجه الى المزيد من الديون والخضوع  لتوصيات بنك النقد الدولي التي لا ترحم أحدا، فالكل أدار ظهره الى لبنان بعد أن ذهب حزب الله الى تقديمه على طبق من ذهب لطهران التي تشتري البلدان المفلسة مقابل شحنات من النفط والأسلحة المنتهية الصلاحية.  

خسرت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء في غضون عامين، أدى هذا الى تدهور قدرة اللبنانيين الشرائية، وتقلصت الطبقة المتوسطة بسرعة رهيبة لتحجز العديد من العائلات اللبنانية مكانها ضمن قوائم الفقر، بينما تحول المصنفون في خانة والفقر الى خانة جديدة وهي خانة الفقر المدقع، اذ بالكاد تجد بعض العائلات ما يسد رمقها، في بلد كان يعرف الرفاهية وارتفاع معدلات الانفاق على اللوازم الغير أساسية، لم يرحم انهيار الاقتصاد والليرة اللبنانية حتى أصحاب المحلات و المطاعم فالعديد منهم أعلنوا افلاسهم، وحزموا حقائبهم للهروب من الجحيم الذي يدعى لبنان، لقد زادت الأزمة الاقتصادية الخانقة طوابير المغادرين في مطار بيروت في حين اختفت تماما ومنذ سنوات طوابير القادمين للسياحة وزيارة باريس العرب، حتى السوريون الذين لجأوا هربا من بطش الحرب، فروا من ضراوة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان وترمي به في كل الاتجاهات . 

وبما ان لبنان لا ينتج ولا يصدر شيئا باستثناء بعض الحشيش والمخدرات، فان الوضع الاقتصادي للبلد لن يتغير الى الأحسن، بل سيستمر الى الأسوأ، قد يكون تحويل دولة فاشلة ومفلسة الى جنة ضريبية حلا من الحلول التي تبعت الحركية وتجلب رؤوس الأموال والاستثمارات، ولكن لبنان لا يملك حتى المقدرة للذهاب في هذا الخيار: لا أحد سيختار لبنان للاستثمار ولا لإيداع الأموال فيه، لأنه يقع تحت نيران ميليشيا قادرة على إعادته في أي لحظة الى حلبة صراع بالأسلحة تقضي على الأخضر واليابس، ان إعادة بعث نشاط الصناعة اللبنانية مربوط بتعافي الدولة السورية، لأنها المنفذ الوحيد لسلعه بريا لتصل الى أسواق المنطقة بأقل تكلفة شحن، ولكن دول المنطقة في الأساس لا ترغب في لبنان ليس لأنها تعادي شعبه بل لأنها ترى في ان التعامل مع لبنان هو تعامل غير مباشر مع عدوها الكلاسيكي ايران ودراعه الذي يسيطر على مركز القرار في بيروت . 

لقد وصل لبنان الآن الى مرحلة مفصلية أخطر ما فيها أن يذهب الى زوال الجمهورية وتعويضها بدويلات صغيرة عملتها الدولار، فالجبهة الاجتماعية على صفيح ساخن وتهدد بالنزول مجددا الى الشارع للتعبير عن سخطها من تردي الوضع الاقتصادي لأقصى مستوياته السلبية، حتى حديث الحكومة عن إطلاق البطاقة التمويلية لن يقضي على الفقر بل سيزيد الأعباء على ميزانية البلد التي يرسمها البنك الدولي، لبنان الآن امام خيارين لا ثالث لهما: فإما الاستمرار في التغاضي عن حزب الله وتوجهه بلبنان الى العزلة ثم الى الهاوية، واما اتخاد قرار شجاع بكبح نفوذ حزب الله وتقويض نفوده داخل مراكز صناعة القرار، والتوجه الى مصالحة مع دول الخليج لعلها تنجح في تحريك عجلة الاقتصاد المعطلة، ان خروج لبنان من حالة العزلة التي وضعته فيه ايران هو الحل الوحيد لإنقاذه من التفكك الذي سيأتي لا محالة اذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال .