خطيئة العرب مع افريقيا
تاريخ النشر : 2021-07-26 23:57

لم يكن امرأ مفاجئا ولا صادما انضمام دولة الإستعمار الإسرائيلية عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي، كما ذكر بعض المراقبين السياسيين والإعلاميين، لإن القرار جاء بعد جهود ديبلوماسية وأمنية إسرائيلية على مدار عقدين من الزمن، وبالتحديد منذ قدم لاول مرة عام 2002  السفير الإسرائيلي لدى اثيوبيا، أليلين أدماسو أوراق إعتماده عضوا مراقبا لدى الاتحاد الأفريقي، والذي جاء نتاج تصدع البنيان الرسمي العربي، وإنخراط العديد من الدول العربية في عملية التطبيع المجاني، وفي اعقاب ابتزاز وضغط الولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة لأهل النظام العربي، وإرغامهم على القبول، وعدم الإعتراض على الطلب الأسرائيلي.

يوم الخميس الماضي الموافق 22 تموز / يوليو أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية انضمام دولتها المارقة مرة اخرى للاتحاد الأفريقي عضوا مراقبا من خلال سفيرها في الاتحاد. وقد استفادت اسرائيل من تراجع مكانة العامل العربي في القارة الأفريقية، نتاج التوترات العربية الأفريقية مع اثيوبيا وغيرها؛ وإدارة العرب الظهر للمصالح الأفريقية، بعد ان كانت افريقيا بدولها وشعوبها المختلفة تقف إلى جانب المواقف العربية، وقاطعت دولة إسرائيل الكولونيالية بعد حرب حزيران / يونيو 1967 وحرب تشرين اول/ اكتوبر 1973؛ وبسبب ارتهان الانظمة العربية للسياسة الأميركية؛ وفهمهم المغلوط لعملية السلام مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، حيث لم يميزوا بين صناعة السلام الممكن والمقبول فلسطينيا وعربيا، وعدم تطبيقهم الخلاق، وبما يخدم مصالحهم عملية التطبيع المجانية مع اسرائيل،  وبين إستخدام كافة الأوراق الإقليمية والدولية للضغط على دولة المشروع الصهيوني لترجمة عملية السلام ... إلخ

اسرائيل لم تتوقف لحظة عن محاولاتها، وواصلت جهودها الديبلوماسية والأمنية على مدار العشرين عاما الماضية حتى تمكنت من الإختراق مجددا مستفيدة من مجمل التطورات داخل الوطن العربي، والصراع المحتدم بين بعضها وبعض الدول الأفريقية. مما ساعدها في فتح الابواب المغلقة والمواربة او المغلقة في القارة السمراء، مع ال46 دولة أفريقية. الأمر الذي ساهم في تعزيز عمليات إستثماراتها في اكثر من حقل وميدان، بدءا من الزراعة والصناعة ومرورا بالأمن والماس والتجارة.

ومما لا شك فيه، ان لإسرائيل اهداف عدة في القارة السوداء، منها: اولا التمثيل الديبلوماسي المتبادل مع الدول الأفريقية؛ ثانيا تعميق التعاون الإقتصادي والتجاري، وتوسيع قاعدة الإستثمار في القارة؛ ثالثا إستغلال الثروات الطبيعية الهائلة في دول القارة الفتية لصالح المشاريع العدوانية الإسرائيلية؛ رابعا توسيع وتعزيز نفوذها الأمني داخل تلك الدول، واستغلال ذلك في تحقيق مآربها الأمنية المستهدفة الدول العربية عموما، وهي مصر والسودان وليبيا وتونس والصومال وارتيريا والجزائر والمغرب وموريتانيا وجزر القمر والرأس الأخضر وتشاد وغيرها؛ خامسا العبث بالأمن القومي العربي من خلال دول القرن الأفريقي وغيرها من الدول، التي ترتبط بحدود مشتركة مع الدول العربية؛ سادسا تصدير الأسلحة والمعدات الحربية لدول القارة؛ سابعا وضع افريقيا تحت المجهر الإسرائيلي، والقيام بدور راس حربة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ... إلخ

وللاسف الشديد ان الإعلان عن انضمام دولة الإستعمار الإسرائيلية للاتحاد الأفريقي مر مرور الكرام، وكأن ما جرى امراً "طبيعيا" و"مشروعا"، ولا يحتاج لمجرد الإستنكار، او الشجب أو العتب لدول الاتحاد الأفريقي، الحليف الإستراتيجي للعرب تاريخيا. وهو ما يعكس تقاعسا ورخاوة عربية غير مسبوقة. ويكشف ذلك عن وهن شديد، وتواطىء على الذات القومية، وإفلاس للمنظومة العربية الرسمية. وحتى القوى القومية العربية الشعبية جاءت ردود فعلها بطيئة وهادئة، ولم تشهد الدول العربية أية حراكات شعبية رافضة للخطوة الأفريقية. وهذا الواقع يحتاج الى مراجعة وتغيير في النهج والسلوك العربي تجاه ما يجري على الصعد المختلفة في السياسة العربية، لإنقاذ الذات القومية من مستنقع الهزيمة، وفتح الأفق لإنتشال الشعوب من دوامة الحروب البينية، والإرتقاء لمستوى المسؤولية الوطنية والقومية.