أيام.. كلام وخُطاً
تاريخ النشر : 2021-10-20 08:06

كتاب سيرة ذاتية لخالد جميل مسمار، والكتاب من القطع المتوسط ويقع على متن 172 صفحة وهو من اصدار الكاتب نفسه سنة 2020 وبدون دار نشر.

الكتاب من النوع السلس والذي سرعان ما تلتهم صفحاته بشغف، فتنقل القاريء بين صفحاته يكون مشحونا بدافع تتيع خيوط السيرة و المسيرة لكاتب هذه الصفحات خالد جميل مسمار المولود في نابلس 1941 والمتنقل للدراسة بين نابلس وعمان والقاهرة حتى حصوله على درجة البكالوريوس ودبلومي الدراسات العليا (الماجستير) والمتحصل فيما بعد على شهادة الدكتوراة في الاعلام عام 2020.

تلك المسيرة بين الرغبات والامنيات تخللها تعرجات وتقلبات نجحت بقطعه عن متابعة تحصيله العلمي ولو الى حين، لكنها لم تنجح ابدا في وأد هذا الحلم وان طال امد تحقيقه وهذا ما تم في 2020 ، وكان صاحبنا احد هؤلاء الرواد الذين نجحوا في تحقيق وتأكيد رؤيا شاعرنا الكبير محمود درويش حين قال:" انا لا انسى، انا فقط اترك الاشياء جانبا..."

الحاج خالد -كما نحب ان نسميه- صاحب سيرة ومسيرة عطرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، فهو احد مؤسسي اذاعة صوت الثورة( صوت العاصفة- صوت فتح- صوت الثورة الفلسطينية) التي انطلقت في القاهرة في 11/5/1968، وهو مؤسس اذاعة الثورة في صنعاء عام 1973، وهو نائب مدير الاذاعة في بيروت 1976-1982، وهو المفوض السياسي في جيش التحرير الفلسطيني في لبنان 1980-1982، ثم مسؤول الاعلام الفلسطيني في الاردن حتى 1994، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح 1988-2009، ونائب المفوض السياسي العام في مرحلة السلطة الوطنية وعضو المجلس الاعلى للامن القومي وناطقا باسم القوات، وعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني ورئيس لجنة السياسات فيه.

ان تعداد تلك المواقع التي تولاها الحاج خالد ليس بهدف التعريف به شخصيا بقدر ما هو بهدف التعريف بحجم المهام التي تولاها ونوعية المواقع التي تبوأها والملفات التي كلف بها وما ترتب على ذلك من كثير من الصراعات والمعارك التي خاضها بحكم موقعه ومهامه، وفي هذا ايضا تحفيز للقريب والبعيد للاطلاع على هذه السيرة والمسيرة والتي يتماها فيها العام مع الخاص، ويذوب بين سطورها سيرة كاتبها لتبرز مكانه سيرة فلسطين عبر صور ومشاهد شخصية ومقاطع زمنية للحاج خالد، تلك الصورة وعبر سيرة صاحبها تؤكد فيما تؤكد ان هذا الشعب لم يخلق لينهزم، فقد يتراجع وينتكس ويعلو صراخه وتكثر آلامه... وقد يتعثر... لكنه في النهاية حتما سينتصر.

الكتاب جاء عبر ثلاث فصول سلسلة وغنية بالمعلومات والاحداث وهي كالتالي:

الفصل الاول من ص 11-15 وجائت تحته عناوين ثلاث: لماذا اخترت فتح، والدولة العلمانية، وشيء من النقد.

الفصل الثاني من ص 19-94 وفيه يتحدث عن الولادة والنشأة ومرحلة الروضة وذكريات الطفولة، والاخوان المسلمين وحزب التحرير، وعن الثورة المصرية، وبداية الحس الاذاعي، وعن حلف بغداد والاحزاب وهزيمة حزيران والدراسة في مصر ومدرسة الفسطاط ثم الدراسة الجامعية وبداية الحكاية مع صوت العاصفة وعن كيفية اختيار الكادر للاذاعة وحادثة اغلاق الاذاعة والكثير من صفحات الوفاء عن ابو صخر فؤاد ياسين المعلم والمؤسس الاول لاذاعة صوت العاصفة.

ثم يتابع الحديث عن جريدة فتح واذاعة زمزم ابان احداث ايلول الاسود في الاردن حتى وفاة جمال عبد الناصر والخروج الى سوريا، ثم تأسيس الاذاعة هناك في درعا وبعض القفشات والذكريات التي تستفيق لتوقظ فينا حديث الذكريات عن فدائيي الزمن الجميل.

ثم يتابع الحاج خالد مسمار سيرته الذاتيه بحديثه عن رحلته لاوروبا مع زملائه في كلية الاعلام في جامعة القاهرة، هذه الرحلة التي تبوح بكثير من صفات وطبائع وقيم صاحبنا الحاج خالد، تلك الصفات والطبائع المشبعة بالحس الوطني والمطوقة بحس انساني مرهف وجميل.

ثم يتابع الحديث عن مسيرته وعمله اثناء تواجده في صنعاء وتأسيس الاذاعة هناك، وبعضا من شذرات ومواقف العز التي يعشقها الرجال والمناضلون ويتلمسونها بحق، رغم ان النبيه والقاريء الفصيح والعالم بخفايا الامور على يقين ان الحاج كتم غيرها الكثير، حفظا وصونا للعهد من باب، وحفظا لمروءة الرجال، وسِترا لادعياء البطولة، ودرءا للمفاسد ومنعا للفتنة او القيل والقال من باب اخر.

