كيف خدع الاعلام الصهيوني الجمهور بقضية الأسرى الأحرار
تاريخ النشر : 2021-09-25 12:28

الهروب الكبير نحو فضاء الحرية أدّى للتدميرالكامل لسُمعة المعتقلات الصهيونية المصفّحة بالتقانة العالية التي تصدّر للغرب وتسوّق للشرق الأعمى بخُلّب الدعاية الصهيونية (بروباغندا)، وأدت العملية البطولية لأوسع حالة تضامن عربي وخارجي مع الأسرى وقضيتهم عبر الأبطال الستة، كما قامت بإزالة الغشاوة عن عيون مَن افترضوا السطوة المطلقة أو المهابة العسكرية التي لا تُمس لدولة الاحتلال التي تسوّق نفسها-وصناعاتها- كذلك لتظل هيمنتها بالمنطقة (الشرق الاوسط) قائمة، فكان لزامًا والخسارة كبيرة أن يتم ابتلاع الهزيمة ولو مؤقتًا.
العملية البطولية التي تجلّت بالهروب من أساسه تمت تحت غطاء من السرية الذي دلّل على قدرة المناضل على الاحتفاظ برغباته وأهدافه محصورة بحدود التنفيذ، وأثبتت العملية المبهرة أيضا أن الايمان والإرادة والجهد المركّز قادر على اختراق أكبر التحكيمات بل وعلى مخادعة كافة الأجهزة الالكترونية والتحصينات الفولاذية ومن يقف وراءها.
عملية الأبطال الستة ليست قصة (مهمة مستحيلة) الهوليودية الخيالية للممثل الامريكي "توم كروز" الذي يستطيع فعل ما لا يُفعل بعجائبية وإبهار، بل هي حقيقة لحم ودم وعرق وتخطيط وعقل وإصرار فاقت به تلك القصة الخيالية على الحقيقة الصعبة، وليس على الشاشات بقلم الروائي "ديفد كوب" مؤلف المهمة المستحيلة الأولى ل"كروز".
استطاع المناضلون الستة تحقيق الإبهار الحقيقي وليس الخيالي، وهم ليسوا الأوائل بالخروج المدوّي من السجن لكنهم جاءوا في وقت مريض بالدعاية الصهيونية الغازية للعقول، فأحدثت العملية هزّة أرضية للمناصرين لفلسطين، ففرحوا، وهِزة لأولئك المتجندين طوعًا لخدمة الاحتلال من العرب فدهشوا وانكمشوا ولربما تشككوا.
استطاع الستة أن يرفعوا علم الحرية من فوهة حفرة صغيرة الحجم، تذكرنا بحجم الحفر لأنفاق الثورة الفيتنامية في سايغون (هوشي منه) ضد الغزاة الأمريكان، وجالوا في أنحاء فلسطين من الجليل الى جنين ليثبتوا أن السماء تظلّلنا جميعًا، وليثبتوا أن لا قوة بالعالم تستطيع مهما تجبرت أن تنتزع شعب من قلبه، وهي أرضه.
في ظل سقوط الأساطير الصهيونية بالتفوق والقوة والسطوة عبر عملية بطولية كهذه فإن الاعلام الاسرائيلي وبعد اكتشاف الهروب الكبير قلّص كعادته من مساحة النشر في صحافته واقتصر على البيانات الرسمية التي ابتلعت الهزيمة، وهذا متّبع في كافة الحروب الصهيونية ضد فلسطين.
ورغم اليمين واليسار النظري في الدولة الإسرائيلية الا أن الاستجابة كانت من الجميع واضحة وبناء عليه استطاعت القيادة الأمنية-الدعائية الصهيونية أن تغير المزاج العام الفلسطيني والعربي والعالمي الحر-ولو جزئيًا- الى التشكّك والهواجس. فالقناة الاعلامية-الأمنية- الإسرائيلية واحدة ولها بهذا الوضع ان تضح أي دعاية تريد وكان منها أولًا اتهام أحد سكان الناصرة بأنه وشي بالأسرى! وهو حتى لو صحّ ذلك لا ينسحب على كل الناصرة التي أثبتت –ولم تكن محتاجة-أنها النصير الأول للمناضلين منذ القدم، وحين احتضنت محاكماتهم بعد القبض عليهم، ولك أن تفهم أن أي مجتمع في العالم هو مجتمع فيه من السوس وإن قل ما يتم التعبير عنه بأشكال مختلفة، وفي الداخل الفلسطيني عبر عمليات القتل اليومية التي تقوم بها عصابات الاجرام المدعومة من "الشاباك" الإسرائيلي.
