المناوي: المطلوب مصالحة فتحاوية - فتحاوية لا فتحاوية - حمساوية
تاريخ النشر : 2013-11-09 10:22

أمد/ القاهرة - كتب عبداللطيف المناوي*: أتمنى ألا يكون ملف المصالحة مع "حماس" هو أحد الموضوعات التي يحملها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جعبته وهو يصل إلى القاهرة غداً، فقد ثبت يقيناً أن "بيزنس" المصالحة هذا لا تصب فوائده في حساب الشعب الفلسطيني، بل له أرقام حساب مختلفة، منذ اختطاف "حماس" للسلطة وسيطرتها على قطاع غزة وطرد وقتل من انتمى إلى حركة "فتح".

قامت مصر طوال الفترة التالية بجهود حثيثة وصادقة -أشهد عليها- من أجل إزالة العوائق من أمام المصالحة بين الفصيلين الأساسيين في فلسطين، رغم الإدراك المصري وقتها لحالة المماطلة الواضحة من الطرفين ومدى استفادتهما من استمرار الأوضاع على ما هي عليه، إلا أن المصريين لم يتوقفوا وظنوا أن توقف الجهود لإحداث المصالحة سيكون بديله الاقتتال وإضعاف الموقف الفلسطيني بشكل عام، مما يضر بالفلسطينيين أصحاب المصلحة الحقيقية.

لا يمكن اعتبار العلاقة بين مصر وحركة "حماس" في قطاع غزة، قبل سقوط مبارك أو بعده، علاقة دافئة إلا في عام حكم "الإخوان"، فقد كان الإدراك المصري طوال الوقت أن "حماس" لا تشكل جاراً محبباً في ظل سيطرتها على غزة، إلا أن الاستراتيجية المصرية عندئذ كانت تعمل على احتوائها لضمان المصلحة الفلسطينية والأمن القومي المصري، والاستثناء كان عهد محمد مرسي، الذي استغرق عاماً، منذ تنصيبه رئيساً في 30 يونيو 2012 حتى عزله في 3 يوليو 2013، فأنفاق التهريب تعمل بكفاءة نادرة في تهريب كل السلع المصرية المدعومة، والمسروقات من السيارات الحديثة التي يملكها مصريون، إلى قطاع غزة. ومن الأنفاق، يأتي إلى مصر جهاديون تكفيريون، وأسلحة مختلفة الأشكال والأنواع، وخبرات في تصنيع المتفجرات عن بعد، وسيارات الدفع الرباعي المحملة بالأسلحة، وغيرها مما يدخل في باب تهديد الأمن القومي لأي دولة، المضحك بألمٍ في الأمر أن حكومة "حماس" المقالة التي تسيطر على غزة تحصّل أموالاً تحت صفة جمارك على المهربات من مصر، وأموالاً أخرى مقابل التصريح بحفر نفق وعمله وخدمته، مما كان يدر عليها نحو 400 مليون دولار سنوياً.

مع أحداث يناير التي أطاحت في نهايتها بالرئيس الأسبق حسني مبارك ومع كشف التورط الواضح لـ"حماس" بدأت الصورة الحقيقية تظهر أمام المصريين وبدأت "حماس" تخسر كل يوم تعاطف الشعب المصري، خاصة بعد معرفة دورها في الهجوم على عدد من السجون المصرية يومي 28 و29 يناير 2011، وما ترتب عليه من خروج قيادات جماعة "الإخوان" التي كانت في تلك السجون آنذاك، فضلاً عن آلاف عدة من السجناء الخطيرين، ومقتل عدد من ضباط الشرطة والجنود، ثم الكشف المستمر لتفاصيل تورطها في مرحلة حكم "الإخوان" والكشف عن انتمائها باعتبارها جزءاً أصيلاً من جماعة "الإخوان المسلمين"، بل هي الجناح العسكري داخل تنظيم "الإخوان"، باختصار اتضح تماماً مدى ما تشكله من خطورة على الأمن القومي المصري.

في ظل هذه المعطيات بات واضحاً أن استمرار (أبومازن) في الإصرار على المضي قدماً في تحقيق مصالحة لن تتم مع فصيل "حماس" هو استمرار في تضييع الوقت، ويلقي بظلال من الشك حول أسباب الإصرار على بذل الجهد في قضية خاسرة، من المستفيد هنا؟ خاصة مع إصرار الطرف الآخر على عدم بذل جهد صادق في قضية انشقاق "فتح" والتي تمتلك من مقومات الحل أكثر بكثير من وهم المصالحة مع "حماس". وما تردد مؤخراً في الأوساط الفلسطينية بأن محاولات متعددة حصلت من أجل جمع شتات "فتح" الممزقة بين محمود عباس ومحمد دحلان القيادي في "فتح" والذي فصله (أبومازن) لخلافات بينهما يطول شرح أسبابها، كان مؤشراً على عقل ووطنية وإدراك للمخاطر التي يتعرض لها الفلسطينيون وقضيتهم في ظل سيطرة "حماس" وتمزق "فتح"، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد فشلت المحاولات لأسباب تبدو شديدة الشخصية في العلاقة بين الرجلين، وأحد الأسباب الغريبة لفشل إحدى هذه المحاولات هو إصرار (أبومازن) على أن يكون الاتفاق بينه وبين دحلان من خلال ابن "الرئيس" أبومازن!

المصالحة بين عباس ودحلان تأتي على خلفية ضرورة توحيد الجهود قبل بدء المرحلة المقبلة من الصراع مع "حماس" في قطاع غزة، ولن يكون غريباً إن توقعنا أن هناك ضغطاً عربياً للإسراع في إنجاز الوفاق الداخلي بين اللجنة المركزية ومحمد دحلان لأسباب تتعلق بالوضع الإقليمي والداخلي، وكان دحلان أعلن في بيان صحافي سابق، عن استعداده للتوجه إلى رام الله والمثول أمام لجنة تحقيق وطنية من كل الفصائل الوطنية للتحقيق في كل التهم المنسوبة إليه، بشرط ضمان حيادية هذه اللجنة ونزاهتها وعدم تدخل (أبومازن) في سير عملها.

البعض يرى أن عباس يشعر بأن دحلان يشكل خطراً عليه، لذلك لا يعتقدون أن تكون هناك مصالحة قريبة، لأن (أبومازن) يخشى أن يكون هو ثمناً لهذه المصالحة، لكن هل هذه الخشية يمكن أن تكون سبباً في الإطاحة بالمصلحة الوطنية للفلسطينيين؟ وهل ستقف مصر ودول الجوار مكتوفة الأيدي دون أن تدفع إلى استبدال مفهوم المصالحة الفلسطينية بين "فتح" و"حماس" إلى مصالحة فلسطينية بين فتح وفتح؟

المنطق يقول إن محادثات (أبومازن) في مصر هذه المرة ينبغي أن تركز على المفهوم الجديد للمصالحة للحفاظ على الأمن القومي المصري، وأن على (أبومازن) أن يستجيب من أجل المصلحة الوطنية الفلسطينية.

*اعلامي مصري

عن الجريدة الكويتية