ثم يواصل الحديث في هذا الفصل الزاخر والمزدحم بالاحداث عن حله وترحاله بين عواصم الشتات الفلسطيني وصولا الى درعا ومغامرته بالذهاب من دمشق لبيروت وعمله في الاذاعة هناك وتوليه مسؤولية نائب رئيس الاذاعة، حتى زواجه هناك، كل هذا دون ان يغفل صاحبنا كعادته عن ابراز تلك السمات الانسانية التي تغلف علاقته بكل من حوله، وما حكاية ترتيب امور زواجه ومستلزمات الفرح وتجهيزاته إلا صورة ناصعة وصادقة لنوعية وطريقة العلاقات التي تطوق وتحيط بصاحبنا الحاج خالد.

ثم يصل البوح الى مستوى الصراخ من الالم والقهر، وهذا ما يظهر اثره جليا من الصفحة 72 وحتى الصفحة 74، حيث الحديث عن بيروت وحصارها حتى الخروج -وهنا يؤخذ على صاحبنا عدم التوسع في تسجيل وتوثيق معالم تلك التجربة، وان كنت ادرك انا مثلا مقصده من ذلك حينما اشار الى بعض من الكتاب والادباء والاصدقاء والزملاء الذين كتبوا في هذا الباب كاشارته لرشاد ابو شاور وكتابه اه يا بيروت في اخر فقرة من الصفحة 71.

عبر الباخرة صولفرين تواصل امواج البحر بحمل الفلسطيني من شتات الى منفى ومن حدود الوطن الى اقاصي الارض ومغاربها. بعد الخروج من بيروت يحط صاحبنا رحاله في تونس وهناك تبدا سيرة جديدة بطلها منفى جديد تجلى بصورة مؤلمة وموجعة في معسكر وادي الزرقة، ثم يتابع صاحبنا سيرته حتى عودته الى عمان ثم ذهابه لبغداد وعمله هناك في اذاعة الثورة الى حين.

عند ظهر الصفحة 80 تبدا حكاية جديدة من سفر الثورة الفلسطينية ومن خطوات صاحبنا الاثير الحاج خالد؛ تلك الحكاية تبدأ سطورها عند العودة الى ارض الوطن مع طلائع القوات والرئيس الخالد ابو عمار، وحتى تلك العودة لم تخلوا من المنغصات والاشكاليات، لكن اهم ما فيها ذلك القلم الصادق بتدوينها.

بعد العودة والاستقرار في ارض الوطن يتحدث صاحبنا عن المعسكرات الصيفية ص 86 وعن دوره فيها وعن تحريض اسرائيل عليها، ثم يتحدث عن اول الصدامات مع حماس وعن اول حوار معها في مرحلة السلطة(عمان) ص 88.

ثم يختم صاحبنا هذا الفصل بالحديث عن محاولة اعتقاله ابان انتفاضة الاقصى وعن اقتحام جيش الاحتلال لبيته ص 91 ثم يختم بقرار نقله من قبل الزعيم الخالد ياسر عرفات من فلسطين الى عمان للعمل على ملاك المجلس الوطني الفلسطيني ولترؤس اللجنة السياسية فيه حتى كتابة هذه السطور.

في الفصل الثالث يتناول الحاج خالد مجموعة من مقالاته الصحفية التي تناول فيها سيرة بعض من رفاقه وزملائه الذين عمل معهم او رافقهم عبر سني حياته الغنية ومحطات تجاربه المتعددة كرسمي ابو علي وزهير صندوقة واحمد عبد الرحمن واحمد دحبور، دون ان يغفل في الصفحة 111 وعبر عنوان شيق وملفت "مشاعل على الطريق" الاشارة والاشادة لتجربة اللواء عرابي كلوب في توثيق وتدوين سيرة القادة والكوادر والشهداء والابطال كل ذلك بهدف تقديم الرواية الصادقة التي تحفظ السيرة والمسيرة وتكنس الادعياء والدخلاء. فأمثال صاحبنا (الحاج خالد) وصاحبه(عرابي كلوب) يتقنون ابجديات الثورة ويعلمون علم اليقين بالحقيقة التاريخية الثابتة والتي تقول: إذا أردت أن تلغی شعبا ما، تبدأ بشل ذاکرته التاریخیة،ثم تشوه لغته وثقافته وتجعله یتبنی ثقافة أخری غیر ثقافته ثم تلفق له تاریخا آخر غیر تاریخه وتعلمھ ایاه...عندئذ ینسی ھذا الشعب من ھو ومن کان وتندثر معالم حضارته،وبالتالي ینساه العالم ویصبح مثل الآمم المنقرضة...

لكن الاهم من ذلك كله ان صاحبنا(الحاج خالد) وعبر كتابه هذا اتقن مرة اخرى تأكيد وتجسيد حقيقة اخرى من الحقائق الدرويشية والتي عبر عنها محمود درويش في مجموعته الشعرية "لماذا تركت الحصان وحيدا" حين كتب وقال: "من يكتب حكايته يرثْ أرض الكلام، ويملك المعنى تماما!".