مؤتمر ائتلاف أمان للمال العام في غزة بين: الشفافية ونقص المعلومات
تاريخ النشر : 2021-12-01 17:23

أثار طرح ائتلاف أمان لقضية المال العام في غزة جدل كبير، خاصة أن قضية المال المام في غزة عقب الانقسام وسيطرة حركة حماس على القطاع بصورة كاملة يعتبر من القضايا المنسية والمسكوت عنها لاعتبارات كثيرة، منها ما يتعلق بحساسة حكومة الأمر الواقع في غزة لمعالجة مثل غزة القضايا، ومنها ما يتعلق بكثرة الحروب والأحداث الأمنية التي تساهم في تراجع القضايا التي تتعلق بالرقابة على المال العام لسحاب القضايا الأمنية والسياسية مع تكرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنها ما يتعلق لنظر المؤسسات العاملة في مجال الرقابة والشفافية للوضع القائم في غزة باعتباره وضعًا مؤقتًا يمكن الانتهاء منه بمجرد الوصول لمصالحة وطنية تفضي لتوحيد المؤسسات السياسية والمالية والرقابية ما يجعل مهمة هذه المؤسسات وخاصة ائتلاف أمان اسهل في القيام بدوها الرقابي على المال العام في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
لكن مع طول فترة الانقسام الفلسطيني وبروز عقده تقارير تتعلق بجود شبهات فساد في عدة قضايا من ملف إعادة الإعمار وملف الكهرباء وغيرها من الملفات كان من الأهمية بمكان عقد مؤتمر يناقش الرقابة المجتمعية على المال العام في قطاع غزة، خاصة القضايا التي تتعلق بالموازنة العامة وملف إعادة الإعمار وأموال الزكاة، وإدارة المساعدات الإنسانية، بخضور عدد من صناع القرار في غزة ممثلين في أجهزة حكومة الأمر الواقع في غزة وأعضاء من المجلس التسريعي ( المنحل)، وعدد من الأكاديميين والباحثين والمهتمين بقضايا الرقابة والشفافية والمساءلة المجتمعية.
خلال الجلسة الأولى من المؤتمر الذي عقد بمدينة غزة في 24 من نوفمبر 2021، تناولت قضية الموازنة العامة وشفافية المال العام لدى حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة ظهرت عدة إشكاليات تتعلق بأزمة الإفصاح عن البيانات المعلومات من قبل وزارة مالية غزة، حيث أن وزارة المالية في غزة تحجب كثير من البنانات والأرقام عن الجمهور الفلسطيني بشكل عام والباحثين على وجه التحديد، كما ظهر إشكالية تتعلق بكبر حجم الموازنة من جانب وكبر حجم العجز في الموازنة من جانب آخر، مما حدا بالباحث معد الورقة للقول أن حكومة غزة تحاول تضخيم حجم الموازنة للإيحاء بنود موازنة دولة مستقلة القطاع، حيث أظهرت الورقة التي أعدها الباحث الأستاذ وائل بعلوشة المدير الإقليمي لائتلاف أمان في غزة أن موازنة حكومة غزة تقدر بحوالي (300260) ثلاثة مليار ومائتان وستين مليون شيكل إسرائيلي ( أي حاولي مليار وربع دولار أمريكي، بينما نسبة العجز في الموازنة السنوية أظهرت وجود (100790)، أي حوالي نص الموازنة تقريبًا عجزًا بدون الإفصاح عن كيفية سد هذا العجز المالي، ما يؤكد صحة ما ذهب إليه الباحث في القول أن موازنة حكومة غزة يتم تضخيمها لإعطاء انطباع أنها موازنة دولة.
وخلال الجلسة الأولى أيضًا ظهر تباين في الأرقام بين الأوراق المقدمة من قبل باحثين ائتلاف أمان والبيانات والمعلومات المقدمة من قبل الدكتور يحيى موسى رئيس لجنة الموازنة في المجلس التسريعي (المنحل) حيث أظهرت والأوراق أن حوالي 90% من موازنة حكومة غزة تذهب للرواتب ومشتقاتها، 3% للمشاريع التطورية، ويحصد قطاع الأمن على 45% من الموازنة العامة، بينما قدم الدكتور يحيى موسى ارقام مختلفة، حيث أكد أن نسبة الرواتب من الموازنة العامة لا تتجاوز 64%، و13% للمشاريع التطورية وهذا راجع من وجه لقلة الموارد والحصار وإجراءات السلطة الفلسطينية التي أثرت بشكل كبير على حجم الأموال التي تحصلها حكومة غزة.
