​نبش قبور ورشى وملايين الدولارات...شريط عمليّات سريّة بحثاً عن رود آراد
تاريخ النشر : 2021-10-16 20:37

بيروت: نشرت الصحفية مرال قطينة في صحيفة "النهار العربي" اللبنانية، تقريرًا حول رشاوي بملايين الدولارات ومحاولات لنبش القبور في شريط عمليات سرية بحثًا عن رود آراد، وضمن التقرير، أنه على مدى 30 عاماً، قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتحديداً جهاز الاستخبارات "الموساد"، بعمليات مختلفة ومتنوعة للحصول على معلومات عن مصير رفات الطيار الإسرائيلي رون آراد، وحفل الأسبوعان الماضيان بأخبار كثيرة، وكشفا عن عمليات سرية وتفاصيل لحوادث كانت تحدث في الخفاء، لكن مما لا شك فيه أن العملية الإسرائيلية الأخيرة التي صممت لتعقب آراد، وكشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لم تنته بالفشل، لكنها ستؤدي الى الاعتراف بفشل أكبر بكثير، إذ إنها "أكدت بكل وضوح أن رون آراد ليس موجوداً في المكان الذي كانت تبحث فيه إسرائيل طيلة السنوات الماضية"، هذا ما استنتجه التقرير الطويل الذي نشرته مجلة "يديعوت أحرونوت" الأسبوعية، وتناولت فيه أبرز العمليات السرية الإسرائيلية للبحث عن آراد.

وأشار التقرير الإسرائيلي الى أن العملية الأخيرة انتهت بخيبة كبيرة، لكنها هذه المرة كانت أكثر حدة، إذ إن الاستخبارات الإسرائيلية وجهت نفسها منذ عام 1992، تبعاً لفرضيات جُمعت في عمليات سرية لا حصر لها، بعد التنصت على مكالمات هاتفية، واختراق البث وفك الشيفرات، وتجنيد العملاء والوسطاء والمحتالين، كلها تذكر أن رون آراد اختطفته إيران أو مبعوثون لها من مكان ما، وعرف أنه كان على قيد الحياة في أيار (مايو) عام 1988، وبحسب الفرضيةنفسها، فقد نُقل في مرحلة معينة الى إيران، ثم عاد الى لبنان حيث مات في منتصف التسعينات.

ما حصل عليه "الموساد" هذه المرة من معلومات، أو بالأحرى ما لم يحصل عليه في العملية الأخيرة، يظهر احتمالية انهيار برج التجسس الضخم، الذي استثمرت فيه إسرائيل لسنوات الكثير من القوى البشرية، والموازنات الضخمة، والقدرات العظيمة لأفراد من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كافة، تبين في النهاية أنها معلومات خاطئة.

ويتابع التقرير أنه إذا كان هذا قد حدث فعلاً، فإنه يتعين على شخص ما طرح بعض الأسئلة الصعبة، لأن الانهيار لا يؤثر فقط في قضية رون آراد، ولكنه سيؤثر في سلسلة استنتاجات أجهزة الاستخبارات ككل في مناطق الظل، بناءً على المصادر نفسها، سيقول البعض إن هذا هو أحد أكبر الإخفاقات في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية، بعد سلسلة من الأخطاء والإهمال وسوء التقدير وسوء فهم الجانب الآخر، وحظ أسود جعل لغز اختفاء رون آراد اللغز الأكبر والأكثر إحباطاً الذي تعاملت معه الاستخبارات الإسرائيلية على الإطلاق، لقد فاقت الجهود الجبارة لحل اللغز مئات المرات عواقب تتبع مصير شخص واحد، لكنها بلا شك ستشكل الى حد كبير تاريخ حرب إسرائيل السرية ضد إيران و"حزب الله" اللبناني، منذ لحظة اختفائه وحتى كتابه هذه السطور.

كما تطرق التقرير الى خيبة الأمل الإسرائيلية الكبيرة، إذ "لم يكن هناك رجل في تاريخ البشرية كرّس الكثير من الجهد لتحديد مكانه كما فعلت إسرائيل مع آراد، فلم يكن هناك حجر لم نقلبه، ومصدر لم نطرحه، ورشوة لم ندفعها، ومعلومات لم نتحقق منها، كل هذا انتهى بنا بمعلومات قيمتها صفر، ولا تقدم أي خيط لحل اللغز المأسوي"، فإسرائيل تعاونت مع نازي سابق هو كورت فالدهايم، وأزالت اسمه عن اللائحة السوداء مقابل أن يحصل من أصدقائه في إيران على معلومات عن آراد، وتاجر السلاح الإسرائيلي الذي منح إذناً ببيع أسلحة عادية لإيران مقابل الحصول على أكبر قدر من المعلومات، والوسيط الألماني الذي ذهب الى لبنان مراراً وتكراراً من أجل نبش القبور وفحص العظام.

