المنتصر ينتصر
تاريخ النشر : 2021-05-07 07:46

الإدراك حقيقة لا يمكن إدراكها إلَّا لمن أدركوا الفكرة وعمق جذورها، وبناءً على هذا الإدراك تتحرك الدوافع الإدراكية في الترجمة الفعلية للفعل الحقيقي الذي يعمد ويجسد على الأرض بعيدًا عن أيّ حسابات شخصية أو مسميات تحت دوافع الآنا التّي يمكن أنّ تتجلى في فئة السياسيِّين الذين يتحول إدراكهم لعملية قياس ببند الربح والخسارة أو ببند التوازنات الإستثنمارية في عجلة الآنا.
وعليه فقد أدرك منتصر شلبي الحقيقة التّي تجاهلها الكثير منْ جيوش الساسة الملتحفين بالحزبية التّي لا تبنى على أسس الآنا فتحركت دوافعه وتمرد على واقعه الشخصي ليؤكد أنّ على هذه الأرض ما يستحق التضحية وما يستحق الحياة معًا، مؤمنًا قطعًا بما أدركه من الفكرة الحية في تجلياتها غير المرئية وغير المنظورة في الأعراف السياسية التّي تحيط بنا منْ كلِّ متجهاتها.
في خضم حالة اليأس والإحباط التّي يعيش فيها شعبنا نتيجة تبخر وتلاشي الأمال باستنهاض الحالة التصحيحية لمسارات التصحيح الوطني، وإعادة البوصلة لمسارها واتجاهها الصحيح، وولولة المنقسمين والمتقاسمين لمكونات الوطن، والمتناكفين في الحالة الوطنية، واضمحلال فكرة التغيير الديمقراطي الشعبي التّي وضعت أمام شعب لا يمتلك شيء في وجه التيار السياسي الداخلي، ووجه العدو الذي يضرب بكلِّ الإتجاهات، ويحاصر ويناور في القدس لاستكمال عمليات التهويد واقتلاع ما تبقى منْ أهلها أبناء شعبنا، والملحمة البطولية التّي يقدمها أبناء القدس كان لابد منْ تصحيح مسار الإدراك والفكرة، ولا بد منْ العودة منْ جديد لخيار الإنبعاث منْ جديد ولكن هذه العودة كانت تنتظر فارسًا ورجلًا يترجل عن صهوة المناكفات والتقاسم واللعثمة ليعيد للمسار وللبوصلة اتجاهها، فلم تجد الفكرة إلَّا منْ انتصر لها وانتصر معها على قهر الإرادة، وقهر الإنسان المثخن بالآلام.
خرج منتصر هذا الشاب الذي يعيش في أجواء مهيئة للحياة الإجتماعية الكريمة، حيث إنه أحد رجال الأعمال الناجحين في مسيرته العملية، ويحمل جنسية أكبر دول العالم أيّ يتمتع بهامش حرية لا يتمتع به إلَّا القلائل في هذه المعمورة ليقول لنا جميعًا كفى هراء... نعم كفى هراء ... وكفى ابتلاء ... ويحمل إدراكه وإرادته متمردًا على نفسه وعلى جميع ضوابط المنطق الحياتي ويفرض نظرية الضابط الوطني والحدس الوطني الذي يقف في وجه الجميع ويسير بهذه الأجواء نحو منحى آخر، نحو التأكيد على أنّ هذا هو عدونا، وهذه هي معركتنا، وهذا ما يجب فعله وصياغته كأولوية أولى في كلِّ زمان ومكان، والوقوف بوجه كلِّ منْ يحاول حرف بوصلة معركتنا الأهم والأكثر أهمية، ومجابهة النفس قبل مجابهة الأطماع والمصالح الآنية، وقتل الآنا أمام الوطن.
منتصر هو أحد الوطنيِّين الذين أمنوا بالقياس النسبي لمستوى المعركة ورسم ملامح الضربة بواقعية المقاتل وحنكة المفكر فوجه رصاصاته للمستوطنين الذين يتغولوا على قرانا وأهلنا في الضفة الغربية والقدس، وأصبحوا الأداة التّي تحاول رسم معالم الإستفزاز الوطني لجماهير شعبنا، وبغض النظر عن النتائج البشرية للعملية إلَّا أنّها حققت أعظم ممّا يظن الجميع وأكبر ممّا يتوقع الجميع وهذا ليس اجتهادًا أو عاطفةً بل هو واقع التوقيت والنتائج منْ يتحدث ويؤكد ذلك منْ خلال التالي:
أولًا: توقيت العملية الزمني الذي جاء في أعقاب القمع لجماهير شعبنا في القدس وهبة أهلنا التّي تحدت صلف وعنجهية الاحتلال وقطعانه.