الاختلاف في الأرقام بين الأوراق المقدمة من قبل الباحثين والمعقبين يعود إلى محدودية الوصول للأرقام والبيانات الصحيحة والمعتمدة من الوزارات والهيئات الحكومية والمحلية، ما يجعل من أهمية الإفصاح عن الأرقام والبيانات وسهولة الوصول لها من القضايا التي يجب التركيز عليها.
وخلال الجلسة الثانية التي تناولت ثلاث ملفات تتعلق بإدارة المال العام في غزة، وهي ملف المساءلة والشفافية في قضية إعادة الإعمار، والتحديات والصعوبات والتجاوزات التي تتعلق بهذه القضية من خلال ورقة مقدمة من قبل الباحث (ناهض عيد) والتعقيب عليها من قبل وكيل وزارة الأشغال والإسكان في غزة السيد (ناجي سرحان)، وهي من القضايا الشائكة والحساسة التي تتعلق بواقع وآفاق عملية إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية خلال حربي عام 2014/2021، والمتوفر والمتاح من قبل المناحين، وأزمة عملية حصر الأضرار نتيجة تعدد الجهات القائمة بعملية حصر الأضرار، حيث قامت كل من وكالة الغوث ( UNRWA) ومكتب الأمم المتحدة الإمائي (UNDP)، ووزارة الأشغال العامة بغز بعملية حصر الأضرار ما نتج عنها أزمة في قضية الأضرار المنظورة والأضرار الغير منظورة والتي جاءت كنتيجة غير مباشرة للعدوان الإسرائيلي على غزة. وأشارت الورقة أن البنك الدولي قدر حجم الأضرار التي لحقت بقطاع غزة نتيجة العدوان تقدر بحوالي 290-380 مليون دولار، بينما أشارت تقديرات وزارة الإشغال في غزة أن حجم الأضرار المنظورة تقدر بحوالي 416 مليون دولار.
وحول مستويات الشفافية والنزاهة التي تتعلق بعملية إعادة الإعمار أشار الباحث أن لدى وزارة الأشغال العامة والإسكان سياسات وآليات مكتوبة لاختيار المستفيدين من إعادة الإعمار لكنها غير منشورة في تأكيد على محدودية الوصول للبيانات والمعلومات من قبل الباحثين والجمهور، وأوضحت الورقة وجود تباين في آليات اختيار المستفيدين بين الجهات المحلية والدولية التي تقدم مساعدات مادية وعينية للمتضررين رغم الاتفاق على آلية للتنسيق بنيهم.
وتناولت الورقة الثانية التي قدمها الباحث القانوني الأستاذ (عبد الله شرشرة) حوكمة إدارة المساعدات الإنسانية بعد عدوان مايو 2021، حيث تناولت الورقة بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في عملية تقديم المساعدات الإنسانية أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأظهرت الورقة تعدد الجهات المحلية( مؤسسات أهلية، حكومية، لجان زكاة) ومؤسسات دولية وعربية ( الأونروا، المساعدات القطرية) تقدم المساعدات بدون وجود تنسيق فعلي يحد من تكرار تقديم المساعدة لنفس الأشخاص وحجبها عن أشخاص أخرين، وبينت أن المؤسسات الأهلية والحكومية العاملة في مجال تقديم المساعدات لا تلزم موظفيها على تقديم إقرار بالذمة المالية، تحت حجة أن قانون رقم 1 لعام 2005 للكسب غير المشروع لايزال غير مفعل، كما أوضحت الورقة أن لجنة العمل الحكومي التي تمثل مرجعية الوزارات الحكومية العاملة في القطاع لا يتعمد سياسات خاصة لمنع الفساد في توزيع المساعدات، وإنما تقتصر على البنود الواردة في مدونة السلوك الوظيفي للقطاع العام في غزة، كما أظهرت الورقة وجود إشكالية في تكرار أسماء المستفيدين من المنح النقدية، رغم وجود آلية لدى وزارة الشؤون الاجتماعية لفحص الأسماء نتيجة عزوم كثير من المؤسسات الأهلية بتزويد الوزارة بقوائم بأسماء المستفيدين من خدماتها.