ويعود التقرير بالذاكرة الى 16 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1986، يوم سقوط طائرة آراد في لبنان،حيث أعلن زعيم حركة "أمل" نبيه بري أنه في حوزته، وأطلق جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بالتوازي عملية لإعادته، أطلق عليها "حرارة الجسم"، إذ قام منسق ملف الأسرى والمفقودين في ذلك الوقت أوري لوبراني بتجنيد "شخصين من الطائفة الشيعية" ليتمكنا من الوصول إلى الدوائر المحيطة بـ"حزب الله"، والتجول بحرية في لبنان، وطلب منهما الذهاب الى كل العيادات والمستشفيات في لبنان، والتحقق مما إذا كان قد وصل اليها سجين مرموق أو شخص يحاولون إخفاءه، لكنهما عادا بإجابات سلبية، بعد ذلك قام لوبراني بتجنيد الصحافية الإسرائيلية تمار جولان، مراسلة صحيفة "معاريف" في باريس، وكانت مقربة من إسحق رابين، وساعدت الموساد لسنوات عديدة، وقدمت شقتها التي استأجرتها من عائلة روتشيلد في العاصمة الفرنسية لعقد اجتماعات مختلفة وتصرفت بتكتم شديد.

 ويضيف التقرير أن جولان تمكنت من تجنيد مصور تلفزيوني فرنسي كان يعمل في لبنان، كان على استعداد لأن يفعل أي شيء مقابل المال، لكن سرعان ما تبين لها أنه كان مدمناً على المخدرات، وطالب بمزيد من المال، وبسبب تورطه في تجارة المخدرات كان يعرف الجميع، وكانت جولان على اتصال دائم مع رابين ولوبراني، فحصلت على الموافقة وقدمت له تذاكر للسفر وكاميرا عالية الجودة والمال الذي طلبه، وبالفعل عاد بمعلومات وصور، نقلها الى ممثل لوبراني الذي جاء الى باريس خاصة لمقابلته، بعد فترة عُثر على جثته مقتولاً داخل شقته.

ولفت التقرير الى أنه في ظل الانتقادات الشديدة التي وجهت اليه في أعقاب صفقة القيادي أحمد جبريل لتبادل الأسرى والمفقودين، حيث أُطلق سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني ولبناني من السجون الإسرائيلية، رفض رابين دفع الثمن، وأمر لوبراني بمواصلة محاولة المساومة، لكن بحسب ضباط كبار في ذلك الوقت، لم يكن ثمن آراد جنونياً إذا ما قورن بصفقة جبريل، وهو في الحقيقة لا شيء. بضعة ملايين من الدولارات وسجناء ليسوا مهمين جداً، كان رابين على وشك القبول، لكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى قلب الأوراق، في هذه المرحلة دخل لاعب جديد الى الصورة. وسيط الاستخبارات الروسية، المحامي الألماني وولفانغ فوغل الذي فهم أن الكتلة الشرقية على وشك التفكك وقدم صفقة تنقل إسرائيل بموجبها الجاسوس ماركوس كلينبيرغ الى الاتحاد السوفياتي مقابل إطلاق سراح جميع السجناء الشيعة، فيما تحصل إسرائيل على بولارد ورون آراد، لكن الأوان كان قد فات وانهار الاتحاد السوفياتي وانحسرت عظمة المعسكر الشرقي، فيما تمكن رجل الأعمال الإيراني المثير للجدل ماجد أبسفبور من خداع "الموساد" لفترة طويلة. الرجل الذي تصنفه أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية بأنه من أخطر الأشخاص في إيران "لم يكن العمل معه منطقياً بالنسبة إلينا، ولم نفهم كيف سمحت إسرائيل له ببيع أسلحة كيماوية، وعندما راجعنا الموساد لم يعرفوا شيئاً أو على الأقل زعموا أنهم لا يعرفون شيئاً، وقالوا إنه يساعدهم في قضية رون آراد". ويضيف التقرير أنه خلال فترة رئاسة مئير داغان لجهاز الموساد، توصل الى فكرة من شأنها أن تحل لغز اختفاء آراد الى الأبد، كانت الفكرة هي وصول "الموساد" الى المخابرات الإيرانية و"حزب الله"، وإحضار المعلومات المفقودة. أراد داغان أن يعرف مرة والى الأبد ما الذي حدث لآراد عند اختفائه من المكان المعروف على وجه اليقين في قرية النبي شيت في البقاع، ومن أجل القيام بذلك احتاج الى مساعدة جهاز الأمن العام "الشاباك". كان داغان متحمساً الى حد أن رجال الاستخبارات وصفوا العملية بالوهمية، حيث تم حشد جهود كبيرة للعملية، إضافة الى المخاطر الجسيمة التي واجهوها. وبحسب التقرير، تمكن رجال الموساد من الوصول الى حيث أرادوا (النبي شيت)، لكنهم لم يعثروا على أي شيء ولو تلميحاً واحداً يساعدهم في حل هذه القضية، كما حدث في العملية الأخيرة.

ويخلص التقرير الى أن قضية رون آراد أصبحت سبباً للحوادث وملحقاً للتاريخ كل يوم. فقد المزيد من الناس حياتهم بسببها، وبحسب التقرير، لم يكن الفشل فقط للقوات المسلحة، فـ"الموساد" الذي من المفترض أن يوفر التغطية الاستخبارية لما يحدث خارج البلاد، تعامل مع لبنان و"حزب الله" على أنهما مصدر إزعاج وليسا تهديداً استراتيجياً، وخصص الموارد وفقاً لذلك. لا أحد قادر على تقديم أي خبر إيجابي أو جاد، كل المعلومات الواردة حول القضية تساوي في قيمتها الاستخبارية المعلومات التي تم تلقيها، والتي لا يزال من الممكن تلقيها هي أشبه بمن يخبرك "أن شخصاً ما قد شاهد ألفيس في ممفيس".