ثانيًا: خيبة الأمل الشعبية التّي أحاطت وتغولت لشعبنا بعد انفكاك مرحلة الأمل الشعبي بإمكانية التغيير عبّر صندوق الانتخابات.
ثالثًا: حالة التبارز والتناكف التّي تسيطر وتهيمن على واقعنا وشارعنا الفلسطيني شعبيًا وسياسيًا، وتحول النضال لمسيرات تخوين وتكفير ومزايدات.
رابعًا: طبيعة ومكانة المنفذ الإجتماعية والإقتصادية والمجتمعية والصفات الذاتية التّي يتحلى بها، فهو ليس شابًا محبطًا أو يعاني منْ ضيق العيش أو اليأس منْ الحياة وسبلها، بل يمتلك كلِّ مقومات الحياة الرغيدة والهنيئة.
خامسًا: روح التضحية وفكرة التضحية التّي أعاد لها الإعتبار منْ جديد كفارسٍ يؤسس لمعنى التضحية بكل تجلياتها وصورها.
هذه العوامل استطاعت أنّ تحقق إنتصار فعلي لدى شعبنا وتحقق نتائج عظيمة على أرض الواقع بل هي مؤشر خطير لدولة الإحتلال التّي ستعيد النظر في عقيدتها الأمنية وتصورها الأمني بعد هذه العملية، وتعيد رسم حساباتها وفق وقائع جديدة لّم تعدها من قبل، فهي أمام عمل نوعي ومنْ نوعية أخرى، وإنّ كانت دولة الإحتلال ستتعلم وتفهم رسالة المنتصر (منتصر) يبقى السؤال هل تفهم قيادتنا السياسية، وقيادتنا الحزبية والفصائلية رسائل المنتصر (منتصر)، وهل يفهم المثقفون هذه الرسالة؟
بكلِّ الحالات لا يبدو أنّ أحد ممّا ذكرتهم سيفهم الرسالة أو الرسائل التّي حملها منتصر منْ خلال عمليته البطولية العظيمة، لأنّ هذه الفئات الثلاث لّم تعد ترى إلَّا حزبيتها وضيق أفقها، ونظرية الآنا التّي تسيطر على تفكيرها وعقلها المفكر، ولذلك لن تدرك ما أدركه منتصر، ولن تدرك ما فعله منتصر لأنّها غائبة عن الوعي الوطني منذ عقود، لا يصل لمسامعها إلَّا حصد الفاتورة سياسيًا ومصلحيًا لبناء استراتيجية الحزب والسلطة والحكم، والإستمرار في غرس بذور الفرقة والفتنة وتوسيع دوائر الإنقسام والإقتسام، أما الفئة الثالثة وهي المعول الذي كان يفترض عليه اجتثات الحشائش الضارة لّم يعد يمتلك إلَّا نفس النزق والآنا التّي سجنته بحزبيته المقيته فتحولت ثقافته وقلمه وفكره لبضاعة في سوق الحزبية، مثقف السلطان أو مثقف الحزبية الذي لا يغادر مربعها بما إنّها تحقق له مكتسبات الآنا فأصبح أبعد عن الوطن وأقرب لمصالحه وحزبيته.
فقد عاد المنتصر (منتصرًا) مدركًا للحقيقة وللفكرة وربما كان هذا الإدراك هو منْ دفعه للبقاء صلبًا في مواجهة مصيره وحيدًا، وخرج للمحتل صارخًا بوجههم لن تدفنوني بالتراب بل سأبقى شاهدًا وشهيدًا حيًا أمامكم وأمام شعبي لربما تبدأ فكرة المنتصر بالنبت الصالح في بيئة غير صالحة تعيد ثمار الإدراك وجادة الصواب لهؤلاء المتصارعين على الآنا.
فمنتصر لّم يسقط بل ولد من جديد في ذاكرة شعبنا وأسس لفكرة الإنتصار للأجيال التّي حاولوا حرف بوصلتها، وأعاد تكون ملامح التضحية منْ أجل الوطن ولأجل رسم خارطة البقاء.