ارتفاع الأسعار من زاوية مختلفة
تاريخ النشر : 2021-05-09 19:23

تعوّد شعبنا الفلسطيني رغم كل العذابات التي يعيشها بسبب الاحتلال، أن ينسج من الأعياد خيوطا من الأمل والفرح، على الرغم من سياسات الإحتلال ومنغصّاته،  وهو يحرص على القيام بطقوس الأعياد الدينية، والاجتماعية، التي تعني للإنسان الفلسطيني الكثير، ولها أبعاد دينية، ووطنية وتراثية، وحضارية مرتبطة بالهوية الفلسطينية، ووجوده التاريخي على أرضه. ولكن يبدو أنه ليست فقط ممارسات الإحتلال وانتهاكاته، التي تنغص على شعبنا الفلسطيني احتفالاته وبهجته في العيد، ولكن أيضا موجة ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، على على كافة المواد الاستهلاكية. من قبل نسبة كبيرة من  التجار الفلسطينيين، خصوصا في فترة الأعياد. دون الاستناد الى اللوائح والقوانين، الخاصة بتنظيم السوق وحماية المستهلك، وغير مبالين بالظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الفلسطيني.

 لقد نشر البنك الدولي،  تحت عنوان "الآفاق الاقتصادية في فلسطين"، لشهر نيسان2020 ما يفيد أن الظروف المعيشية صعبة، حيث تعاني ربع قوة العمل من البطالة، ويعيش 24% من الفلسطينيين بأقل من 5.5 دولار في اليوم، على أساس تعادل القوة الشرائية في 2011، حتى قبل تفشي الجائحة، ويشكل انخفاض أكبر من المتوقع في المساعدات وانتشار جائحة كورونا مخاطر سلبية كبيرة"  بالإضافة إلى الدخل المحدود وغير المنتظم لنسبة كبيرة من الأسر الفلسطينية، إن من شأن كل هذه الظروف أن تزيد من حالة الركود الإقتصادي، والذي بلغت حدته في عام 2018 بتسجيل انكماش (نمو سالب) بنسبة 3.5 في المائة، وما يزيد الطين بلة على المواطن ارتفاع الأسعار، لتصل أسعار المواد الاستهلاكية أحيانا إلى الأسعار السياحية في دولة أوروبية.

إن طرح ظاهرة ارتفاع الأسعار، وخصوصا بالمناسبات الرسمية، ليس لإثارة مشاعر الشفقة على الفقراء والمحرومين، ولكن للتنويه، أن دلالات هذه الظاهرة ومؤشراتها هي أبعد وأعمق مما نتصور، ومما تطرحه الدراسات والتحليلات الإحصائية من ارقام ونسب المئوية متصلة بالوضع الإقتصادي، بما في ذلك حركة السوق من العرض والطلب والقوة الشرائية، والغلاء المعيشي، وتتطلب تحركا جديا وليس مجرد تعاطف، فمن الواضح أنه قد أصابت المجتمع الفلسطيني، أسوأ آفات الرأسمالية والعولمة، وما أنتجته من نمو غير متكافئ بين الدول وبين الأفراد أيضا، وهو ما يعمق اللامساواة الرأسية بين الأفراد أو بين الأسر، مثل توزيع الدخل العام أو الثروة الاقتصادية. ومستوى المعيشة الذي يؤثر مستقبلا على التفاعل الإيجابي للأفراد فيما بينهم وداخل مجتمعهم.

 ففي الوقت الذي لا يشكل ارتفاع الأسعار عائقا لنسبة ضئيلة من الأسر الأوفر حظا اقتصاديا، لشراء مستلزمات العيد، تعاني نسب كبيرة  من الأسر الفلسطينية، من عدم القدرة على الابتهاج بمظاهر العيد نتيجة تدني القدرة الشرائية. وهو ما يترك أثرا نفسيا سيئا في نفوس افراد الأسرة، فلا يجب الاستهانة بهذه الظواهر، وآثارها النقسية والإجتماعية على المدى البعيد، مع العلم أن الفروق التي نراها ضئيلة بين الفئات أحيانا، تنمو مع الوقت لتصبح فجوات عميقة قد تتحول مستقبلا لكراهية ونفور بين طبقات المجتمع، ومصدر تهديد للسلم الأهلي.

 المؤلم أن التاجر الذي يرفع الأسعار هو نفسه المواطن الفلسطيني الذي يعيش معاناة الإحتلال ويدفع ثمن حصاره، وسياساته وتداعياته. وهذا يثير الاستهجان حول انتشار الاحتكار والاستغلال من صور التنافس الرأسمالي، على حساب قيمة التكافل الإجتماعي والتعاون، كقيمة إنسانية، ودينية، وأخلاقية، واجتماعية ووطنية، مهمة لمواجهة الإحتلال والصمود، وكإحدى سمات الشعب الفلسطيني، التي كان لها خصوصيتها وبريقها، في جميع الثورات والنكبات والأزمات، وهنا لا يتوقف الأمر عند ما ذكر بل يسبب ارتفاع الأسعار، إفشال أي خطط وبرامج لمقاطعة البضائع الاسرائيلية. حيث يضطر العديد من أبناء شعبنا للشراء من السوق الإسرائيلية لإنخفاض الأسعار، وهو ما ينعش الإقتصاد الإسرائيلي على حساب الإقتصاد الفلسطيني.

إن بناء اقتصاد مستقل ومقاوم يتطلب بالدرجة الأولى، مسؤولية مشتركة تبدأ بالاهتمام بتحسين المستوى المعيشي للمواطن، المحرك الأول لعجلة الإقتصاد في أية دولة،  إلى  الدور المناط بالتاجر باستقطاب المستهلك الى السوق الفلسطينية، وعدم التلاعب بالأسعار، وهذا يتطلب من الجهات المختصة والمسؤولة وضع سياسات حازمة لحماية المستهلك من  الإستغلال والإحتكار، مع تنظيم السوق الداخلية، وتشديد الرقابة على التجار، وتحديد نسبة الربح المعقولة وفرض عقوبات ومخالفات على التجار، من شأنها أن تكون رادعة للتاجر وغيره، وإعادة الاعتبار للمنتج الوطني وتشجيعه، وحماية السوق  الفلسطينية من المنتجات المستوردة والمنتجات الإسرائيلية والأجنبية التي يتخذها التاجر أيضا ذريعة لرفع الأسعار.

أخيرا، الانتصار الحقيقي على الإحتلال وعلى كل سياساته وانتهاكاته، هو أن يبقى شعبنا متماسكا، متكافلا، يدا واحدة وقلبا واحدا، مع معالجة كل الظواهر التي من شأنها أن تضع طوق العبودية على رقاب شعبنا، حتى بعد زوال الإحتلال، وتحول دون تقدمه وتؤدي إلى تفسخ النسيج المجتمعي وتشويهه.