تقدميون ضد التقدم؟
تاريخ النشر : 2021-11-28 09:24

يُثير موقف اتجاهات أساسية فى أوساط الليبراليين الاجتماعيين واليساريين تجاه تغيير السياسة البيولوجية، الذى تناولتُه أمس، جدلاً يستحق التأمل. فهل يعنى اعتراض اتجاهات تُعد تقدميةً فى رؤيتها لمستقبل الإنسان والمجتمع على هذا التغيير موقفًا ضد التقدم؟ وهل فى الأمر مفارقةً تاريخيةً على النحو الذى يتصوره البعض؟

يقول الليبراليون الاجتماعيون واليساريون إن مقاومتهم تغيير السياسة البيولوجية ليس ضد التقدم، بل ضد التلاعب بالكائن البشري، والتدخل فى تكوينه البيولوجي، سواء بتعديله وراثيًا أو بوضع رقاقات إلكترونية ومُستزرعات مُحوسبة Computerised Implants فى دماغه، أو غير ذلك مما يُنذر بعواقب وخيمة.

وهم ينطلقون، فى رؤيتهم هذه، من أن التلاعب بالإنسان على النحو الذى يُحبذه المُبشرون بتحوله إلى كائن حى سيبرانى Cyborg سيصل بالتفاوت بين البشر إلى مستوى لا يمكن الرجعة عنه، وقد يكون الظلم الاجتماعى السائد الآن مثقال ذرة بالنسبة إليه. فما تُعد مزايا يتخيلها المُبشرون بهذا الكائن لن تكون متاحةً إلا لمن يملكون تكلفتها، أى للقلة الأكثر ثراءً ونفوذًا، ومعهم التقنيون الذين سيزودونهم بها.

ولهذا فحتى لو افترضنا أن التحول المُبشر به سيجلب فائدةً، ستكون الاستفادةُ منها محصورةً فى قلة قليلة سيزداد تحكمها فى بقية البشر الذين سيصبحون والحال هكذا فى مرتبة أدنى من العبيد.

ليس ثمة ما يُثير الاستغراب إذن فى هذا الموقف، الذى يتقاطع مع ما يتبناه المحافظون. فالمجادلات التى يعتمد عليها التقدميون مختلفة عن تلك التى يُحاجج بها المحافظون، برغم أن الفريقين يلتقيان عند رفض التخلى عن أخلاقيات السياسة البيولوجية. وليست هذه المرة الأولي، فقد التقى الفريقان فى مقاومة الأفكار المتعلقة ببرامج تحسين النسل Eugenics، واتفقا على أنها عنصرية.

وينضم كثير من الحركات النسوية إليهما، ولكن من زاوية أثر التغيير البيولوجى فى تعميق التفاوت بين الرجال والنساء. تعتقد هذه الحركات أن التغيير المُبشر به سيؤدى إلى مزيد من الهيمنة الذكورية، على أساس أن معظم من قد يتحولون إلى كائنات حية سيبرانية رجال... السياسة البيولوجية، إذن، ليست مسألةً علميةً فقط، بل اجتماعية وثقافية أيضًا وربما أكثر.

عن الأهرام