ترجمة الخطاب في الواقع
تاريخ النشر : 2021-09-27 23:09

لقطع دابر المشككين، ولتعميق المصداقية بين القائد والشعب، ولتجسير العلاقات مع القوى والنخب بقطاعاتهم المختلفة، وللرد على الإسرائيليين والانقلابين على حد سواء، الذين اعتبروا الخطاب بمثابة "صعود على الشجرة"، او "لم يأت بجديد، ومجرد تكرار لخطابات سابقة"، ولوضع النقاط على الحروف، وتأكيد إرادة وصلابة وحكمة القيادة، فإن خطاب الرئيس أبو مازن امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي يتطلب وقفة جدية، وتشكيل لجنة وطنية وحكومية ومن المجتمع المدني لوضع مرتكزات الخطاب ضمن خطة عمل للترجمة على الأرض.

واعتقد ان أولويات الشعب الفلسطيني تكمن في الاتي: أولا تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والمبادرة لدعوة المجلس المركزي للاجتماع فورا لمراجعة السياسات الوطنية خلال السنوات الثلاث الماضية تقريبا، وأيضا لإقرار اليات عمل تتناسب وتتلازم مع مضامين الخطاب وقرارات المجلسين الوطني والمركزي، وفي السياق إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية أو ملء الشواغر فيها بالحد الأدنى لتتمكن من القيام بمهامها الوطنية على أكمل وجه، ولتستعيد مكانتها كقيادة يومية لكفاح الشعب العربي الفلسطيني؛ ثانيا الشروع الفوري بملف الوحدة الوطنية دون تردد، ودون انتظار عبر ارسال وفد من منظمة التحرير لقيادة حركة حماس ليطرحوا عليهم سؤالا واحدا: هل تريدوا الوحدة وطي صفحة الانقلاب، او المراوحة في ذات المكان، وتأبيد الدويلة المسخ في غزة على حساب المشروع الوطني؟ واي كان الجواب سلبا او إيجابا، يتم العمل فورا على استعادة الشرعية لدورها ومكانها في ارجاء الوطن الواحد بكل الوسائل المتاحة ودون تسويف او مماطلة، والشروع بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد العدة لإجراء الانتخابات بكل مستوياتها الرئاسية والتشريعية والوطنية والبلدية، وتعزيز الشراكة السياسية.

كما ان الضرورة تتطلب مشاركة الشقيقة مصر الراعي الأساسي للمصالحة وجامعة الدول العربية في تحمل المسؤوليات لطي صفحة الانقلاب دون تردد، وبعيدا عن سقف الدول العاملة على تغذية الانقلاب وتأبيده على حساب وحدة الأرض والشعب والاهداف الوطنية؛ ثالثا تجسير العلاقة مع الشعب، وتقريب المسافات مع قطاعاته المختلفة عبر تعميق العملية الديمقراطية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير والتظاهر والتنظيم والاعتصام وفق القانون والنظام الأساسي. لأنه دون تنقية وتطوير العلاقة مع الشعب يصعب تحقيق أي من الغايات الوطنية. وفي السياق العمل على تعزيز دور النظام والقانون والسلطة ومؤسساتها الأمنية كحامية لأمن الوطن والمواطن، والحد من دور القبائل والعشائر؛ رابعا محاربة كل مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي وفق خطة تشمل كافة مؤسسات السلطة دون استثناء، لتعميق الثقة بين الشعب والقيادة؛ خامسا تعزيز المقاومة الشعبية فعلا لا قولا من خلال تشكيل قيادة ومرجعية وطنية مؤهلة ولها ثقل وطني، ووضع خطة شاملة لتفعيل كافة نقاط التماس مع دولة المشروع الصهيوني والمستعمرات الاستيطانية في عموم الضفة بما في ذلك القدس العاصمة الأبدية والقطاع، ووضع الإمكانيات المالية واللوجستية تحت تصرف قيادة المقاومة، لإعادة الاعتبار للقضية والمشروع الوطني، ولرفع كلفة الاحتلال الاستعماري الصهيوني؛ سادسا تكليف الحكومة مع القطاع الخاص وضع خطة اقتصادية تقشفية للاعتماد على الذات، والشروع فعلا بفرض مقاطعة العمل والسلع والبضائع الإسرائيلية كلها دون استثناء، والسعي الحقيقي لتجاوز برتوكول باريس الاقتصادي وغلافه الجمركي، وتعزيز الاقتصاد التكافلي الفلسطيني، وتعزيز الشراكة مع الاقتصادات العربية والعالمية؛ سابعا تعزيز التواجد في المنطقة C وفي المجالات المختلفة البناء والزراعة والصناعة والسياحة الداخلية والخارجية وفق الواقع، وملاحقة جيش الاستعمار الإسرائيلي وقطعان المستعمرين على الأرض وفي المحاكم الدولية؛ ثامنا تعميق الخطاب الثقافي الوطني، وتعزيز وترسيخ الرواية الوطنية في كل ميادين الحياة، وتعزيز حضور مكانة الشهداء واسرى الحرية في المشهد الفلسطيني، والدفاع عن حقوقهم ودورهم الريادي في النضال الوطني، وحماية حقوق اسرهم وذويهم المالية وغيرها؛ تاسعا الانفتاح على الكل العربي دون التغطية على الدول المتساوقة والمطبعة مجانا مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وعلى حساب القضية الفلسطينية؛ العمل مع الأقطاب الدولية على عقد مؤتمر دولي ملزم لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات السلام لفرض حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وتجاوز العقبات التي تحاول بعض الدول وضعها في طريق السلام، ومطالبة الأصدقاء الامميين مساءلة إسرائيل المارقة في المنابر الدولية، ورفع صوتها عاليا بهدف الارتقاء لمستوى المسؤولية الأممية لصناعة السلام؛ عاشرا ان لم يحدث تطور على المستوى العربي والعالمي تتخذ القيادة عشية انتهاء العام المحدد في خطاب الرئيس عباس إجراءات فورية لتنفيذ الخطة (ب) من خلال الدعوة لعقد اجتماع للمجلس الوطني او المركزي لاتخاذ ما يلزم من القرارات للذهاب إلى الخيارات الأخرى فورا، أي الدولة الواحدة او الدولة على حدود قرار التقسيم 181 لعام 1947، والتخلي عن خيار حل الدولتين كليا.

دون وضع خطة عمل وترجمة محددات خطاب الرئيس أبو مازن على الأرض، لن يكون للخطاب أي مردود إيجابي. لان قيمته ليست فيما تضمنه، وهو هام جدا، ولكن فيما يجسده على الأرض، ومن خلال نقل المواقف النظرية السياسية والكفاحية إلى فعل وتطبيق في الأرض الفلسطينية.