الثقبُ يتسع!
تاريخ النشر : 2021-07-24 09:36

كان يحفرُ في عقلي ثقباً، تمامًا هو كذلك! إنه يحفر بلاهوادة، ولأنه ثقب فإن الحفر كلما زاد توسعت الفوهة وتعمق الثقب.

عمق الثقب ارتبط بمكونات نفسية لرجل صديق في أواخر الخمسين من عمره، لكنه يعيش بعقل مراهق! ولا اقصد بالمراهقة ما قد يفهمه البعض جسديًا، وانما المقصد هنا أن تطوره العقلي غَدَا مشوهًا غير قابل للتطور أو التأقلم، أو التقدم لأنه لم يتجاوز اضطرابات تلك المرحلة، حيث توقفت استجاباته وسلوكياته عندها، فأصبحت مرحعيته.

أن تتعامل مع شخص بالخمسين من عمره أو أكثر وتطوره العقلي لم يتجاوز السابعة عشر! فالثقب في رأسك بالتأكيد سيتعمق مع كل ردة فعل وكل موقف! وكلّ رأي هذا إن جاز لك تسميته رأي أصلا.

تراكم المواقف ذات الصِبغة الواحدة من حيث المسلك تعني إن المثقاب يعمل فعله برأسك فتتوسع الفوهة ويتعمق الثقب.

توسع الفوهة ضمن الثقب تتيح المجال لدخول عوامل أخرى تتفاعل مع مكونات الثقب، وعمقه ينخر في عظام رأسك لدرجة الجنون!

لاتظن أن مثل هذه المعاملة أو السلوكيات قابلة للحل أو التطور! هيهات، فالشخص لايعتقد بتاتًا أن لديه مشكلة! رغم أن مشكلته بادية للعيان لكل من عاشره وفاجأه بحالته! ولم يكن له من ردّ إلا: انهم يكرهوني يحسدوني! فهو عصيّ على الخطأ! والكل دونه خَطّاء.

الأشياء عنده تتساوى، فلا أهمية إلا لما ارتبط برغباته فقط! وهي المتوجب توفرها بغض النظر عن ظروفك أنت. هو لايفهم الانعكاس ولا التبادلية ولايفقه المآلات أو نتائج الأفعال مادامت نزواته وطلباته مجَابة، والا فأنت أو فأنتم؛ كلكم تكرهوني ولاتحبوني، وتحسدوني!
الثقب يتسع والمثقاب (drill) لا يتوقف، ومع كل يوم تصبح الأفكار تائهة،مبعثرة، والعيون غائرة والقلب ينفلت بلا صمامات!

صديقي من أيام المعتقل، هذا، ظلّ على عهده القديم، يشكو ويتذمر، ويُعرِض وينكمش، ويثير حوله جوّا عقيما مليئًا بالسواد والطاقة السلبية المخيفة.

هو لايفهم، ولا يتعلم بلا ولا يرغب بالتعلم، وكيف ذاك وهو لايقبل أي فكرة جديدة تفِد لعقله المنكمش! هو لايفهم الا تلبية حاجاته الأولية ورغباته الطفولية، وكأن فترة اعتقاله هذه ظلّت حبيسة عقله فلم تغادرها منذ المراهقة الاعتقالية، فأغلق عليها بالقفل والمفتاح.

لو قلت لك عنه أنه أحمق يريد أن ينفعك فيضرك لاتكفي، ولو قلت أنه أبله لايقدّر معنى أفعاله لم أفِهِ حقه، وإن قلت أنه قاصر عقلياً عند حدود ثلاثين عامًا مضت لربما تفهمه، ولكنك والتطور في ركابك، كيف تحتمله وبينكم عقليًا عشرات السنوات. والثقب يتسع ويتعمق.