واستوصوا بالنساء خيرا
تاريخ النشر : 2021-06-17 19:43

في أقل من أسبوع واحد، جريمتا قتل للنساء في قطاع غزة، يجعلنا نقف مذهولين أمام الصمت العجيب تجاه هذه الجرائم، ثم الى متى سننتظر ان يتم انفاذ القوانين وتنفيذ الاحكام العادلة ضد القتلة؟
إن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كانت اخر وصية له في حجة الوداع "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوانٍ عندكم" كما ان ما يتم بحق النساء في فلسطين عامة مخالف للنص الإلهي " وجعلنا بينكم مودة ورحمة"، فلا مودة محفوظة بين الرجل وزوجه ولا رحمة.
لو نظرنا إلى المجتمع الفلسطيني بعين الناقد نجد أن تشكيلات المجتمع هي تشكيلات تقليدية نتيجة للموروث الثقافي المتناقل جيلا بعد جيل، بعيدا عن التجديد والحداثة والتغير، فلا تزال الكثير من الممارسات والأفكار القديمة والرجعية تمارس في القرن الحادي والعشرين بسبب تمسك المجتمع بهذه الممارسات، فقد يكون من السهل التمسك فيها على ان يتم تغيرها، فمع أن التغير هي السمة الحديثة للعصر الذي نعيشه إلا أنه ليس سهلا على مجتمع مثل المجتمع الفلسطيني أن يمارسه وهذا ما أدى إلى الحال الذي آلت إليه ظروف نساء فلسطين.
فبالرغم من أن المرأة في فلسطين باتت تستطيع الحصول على تعليمها العالي، وأثبتت وجودها في ميدان العمل، إلا أنها لا تزال تفقد الكثير من الحقوق الأساسية بصفتها تابعة للرجل في العائلة سواء كان هذا الرجل هو الاب او الزوج، او الأخ، وهو من له الحق الأول والأخير باتخاذ الكثير من القرارات الحساسة في حياتها كقرار الزواج والطلاق والتخصص الجامعي بل وأن هذا التدخل السافر في حياة المرأة يجعلها تفكر ألف مرة قبل البت في قرار الحصول على حق الطلاق عند استحالة الحياة بينها وبين زوجها، فلا العائلة ستوافق على مثل هذا القرار ولا حتى سيكون سهلا في حال رفض الزوج طلب الطلاق.
فلا تزال الكثير من قوانين الأحوال المدنية المعمول بها في فلسطين قديمة الطراز ولا تتناسب مع حقوق الانسان وحقوق المرأة، وتضع ألف معيق ومعيق امام النساء للحصول على حقوقهن القانونية بدون الاضطرار الى تقديم التنازلات.
فنجد أن لهذه القوانين إضافة إلى تدخل المجتمع السافر في خصوصيات الناس من خلال بث الأفكار المسمومة في العقول كفكرة أن الطلاق هو نهاية العالم ونهاية الدنيا بالنسبة لها، وخوف الاهل من أن تعود الابنة مطلقة ونظرة المجتمع لهذه المطلقة، أثرا في تفضيل المرأة الاستمرار في علاقة نهايتها محتومة، أما بالقتل او بالعيش نصف حياة، وما أكثر هذه الحالات.
فلو كانت تلك المرأة قادرة على اتخاذ هذا القرار باستقلالية تامة عن المجتمع والعائلة وبدعم كامل من العائلة أولا والمجتمع ثانيا لما كانت الان بثلاجات الموتى.
إذا نستطيع ان نقول هنا ان أصابع الاتهام في هذه القضايا لا تتوجه للقاتل المباشر وحده فقط، ولكن نوجهها للقاضي الذي يقوم بتزويج طفلة تحت السن القانوني لم تحصل على هويتها بعد، إضافة الى القوانين التي تعيق قدرة المرأة على اتخاذ القرار في انهاء علاقة مسمومة وبدء حياة جديدة، والمجتمع الذي يتدخل بشكل سافر في خصوصيات الناس وحياتهم الشخصية لدرجة ان من الصعب على الانسان الان اتخاذ قرار دون ان يفكر في ردة فعل المجتمع تحت بند انه جزء منه.
كما يجب أن ننوه إلى ضعف الدور الحكومي في بث الوعي في المجتمع بالحقوق المدنية وحقوق النساء والأطفال، من خلال مؤسساته، وأن للمنظمات الحقوقية والنسوية دور مهم ناقص في عملية التوعية والضغط من أجل إنفاذ القوانين وتطبيق قانون حماية الأسرة الفلسطينية.
وأخيرا، على المجتمع أن يدرك أن لدور المرأة في بناء الدولة أهمية كبيرة، فلا يجب إهمالها ولا يجب تركها منقوصة الحقوق بل على المؤسسات الحكومية والمنظمات الاهلية العمل بشكل موحد من أجل إرساء أركان الدولة المدنية من خلال حفظ حقوق الانسان والقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ضد النساء وإنفاذ القوانين لبناء الدولة القوية وتحقيق التنمية الإنسانية.