مأزق الفلسطينيين والإسرائيليين بعد قرار تعليق إجراء الإنتخابات الفلسطينية
تاريخ النشر : 2021-05-09 13:08

يكشف القرار الذي أعلنته القيادة الفلسطينية فجر يوم الجمعة الماضي الموافق 30/4/2021 والقاضي بتعليق إجراء الإنتخابات الفلسطينية العامة نتيجة لعدم سماح إسرائيل إجرائها في القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة، عن المأزق الذي بات يواجه الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما بعد أن وصلت تسوية الصراع بينهما على أساس حل الدولتين إلى نهايتها ولم يعد بالإمكان إحياؤها من جديد.

 في الواقع هذا المأزق ليس جديد، إذ كان قد بلغ نقطة الذروة بعد وصول الرئيس ترامب لسدة الحكم العام 2016 وإعلانه عن خطة صفقة القرن التي أعدمت خيار تسوية الصراع على أساس حل الدولتين بإنحيازها بالكامل لصالح الرؤية الصهيونية وتنكرها السافر للرؤية الفلسطينية في فلسطين، ونصها على أن القدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية ولا حق للفلسطينيين فيها.

فمن جهتها منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الولاية القانونية على السلطة الفلسطينية لا يمكنها المضي قدما وإجراء الإنتخابات وفق التواريخ التي حددتها المراسيم الرئاسية الصادرة بهذا الشأن بدون القدس، لما ينطوي عليه ذلك من إستسلام وخضوع للرؤية الأمريكية الصهيونية، التي أعلن الفلسطينيون بقدههم وقديدهم رفضها والإستعداد لمواجهتها ودفع الأثمان الباهظة لهذه المواجهة.

ومن جهة أخرى لا يمكنها تجاهل مساهمة قرارها بتعليق الإنتخابات في تآكل شرعية قيادتها للشعب الفلسطيني الآخذ بالتزايد، كما لا يمكنها التغاضي عن إحداث التغيير الذي يطالب به الناخبين الفلسطينيين وإنتظروا إحداثه بأياديهم عبر صناديق الإقتراع.

ومقابل ذلك ترى إسرائيل في حالة ضعف وتفكك وإنكشاف الفلسطينيين فرصة أمامها لفرض رؤيتها التي عبرت عنها صفقة القرن، لا سيما وأنه لا يبدو أن المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بعد رحيل ترامب عن البيت الأبيض وحلول الرئيس بايدن مكانه، بما في ذلك بعض العرب الذين طبعوا علاقاتهم معها وانزاحوا لروايتها، ينوون إيقاف إسرائيل عن المضي قدماً في فرض إرادتها على الفلسطينيين، الأمر الذي يجد تجلياته في عدم قدرتهم على إجبار إسرائيل تسهيل إجراء الإنتخابات الفلسطينية في القدس وفقاً للإتفاقات الموقعة على أساس القانون الدولي، فضلاً عن تجلياته في الإجراءات الإسرائيلية التهويدية في ضواحي القدس الشرقية خاصة في حي الشيخ جراح وبوابات البلدة القديمة.

ومن جهة أخرى تدرك مؤسسات التقدير الإستراتيجي في إسرائيل أن إستمرار الوضع القائم على حاله ينطوي على إحتمالات عالية بإنهيار وتفكك السلطة الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، الأمر الذي يرفع من إحتمالات صعود قوى الإسلام السياسي، ويضعف في نفس الوقت من إحتمالات صعود قوى وتيارات لطالما سعت إسرائيل وغيرها من الدول العربية على تهيئتها كبديل عن القيادة الفلسطينية الحالية.

وتشير التطورات الجارية في الضفة الغربية، لا سيما في باحات المسجد الأقصى وضواحي مدينة القدس وبواباتها، أن ليس بوارد إسرائيل التراجع عن مخطط حسم موضوع القدس لصالح رؤيتها التي هي رؤية اليمين القومي الديني المتطرف، وتظهر كذلك أنه ليس بوارد المجتمع الدولي إجبار إسرائيل على التراجع عن نواياه التي تتناقض مع العرف والقانون الدوليين، كما تكشف زيف رواية ودوافع تطبيع بعض العرب علاقاتهم مع إسرائيل.

ومقابل ذلك تشير هذه التطورات أن ليس بوارد أصغر الفلسطينيين سناً الإستسلام أو الخضوع للرؤية الصهيونية في فلسطين التي باتت مدعومة دولياً وعربياً، إذ قرر الشعب إستباق قيادته والدفاع عن روايته وحقه وممتلكاته وحيداً.

ولا نبالغ هنا بالقول أن هذه الموجة من المواجهات بين المحتل العنصري الغاصب والشعب الفلسطيني تختلف عن سابقاتها من الهبات التي تخبو وتتصاعد منذ أكثر من خمس سنوات، إذ أن هذه الموجة ستتمدد وتتصاعد لتشمل كل الشعب وفي كل الأرجاء، ولن تقف أو تنتهي إلا بالوصول ألى منتهاها ومبتغاها، وهو هنا تحقيق ما كان يأمل الشعب في تحقيقه عبر صناديق الإقتراع كضرورة وحاجة لا بد منها للإنطلاق نحو تحقيق أهدافه العليا بالحرية والإستقلال.

وعلى ذلك فاقد البصيرة من لا يتلمس ببصيرته الرسائل الكامنة في ما يجري وهي بالمناسبة رسائل لعدة أطراف عدة، ولعل أهمها تلك الرسائل الموجهة للإسرائيليين والفلسطينيين بالأساس، فالرسالة الموجهة للإسرائيليين مفادها أن المأزق الذي بِتُم فيه غير قابل للحل وفق روايتكم العنصرية، فهنا شعب لن يستسلم أو يرفع الراية، وأن كل إستثماراتكم الخبيثة في إستنبات قيادة فلسطينية مفصلة وفق مقاسات تل أبيب وغيرها من عواصم التطبيع لن يطول عمرها، إذ سيلفظها الشعب أجلاً أم عاجلاً.

وأما الرسالة الموجهة للفلسطينين لا سيما للحركة الوطنية صاحبة الولاية القانونية والتاريخية على الشعب الفلسطيني فمفادها أنه لم يعد بالإمكان أكثر مما كان، فالتغيير أصبح مطلب وضرورة ملحة للبقاء والإستمرار، ولا نقصد بالتغيير هنا، تغيير الأفراد والشخوص وحسب، بل هناك حاجة للتغيير في الرؤى والإستراتيجيات والأهداف والسياسات والأدوات وآليات اتخاذ القرار وقبل ذلك في مصادر إكتساب الشرعيات، فهل من بصير ورشيد؟؟؟.