هذا عوضًا عن أنه في جميع الأحوال لم يثبت أن الواشي بالمناضلين الأحرار كان فلسطينياً، ولكن الطلقة من الدعائية "البروباغندا" الصهيونية قد خرجت وأصابت المنهزمين والمترددين، وبدلًا من أن تصيب الشخص أصابت مدينة كاملة، وهو ما كان من سعي الدعائية الصهيونية ونجحت جزئيا.
"مكالمة هاتفية أدّت لاكتشاف هروب ثلاثة مساجين قبل ثلاث ساعات"، ومن ثم عُدل الخبر ليصبح "بعد إجراء الإحصاء الصباحي تمّ اكتشاف هروب ستة مساجين" كما يقتبس الكاتب أحمد عمرو عن الصحافة العبرية.
في التدارك الثاني الذي أقدمت عليه الدعائية الصهيونية كان اتهام بدو فلسطين (قصاصي الأثر) بالجيش الإسرائيلي أنهم وراء الكشف عن أثر الأحرار الستة، وهو أيضا ما تغافل متعمدًا عن حقيقة أن قصاصي الأثر في الجيش الصهيوني هم من اليهود أصلًا ومن وحدة تسمى "وحدة مرعول" (تأسست عام 2014م) التي كان لها الدورالأساسي، وكان أن وضعت ال(بروباغندا) الإسرائيلية قصاصي الاثر البدو العرب بالمقدمة عمدًا بقصد الفتنة والتبخيس وزرع الشقاق ضمن نفس مقولة الاستعمار الانجليزي البشع للعالم (فرّق تَسُد).
الإسرائيلي "روعي سيمون"، من وحدة "مرعول" بدأ بتتبع الآثارمن المكان الذي وصلت منه إشارة سائق الجرار الزراعي الإسرائيلي "يوآف زيتون"، أعقاب سجائر وقنينة عصير، وهو وضمن ثلاثة إسرائيليين (وليسوا عربًا) من قصاصي أثر من الاحتياط استرجعوا مسار الهروب ووصلوا الأسرى(يديعوت أحرونوت، 11 أيلول، 2021)
نعم إن قصاصي الأثر العرب موجودون بالجيش الإسرائيلي، وبهذا الحدث بالذات لم يكن الدور لهم كما أوضحت "يديعوت أحرونوت".
ونقطة أخرى فإن الإعلامي-الدعائي الإسرائيلي يحاول تصوير أن كل البدو يعملون بالجيش الإسرائيلي! وهي خدعة انطلَت على الكثيرين فالحقيقة أن أعدادهم لا تتجاوز 6% مَن تخدم في هذا الجيش العدواني.(أنظر مقال رأفت أبوعايش المعنون: ما وراء الأرقام الإسرائيليّة الرسميّة للتجنيد في النقب؟ عام 2019).

سقطت الرواية الصهيونية أمام معاول الحقيقة، وثبات الشعب المرابط، وسقط معها أسطورة التفوق الصهيوني، رغم اعتقال الأبطال الستة، فالمحاولة أو العملية الشجاعة تتلوها محاولات لن تنتهي الا بتحرير الأسرى اجمعين، وتحرير فلسطين القضية المركزية.
ان الحرب النفسية والدعائية (بروباغندا) الصهيونية المتحالفة مع الاعلام الرسمي الإسرائيلي، ومن يُغنّي له، تقلب الحق باطلًا ولا جديد، بل وتمسخ الحقيقة ولا جديد، وتتلاعب بالعقول ولاجديد، ولكن العملية الفذة فقأت عين الباطل وأقلقت هؤلاء الى حد الانفجار، والانفجار الكبير قادم.