غزّة منبت العزّة أرض الأسود والديوك
تاريخ النشر : 2021-05-17 09:42

قبل يومين وأنا أشاهد قناة الميادين (اللبنانية الفلسطينية التونسية العُروبية) في بث مُباشر من غزّة، غزّة هاشم، وأعمدة الدخان الأسود تتصاعد من احدى البنايات المدنية التي قصفها لتوّه الطيران الحربي الإسرائيلي المُعتدي، ومن بين كلمات المُذيع يشرح بهمة واقتدار العدوان الأسرائيلي على القطاع الصامد، سمعت صياح ديك "غزّي"، يخترق صوته الجهوري ألسنة اللهب والدخان الأسود والغبار والحصى المُتناثر من المبنى المقصوف، ... نعم صياح ديك!!

ففي غزّة لا يوجد إلا الديوك والأسود، ديك يصيح مُعلنا فجرا جديدا، فجرا جديدا مجيدا لليل دامس امتد منذ عام 1948 وعام 1967 وما بينهما وما بعدهما من أعوام عجاف، فجر جديد  تبتسم له زهور الزنبق والاقحوان التي تغطّي قبور الشهداء الأطفال والنساء والرجال، الذين تطالهم قنابل غارات الجيش المهزوز المُرتعش من وقع ضربات المقاومة الباسلة.

الديك يصيح وتهتز على وقع صياحه قلاع بني صهيون المصطنعة الغاصبة في تل أبيب وبئر السبع واللد وسديروت وعسقلان ومغتصبات غلاف غزّة التي أصبحت خالية على عُروشها.

الجيش الاسرائيلي الذي يُصنّفه الخبراء العسكريّون من أقوى الجيوش في العالم يستقوي على أبراج سكنية، أبراج مدنية، برج هنادي وبرج الجلاء وأبراج غيرها بأسماء زاهية، يُحيلها طيرانه الحربي "المُتفوّق" إلى أنقاض، إلى أثر بعد عين، إلى أكوام من الاسمنت والحجارة والأثاث المُحطّم، يذبح دُمى الأطفال ويُمزّق دفاترهم وكتبهم وكراريسهم.

يقصف شارع الوحدة ويُدمّر بيوته السكنية المدنية "الآمنة" على مسافة نصف كيلومتر أو يزيد، من "الجحيم" والحمم "تهطل" على رؤوس المواطنين الفلسطينيين سكانه، الرابضين السابتين في فراشهم خلال ليلهم الطويل، لا يستفيقون منه أبدا، بل تُرسلهم العدوانيّة الصهيونية، الحقد الصهيوني، الغطرسة الصهيونية إلى مثواهم الأخير شهداء، ومنهم الطفلات الثلاث التي لم يتجاوز أعمارهن العشر سنوات، صعدت أرواحهن إلى باريها، مدثّرة أجسادهن بالغبار والتراب وبالدماء.

العالم الغربي أصمّ وأبكم، الولايات المتحدة وأوروبا المتعوّدة على النفاق ترى في أطفال فلسطين ضحايا القصف الاسرائيلي العشوائي الغاشم، ترى فيهم "مادة" للرد الاسرائيلي المُبرّر، ول"حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها". ولكن أين حق فلسطين في الدفاع عن نفسها؟؟!! مع الاختلال الكبير في ميزان القوى بين دولة مجرمة تمارس ارهاب الدولة، بترسانة امريكية وذاتية عسكرية مهولة، أمام شعب تحت الاحتلال يستخدم المتاح والمتوفر من وسائل الدفاع عن نفسه وعن ابنائه.

هل لهذا السبب تصرخ أمريكا واسرائيل والغرب ضد شعوب الشرق مُنكرة عليهم امتلاك وسائل المنعة والقوّة التي يمتلكونها هم؟؟!!

هل يُريدون شعوب الأمة العربية والاسلامية أن تُصبح "مقاثي" منزوعة السلاح حتى تستمر في الأنين تحت رحمة سلاحهم التقليدي وغير التقليدي؟؟!!

وهل يسعون إلى معارك "مُتكافئة" بين أكفّنا ومخارزهم؟؟!!

إسرائيل قامت وبُنيت بالسلاح وبالحديد والنار. كان الإستعمار البريطاني في فلسطين يُدرّب ويُسلّح عصاباتهم الصهيونية، الهاغانا وشتيرن والبالماخ والارجون، في الوقت الذي لا يسمح للفلسطينيين باقتناء سكين، لهذا قامت العصابات الصهيونية باقتراف مجازر مُروعة بحق المواطنين الفلسطينيين العزل في دير ياسين وبلدة الشيخ وقرية أبو شوشة والطنطورة.

هل يُريد الغرب المُنافق، أساس ومصدر ومُصدّر المسألة اليهودية، أن تبقى رقاب الفلسطينيين والعرب والمسلمين لحما مطواعا أمام سكاكينهم؟؟!!

الرئيس بايدن، الذي "تعشّم" الكثيرون في ادارته خيرا بعد ادارة ترامب سيئة السمعة والصيت، يتصل ويبذل مساعي ويبعث مراسيل ومندوبين ووسطاء، تحت عنوان واحد وحيد: "أوقفوا صواريخ غزّة ضد إسرائيل!!!"

هل أصبحت أمريكا ومن خلفها أوروبا "عوراء"، لا ترى إلا صواريخ غزّة، ولا ترى طائرات ال إف 16، أمريكية الصنع وهي تدكّ المدنيين في غزّة وتدمّر البيوت على رؤوسهم؟؟!! هل ألبست أمريكا طائرات ال إف 16 المُغيرة المُدمّرة"طاقية الخفاء" فلا تراها ولا ترى أفعالها واجرامها؟؟!!

الديك في غزّة يصيح مُعلنا فجرا جديدا، فجر جيل من الشباب الفلسطيني الصناديد الأبطال في قطاع غزّة وفي الضفة الغربية وفي القدس وفي أراضي فلسطين التاريخية، جيل لا يخاف من ال إف 16 ولا من المركفاة ولا من قنابلهم ولا من جنودهم المُدجّجين بالسلاح، جيل "الكف الذي يُناطح المخرز"، حماة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ودرج باب العامود وبيوت حي الشيخ جرّاح، حماة غزّة العزّة، حماة الوطن الفلسطيني من شماله وحتى جنوبه ومن اقصى بيّارات البرتقال والليمون إلى أقصى واحات النخيل والموز.

الشعب الفلسطيني في هذه الأيام يُسطّر عهدا جديدا، مجدا جديدا، صحوة جديدة، عزّا جديدا، على وقع ذبذبات حنجرة ديك غزة، الذي يصيح خلال الغارة الاسرائيلية، ويصيح مُعلنا الرد الآتي مباشرة بموجات مُتلاحقة من الصواريخ تدكّ غطرسة المحتل في مُدننا المُحتلّة منذ عام 1948، وتدكّ مستوطناته.

"البلاد طلبت أهلها".

وأهل البلاد أصبحوا يقتربون شيئا فشيئا وبخطى ثابتة للقاء الأهل والأحباب.

فالقدس أصبحت أقرب.

وليبقى ديك غزّة يصيح مُعلنا فجرا جديدا.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني