متنفَّس عبرَ القضبان (41)
تاريخ النشر : 2021-11-09 07:43

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة؛

عقّب الصديق عصام العبادي: "قناديل وحمامات الحرية .. لا تطفئها قيود السجن والسجان ... الفجر آت لا محال مع الأمل والإيمان بعدالة قضيتنا الحرية للجميلات العاشقات الصابرات".

وعقبت الأسيرة المحرّرة الكاتبة نادية الخياط: "كل التحية لك أخي حسن على هذه الرسائل من ألطف وأجمل نساء الأرض".

"الجذب الكوني"

التقيت صباح الأربعاء 27.10.2021 في  سجن الدامون في أعالي الكرمل الأشم بالأسيرة المقدسيّة إيمان نعيم الأعور، تلازمها ابتسامة وادعة منتفضة، بادرت تحدّثني عن الجذب الكوني وأوصلتني سلامات زميلات الأسر.

تحدّثنا عن إضراب منى وأمل وشاتيلا والتضامن معهن، والموقف الموحّد تجاه السجّان قلبًا وقالبًا، وإرجاع الوجبات والعقوبات التي تلته من منع زيارة (ألغت الإدارة زيارة الأهالي بحجّة الترميمات الوهميّة) ومنع الكانتينا، القسم غير مستقرّ والأبواب مسكّرة منذ أيّام نفق الحريّة وغيرها وصرخت: "ارحموا قلوب الأمهات".

ما زالت قلقة على حالة أمّها المريضة فطمأنتها عنها، وعن هيام والعائلة، وهمست لي: "بدّي أبوس إيدين وإجرين إمّي، بنِفسي أشمّ ريحتها، اشتقتها كثير".

حدّثتني عن مجموعة الغوالي التي تنقصها لتتساءل: "لسّاتكم فيها ولّا غادرتوها؟ عُصبة ولّا فرادى؟"، وعن خربشاتها السلوانيّة  والدامونيّة وأمواج امرأة وغيرها.

تكتب وتخربش كيّ تُنفّس وتتنفّس وتحلّق.

مشتاقة لصوت الأهل عبر الإذاعة، وفداء الزعتري، ومحمد (وجع القلب) الذي تحرّر من الأسر ولم تستقبله لأنّها خلف القضبان، وصغيرها جبر "بدّي يزورني".

"من حقّي أحصل على العلاج"

بُعيد لقائي بإيمان أطلّت عليّ الأسيرة إسراء رياض جعابيص مبتسمة لتوصل سلامات زميلاتها وتحدّثني عن حفل إشهار "حروف من ذهب" للأسير قتيبة مسلّم في تلفيت وقد شاهدته على شاشة التلفزيون وتريد حفل إشهار لها يليق بها سائلة إذا تواصلت منى معي بالنسبة لكتاباتها ونشرها.

حدّثتني مطوّلًا عن رحلة عذابها وطريق الآلام نحو العلاج المنشود، ففي زيارتها العلاجيّة لمستشفى رمبام الحيفاوي "بشّروها" أنّها رقم 700 بالدور! وعن التواصل مع أطباء لحقوق الإنسان لتقريب الموعد آملة بفرصة علاج قريب وعن إمكانيّة خوض الإضراب عن الطعام (ما تراجعت عن فكرة الإضراب!)؛ وقالت بحرقة أنّها لا تسعى لعمليّات تجميل، فلا تستطيع رفع ما تبقّى من أصابعها التي خسرتها، والكتلة داخل الأنف تُغلق مجرى التنفّس والدِمّل في الإصبع والآخر في الأذن، وفصل اليد/ الذراع عن الظهر ليس بعمليّات تجميل كما يصوّرها البعض.

أخبرتني عن عقوبات الزيارات والكانتينا أثر إضراب ثلاث زميلات عن الطعام تضامنًا مع الأسر.

بعثت أحرّ التعازي لأم يافا بوفاة الوالدة، تبعث سلاماتها وتطمئنها: "لا زلنا ندرس رغم الظروف الصعبة. إحنا بخير، بس كوني إنت بخير".

حدّثتني عن كتاباتها الأخيرة التي ستوصلها لفراس حج محمد كي يعمل على تنقيحها وتحريرها لعلّها ترى النور قريبًا.

أوصلتها تحيّات التحالف الأوروبي لنصرة أسرى فلسطين والمؤتمر الذي سيُعقد في مالمو/ السويد في شهر ديسمبر القادم.

"سيّارة كشِف"

بعد لقائي بإيمان وإسراء أطلّت الأسيرة المقدسيّة أماني خالد الحشيم مبتسمة تلك الابتسامة السرمديّة، ومباشرة بعد تبادل التحايا أوصلتها سلامات الوالدة والأبناء وخبر عروس وسام.

حدّثتني عن تبعيّات الإضراب الخانقة ومنها انتقلت إلى شغفها بتعلّم اللغات، فهي تتقن العربيّة، الإنجليزيّة، الإيطاليّة، الروسيّة، العبريّة، وها هي بدأت تتقن الإسبانيّة مع خواني، وطموحها أن تحصل على الدكتوراه في الأكاديميّة الروسيّة بتخصّص "الاتفاقيات والمعاهدات الدبلوماسيّة".

تحلم بساعة التحرّر آملة أن تفتح بوابّة السجن بيدها لتمشي بالشارع دون مرافق، لتتجوّل في شوارع حيفا بسيّارة مكشوفة السقف وموسيقى عالية لتصل البحر مع جاط فواكه مشكّلة.

علينا أنسنة قضيّة الأسرى كي نكسب تعاطف العالم الغربي وتضامنهم، ليعلموا أنّ للأسرى أحلاماً وطموحات، فالسجن محطّة عبور ويبقى السؤال محلّقًا: هل كسرك السجن وحطّم أحلامك؟ فهناك الكثيرون من كبُرت أحلامهم داخل السجن.

حدّثتني عن كتاباتها وفرحتها حين أخبرتها نجوان، عبر الإذاعة، بعنوان تغريدتي حول زيارتها "شمس في الزنزانة"، وعادت تسألني: "هل وجدتني في رسائل حسام شاهين إلى قمره؟" فوعدتها بتوصيلها نسخة من الكتاب.

كان لقاءً غير شكِل!                                          

لكنّ عزيزاتي إيمان، ومرح  وأماني  أحلى التحيّات، والحريّة لكنّ ولجميع أسرى الحريّة.