التعايش المشترك غير المواطنة 
تاريخ النشر : 2021-05-07 16:52

لقد انخدع كثير من المسلمين – ولا يزالون منخدعين - بما فيهم قادة الجماعات الإسلامية الكبرى، في خمسينات القرن العشرين، وما تلاه إلى الآن، بهذا المصطلح العلماني الغربي الخبيث (المواطنة) الدخيل، المبتدع! الذي يشكل خنجراً مسموماً في جسم الإسلام! والذي لم يرد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، ولم يستخدمه أحد من حكام المسلمين، حتى سقوط آخر دولة مسلمة، في بداية القرن العشرين!! 

ولكن تحت الضغط الشديد، والقوي جداً من أعداء الإسلام، في أواخر القرن التاسع عشر، وهيمنة الأشخاص الذين تم تربيتهم في بلاد الغرب، على الأفكار العلمانية، والمعادية للإسلام.. انساق أبناء المسلمين المساكين، في مستنقع الوطنية العفن، ظناً منهم! أنه سترضى عنهم الأقليات، والأحزاب العلمانية، وسيكون لهم نصيب من المشاركة في صنع القرار في بلادهم! 

خسران من ساروا في طريق المواطنة 

ولكن للأسف الشديد! وعبر خبرة وتجربة دامت قرناً من الزمان، فقد ظهر أنهم خابوا، وخسئوا، وخسروا، ومن ثَم شُحنوا إلى السجون، وأقبية المعتقلات!!! 

 فلا ربَهم أرضوه – لأنهم ساروا في طريق منحرف عن المنهج الرباني – ولا شياطينُ الإنس والجن، رضيت عنهم، ولن ترضى عنهم!! حسب تقرير الحكيم الخبير، القديم، الحديث، الثابت، الدائم ( وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ ) البقرة 120. 

ويقول ابن جرير الطبري في تفسيره ( وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم.). 

يا حسرتا عليهم! بالرغم من هذا التحذير الرباني الواضح، إلا أنهم لا يزالون في غوايتهم يعمهون، ولا يزالون يرددون ما يردده العلمانيون! حتى أن أحد قادتهم! يصف إيران (بالدولة الإسلامية)! - بكل بلاهة، وبلادة في مقابلة تلفزيونية منذ مدة يسيرة -.  

واعجباه! أكل هذا الكفر! الذي تصدح به إيران المجوسية، وتتبجح به كل يوم! وكل هذا الإجرام والقتل في شعبه! فلا يرعوي! ويصفها بأنها إسلامية!  

لن يرضى العلمانيون وأخواتهم 

لن يُعجبَ هذا الكلامُ، العلمانيين، ولا أتباع الجماعات الإسلامية التي ضلت الطريق الرباني الصحيح، وسارت في طريق مجاملة الأحزاب العلمانية، والقومية وأخواتهما، لأنهم لم يصلوا حتى الآن إلى النضج الفكري، الذي وصل إليه أحد أعظم قادة الفكر في العصر الحديث طراً، والذي سطر كلماته! بدمه.. فتحولت من عرائس الشمع، إلى كائنات حية!! كما قال رحمه الله ( ستظل كلماتنا عرائس من الشمع، لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها، دبّت فيها الروح، وكتبت لها الحياة.). 

وسيقول السفهاء منهم! هذا متطرف، وداعشي؛ لأنهم يخوضون في المستنقع، والوحل، والطين، وينتشون برائحته العفنة! فيسكرون! وينظرون إلى من يحلق في السماء، على أنه متطرف! 

فإذا كان اتباع المنهج الرباني، يجعل من يسلكه داعشياً! فيا مرحباً بذلك! كما قال تعالى ( قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ ) الزخرف 81.  

(ويقول ابن كثير في تفسيره ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ: ﴿ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أَيْ: لَوْ فُرِضَ هذا لعبدته عَلَى ذَلِكَ لِأَنِّي عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ، مُطِيعٌ لِجَمِيعِ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ، لَيْسَ عِنْدِي اسْتِكْبَارٌ وَلَا إِبَاءٌ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا: الْمَعْنَى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَبَدَهُ، عَلَى أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي ذلك.).  

وبما أنه لا ينبغي لله أن يكون له ولد – سبحانه وتعالى عما يصفون – كذلك لا ينبغي أن يُسمى من يتبع المنهج الرباني الحق، داعشياً.  

إيماننا بالعيش المشترك مع الجميع  

ونحن نؤمن بالتعايش المشترك، وليس بالمواطنة! والفرق بينهما، كالفرق بين الثرى والثريا! 

فالأول طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود، بعد هجرته إليها. وبقي هو الحاكم للمدينة، ولم يسمح بأن يكون هناك تداول للسلطة، بينه وبين اليهود، ولا أن تكون هناك تسوية بينه وبينهم في إدارة شؤون المدينة، ولا اعتراف بأحقية اليهود في الحكم، على الرغم من كونهم من أهل المدينة الأصليين..  