بينما تناولت الورقة الثالثة قضية واقع النزاهة والشفافية لدى الجهات القائمة على أموال الزكاة في قطاع غزة في ظل كثرة الجهات التي تقوم بجمع الزكاة من المواطنين والتصرف بها.
الورقة التي قدمها الباحث الدكتور (سامي أبو شمالة) سعت لتقديم شرح مفصل للإطار المنظم لإدارة ملف الزكاة في قطاع غزة، ومستوى التعاون والتنسيق بين هذه الجهات، وفحص مدى الحيادية والاستقلالية في ممارسة الأنشطة والصلاحيات.
وأوضحت الورقة أن مشكلة ملف الزكاة في قطاع غزة يمكن في تعدد الجهات التي تقوم بعملية جمع الأموال من المواطنين والتجار بدون وجود آليات تنسيق بنيهم، ومحدودية الشفافية والنزاهة في هذا الملف، وغياب المساءلة الداخلية، وضعف مستوى الضمانات الكفيلة بتحقيق عدالة في التوزيع سواء في المساعدات العينة أو الطارئة، وقدرت الورقة أن متوسط المبلغ الذي يتم جمعه كل عام حوالي (1000500) مليون ونص دولار أمريكي، وهو مبلغ كبير يجب أن يخضع للمساءلة والشفافية في كيفية جمعة والتصرف به؛ وأوضحت الورقة افتقار التقارير الدوية حول ملف أموال الزكاة، وغياب المعايير الواضحة لعملية اختيار الأشخاص المستفيدين، وغياب مدونة سلوك للعامين في هذا المجال، وطالبت الورقة بضرورة تعديل قانون تنظيم الزكاة الفلسطيني رقم (9) لعام 2008، بحيث يراعي الملاحظات المقدمة من الجهات الحكومية وغير الحكومية، وتوحيد الجهود بين المؤسسات العاملة في ملف الزكاة، وبناء خطة وطنية لتحقيق أهداف الزكاة، وتوحيد الجهات القائمة على جمع الزكاة من المواطنين والتجار، وزيادة تطوير الأداء الإداري والفني والمالي للمؤسسات العاملة في ملف الزكاة، كما أوصت الورقة بضرورة نشر المعايير التي يتم على أساس صرف أموال الزكاة بما يراعي الأولويات والاحتياجات، والإسراع في وضع مدونة سلوك خاصة للعاملين في مؤسسات الزكاة لضمان تعزيز الشفافية، مع تعزيز دور الأجهزة الرقابية وانشاء آليات للمراقبة والرصد من قبل المؤسسات الأهلية، كما أوصت الورقة بضرورة تقليص لجان الزكاة المنتشرة في قطاع بحيث يتم دمج عدد منها في هياكل موسعة لضمان عدم الازدواجية في عملية توزيع الأموال والمساعدات.
خلاصة القول: يمثل مؤتمر ائتلاف أمان لمناقشة نزاهة وشفافية المال العام ونزاهة الحكم في غزة سابقة نوعية من حيث عمق القضايا التي تناولتها الأورق والنقاشات التي دارت خلال جلسات المؤتمر، كما أنه يمثل بداية لفتح كثير من الملفات الأخرى التي تتعلق بالشفافية والنزاهة والحكم الرشيد في المؤسسات العامة والأهلية في قطاع غزة خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في القطاع، الأمر الذي يحمل ائتلاف أمان وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال الرقابة المجتمعية الكثير من العبء والمسؤولية في سياق تعزيز الرقابة الأهلية على المال العام في ضوء النقص الحاد للمعلومات والبيانات الرسمي؛ بما يساهم في الحد من الفساد والمحسوبية وتعزيز نزاهة الحكم في غزة، وتنظيم دولاب العمل في كثير من المؤسسات التي تجمع الأموال وتصرفها بدون رقابة حقيقية.