الاحتلال ومحاولات طمس الذاكرة الوطنية
تاريخ النشر : 2021-05-19 08:05

هل كان سمير منصور يخفي الصواريخ ورجال المقاومة داخل صفحات الكتب؟

النداء الوحيد الذي يمكن تقديمه إلى الشعوب العربية اليوم، هو أن إسرائيل إذا استمرت في الوجود، بوجود حكام العرب المطبعين، فستحرق ثقافتكم وتراثكم وتاريخكم، وبعدها لن تعرفوا هويتكم أبدا. .! !

أطلق هذا النداء ليس بسبب تدمير مكتبة سمير منصور بغزة فقط ، أو تدمير عمارة كحيل التي كانت تحتوي على مكتبات ومراكز عامة، فذلك كان متوقعا، فقد سبق للاحتلال تدمير المدارس، وتدمير مبنى مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والفنون والمُكون من 5 طوابق، وتسويته بالأرض، وكذلك قرية الفنون والحرف بغزة، ومبنى دار الكتب الوطنية.

وإسرائيل بذلك وقعت في نفس الوهم الذي وقع فيه النازي، وكثير من الحكومات على مر العصور سعت إلى قمع الكتاب باعتقالهم وحرق كتبهم. لكن إسرائيل تجاوزت الحدود بمحاولة حرق ثقافة بلدا بأكمله وتدمير تراثه وتاريخه، وتتمنى أن تستيقظ يوما لتجد فلسطين بلا شعراء ولا أدباء ولا مفكرين، ولا ثقافة ولا تاريخ. . . هذا هو وهمها الأعظم.

فمن عام 48 وإسرائيل تنهب التراث الفلسطيني من ملابس وحرف وفنون، تقوم بتهويدها وتسويقها في الخارج كتراث يهودي، لأنها بلا تراث ولا تاريخ، فهي تنسب لنفسها ما ليس موجودا، وأكبر تهديد لوجودها هي المؤسسات الثقافية الفلسطينية القائمة على حماية الذاكرة، وكشف الزيف والأباطيل، لذا فأحد الأهداف الرئيسية هو تدمير الذاكرة من خلال تدمير هذه المؤسسات.

إسرائيل تحرق الكتب والبشر، وهي تعرف أن الحكومات العربية لن تفعل شيئا سوى تقديم البيانات الرخوة من فوق المنابر، لأن هذه الحكومات نفسها تفعل في شعوبها ما تفعله إسرائيل في الشعب الفلسطيني، إنها تقمع وتقهر كل صوت يستشف منه الهواء الطلق والنور، وفي المعتقلات العربية أضعافا مهولة من البشر، وبحجة الأمن، وبحجة الحفاظ على الأخلاق، بحجة أشياء لا نهاية لها، أوجدت الرقابة. . والرقابة نوع من المحارق التي تحرق كل فكر ضد الغباء والتخلف والظلم، لذا ليس غريبا أن تراجعت قيمة الكاتب والكتاب، وارتفعت قيمة الهزل الفارغ، وتراجع الفكر أمام التخلف والجهل.

وتعمل إسرائيل جاهدة – بدعم أمريكي- على التطبيع مع الحكومات العربية القمعية، وتشجيعها على تغير مشاعر الكراهية ضدها لدى شعوبها، بتغير المناهج، وإطلاق الأكاذيب، وبث مشاعر الكراهية ضد الفلسطينيين، وإحلال الراقصات والتافهين في البرامج بدلا من المثقفين الحقيقيين، حتى الموالين للقمع ستجدهم يتصدرون البرامج، والهدف هو التدجين كطريق مؤكد لمحو الذاكرة الوطنية.