أما الثاني فهو مصطلح غربي، دخيل، وخبيث.. يُقصد منه تحكم غير المسلمين، بالمسلمين، والسيطرة عليهم - باسم تداول السلطة -! 

ونحن نؤمن بالتعايش المشترك، بيننا وبين جميع الأعراق والأديان والعقائد والأجناس المتواجدة على أرضنا، ونتعامل معهم بكل الحب والود، والعطف والحنان، والإخاء الإنساني، على اعتبار أننا كلنا من آدم، وآدم من تراب. كما كان الله تعالى يصف الرسل المرسلين، بأنهم إخوة لقومهم ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ) هود 50.  

وكما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ( الناسُ ولدُ آدمَ ، وآدمَ مِنْ ترابٍ ). فنحن نتعامل مع الجميع معاملة حسنة ولطيفة، وبمنتهى الأخلاق الراقية، والصفات الحميدة. 

 ونتزاور مع بعض، ونعود مرضاهم، ونهنئهم في أفراحهم، وأعراسهم، وجميع مناسباتهم الخاصة، وليست الدينية، التي فيها شرك ووثنية، فلا نهنئهم فيها، لأن فيها تأييد لشركهم، وموافقة على كفرهم. 

 ففي قضية العقيدة! لا مجال للمساوة عليها، أو المجاملة فيها، ولا للتنازل عن عقيدة التوحيد البتة، ولو غضب علينا كل الناس! فلا يمكن أن نسترضي الناس بغضب الله الواحد القهار. 

 وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك، في الحديث عن عبد الله بن عباس (مَن أَسخَطَ اللهَ في رِضَا النَّاسِ؛ سَخِطَ اللهُ عليه، وأَسخَطَ عليه مَن أَرضاهُ في سَخَطِهِ.). 

 ونعزيهم في موتاهم، وندعو لهم بالصبر والسلوان فقط ، دون أن ندعو للموتى بالمغفرة ولا الرحمة، لأن هذا خط أحمر! فلا يجوز هذا الدعاء إلا للمسلمين فقط .  

ونأكل طعام أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ونتزوج نساءهم كما أمرنا ربنا  ﴿ ٱلۡیَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلࣱّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلࣱّ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ ).  

إننا نمارس كل أصناف التعايش السلمي المدني، والحياتي العملي، على أحسن وجه، مع كل غير المسلمين المسالمين، غير المحاربين، وغير المُظهرين العداوة والبغضاء لنا، بناء على القاعدة الربانية ﴿ لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ الممتحنة 8. 

ويقول ابن جرير الطبري في تفسيره لها (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: ﴿ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصصْ به بعضًا دون بعض.). 

ونحن – في ديننا – لا نرفض مبدئياً أن يساعدنا أي إنسان، لتحرير بلدنا من المحتلين، ويدافع عن حقوقنا - بغض النظر عن دينه وعقيدته – بل نتقبله، ونتعاون معه، تحت راية الدين، وليس راية الوطنية المشروخة!!! 

الهدف من برنامج الوطنية، والمواطنة! 

أما المواطنة! فله هدف خبيث. وهو تجميع أوشاب الناس، ورعاعهم، ودهمائهم، وأراذلهم، وحميرهم، وبغالهم، وسفهائهم، وفجارهم، ومغفليهم.. في صعيد واحد! لاختيار أحد التيوس فيهم.. ليكون هو القائد لهذا القطيع الفلكلوري، الضاحك، الساخر!! وإبعاد ذوي الدين، والتقى، والأخلاق، والعلم، والأدب! والحكم بدستور علماني من صنع عقل البشر القاصر، الضعيف العاجز عن معرفة مصلحته الشخصية، بله مصلحة الأمة العامة! 

 كما حصل في خمسينات القرن الماضي، حينما تكتل البعثيون، والشيوعيون، والاشتراكيون، واليساريون، والعلمانيون، وكل حثالات المجتمع السوري.. ضد مصطفى السباعي وإخوانه، الذين انساقوا عن سذاجة، وطيبة في مستنقع الوطنية الآسن، ولوثوا أيديهم وأقدامهم في وحلها النتن!!! 

فكانت الكارثة، الحالقة.. فوز القطيع العلماني الشارد، الضائع، الهمجي، وسقوط سورية دولة وشعباً، في براثن هؤلاء الأوغاد السفهاء!! 

ومن أجل ذلك! يجب تحطيم وثن الوطنية والمواطنة وتكسيره وتفتيته، ونسفه في اليم نسفاً، والاستعاضة عنه بمنهج التعايش المشترك، تحث ظل شرع الله. 

تداول السلطة بين المسلمين الملتزمين  

ونقول بالصوت العالي: نعم! لتداول السلطة بين المسلمين الملتزمين، الذين يتعهدون بتطبيق شرع الله في الحكم، وجميع شؤون الحياة الأخرى. 

 أما الأقليات التي معظمهم دخلاء على البلد – إلا قليلاً منهم – الذين جاؤوا إليه، مع الحملات الصليبية، في القرن الخامس وما تلاه، وبقوا في البلاد بعد تحريرها من الفرنجة، في أواخر القرن السابع، وتكاثروا وتناسلوا، واستمروا في الهجرة إلى بلدنا - وخاصة الأرمن - الذين جاؤوا في القرن الماضي، بعد سقوط الدولة العثمانية.. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن يكون لهم ولإخوانهم من العلمانيين المارقين عن الإسلام، أي نصيب في المشاركة بالحكم!   

فسورية! كانت مسلمة.. وستبقى مسلمة – رغم أنف المشركين، والعلمانيين - وحتى يرث الله الأرض، ومن عليها، وحتى نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، على المنارة البيضاء شرقي دمشق!!! 

وكل من يراهن على تحويلها إلى دولة علمانية.. يحكمها شذاذ الآفاق، وأراذل الناس، وأوشابهم، وبقانون من صنع العبيد.. وتحت لافتة المواطنة المزيفة، المبتدعة، المشروخة.. سيكون من الخاسرين، والهالكين!! 

فديننا! هو النظام الوحيد، والأوحد.. الذي يملك تحقيق العدل والمساواة للجميع، دون انحياز لأي فئة، دون الأخرى، ولا مداهنة لأي طرف، على حساب طرف آخر، حتى ولو كان الحق لغير المسلم، ضد المسلم، أو للعلماني ضد المسلم الملتزم! فيُحكم لغير المسلم، على المسلم، ويُحكم للعلماني، على المسلم الملتزم.. وهذا الحكم يصدر بأمر الله وباسمه، وليس بأمر واسم جلالة السلطان، أو الملك، أو الرئيس فلان من المخلوقات البشرية الفانية، الزائلة ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ ) المائدة 8. 

لا ينبغي أن ينخدع المسلمون الطيبون، بالشعارات المزيفة القميئة، التي يرفعها أبناء الأقليات، أو العلمانيون مثل: الوطنية، والمواطنة، وشركاء الوطن، إذ إنها كلها أوثان وأصنام، مثل: هُبَل واللات والعزى، يريدون من وراء إطلاقها، الاجتماع حول هذه الأوثان الثلاثة، لشرب نخب القضاء على الإسلام، نتيجة القضاء على حاكمية الله وشرعه، ويجب على المسلمين! رفع شعارات مضادة، لا وطنية فوق الدين، ولا شركاء في الوطن فوق شرع الله.  

وكلمة شركاء في الوطن! ما هي إلا كلمة باطلة، تنطلي فقط على السذج والدراويش، والمغفلين الذين ينسون تاريخهم، الحافل بالمرارات والنكبات، والاضطهادات الدينية والفكرية، والسياسية!!! 

إن هؤلاء المساكين! ينسون ماذا حل بسورية حينما سيطر النصيريون عليها ولا يزالون، وماذا حل بلبنان حينما سيطر المارون عليه، وماذا حل بالعراق حينما سيطر الروافض عليه، وماذا حل بمصر حينما سيطر العبيديون عليه لأكثر من مائتين سنة أو يزيد؟!  

هل اعترف كل هؤلاء، بشراكة المسلمين للوطن؟! ألم يقتلوهم، ويذبحوهم، ولا يزالون يفعلون ذلك؟!  

كل هذه اللافتات المرفوعة! ما هي إلا كلمات وثنية، يُراد بها تخدير المسلمين، وتنكيس رؤوسهم، وتمريغ أنوفهم في التراب، والصعود على أكتافهم، لإطفاء نور الله، وإلغاء الحكم بشرعه، ومسخ دينه، وتحويله إلى دين مستحدث، يتوافق مع أهواء شياطين الإنس والجن ( یُرِیدُونَ أَن یُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَیَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ ) التوبة 32. 

فالأرض فتحها المسلمون بدمائهم، ويجب أن تبقى للمسلمين فقط ، وليس لسواهم،  ويجب أن يحكمها المسلمون وليس سواهم، أما سواهم! فهم تبع للمسلمين، خاضعون صاغرون مستسلمون، لا سلطان لهم على المسلمين.. 

يجب ألا يُسمح بالترشح في الانتخابات القادمة – بعد تحرير سورية – إلا للمسلمين الملتزمين بتحكيم شرع الله، وذوي الكفاءات العالية، في الإدارة والقيادة. 

ويجب غرس هذه الأفكار! من الآن في عقول الأجيال القادمة، لأن تحرير سورية، قد لا يتحقق في هذا الجيل! فيجب على الأقل! تهيئة الأجيال القادمة، لتطبيق هذه العقيدة الصحيحة. وتشريب الأطفال مع حليب أمهاتهم، أن الأقليات سمٌ زعاف! لم تر سورية من ورائها، إلا الهلاك والدمار والبوار.