الطبقات الثلاث للتفكير الفلسطيني (والصهيونية)
تاريخ النشر : 2021-02-26 12:11

على صعيد التعامل مع مجموعة من المُدخلات المفاهيمية والفكرية والموقفية في العقل، أي تلك المُدخلات الجديدة الوافدة التي قد تناقض أو تحارب العليا، والمستقرة وتحاول أن تثبت قوتها أو صلاحيتها، أو أنها تحاول إزاحة العليا والحلول محلها؟

فإننا هنا ندخل في الأزمة الذاتية التي نحتاج فيها للفصل بين المتصارعين المختلفين أو النقيضينن أو تهدأتهما، في ذات المساحة المشتركة، والحفاظ على استقرارهما ولو لفترة كي لا يكون الاحتكاك إقصائيا حدّيًا تدميريًا.

كان الاحتكاك تدميريًا كما حصل مع الكاتب النمساوي الشهير (ستيفان زفايغ) الذي لم يتحمل تناقضات فكره المسالم والرافض للحرب ودعاته، مقابل تصفيق المفكرين والأدباء للحرب في النمسا وألمانيا وغيرها في خضم الحرب الأوربية الأولى والثانية فانتحر، رغم هروبه الى البرازيل من جحيم الحرب وجحيم صراعه الفكري الداخلي المتعاظم.

آخرون قاموا بحل التناقض الداخلي والخارجي بالقوة الطاغية وبالإرهاب والتوحش، وتبرير ما لا يبرر من الأفعال الشنيعة فحافظوا على صفائهم الروحي المفترض!

كما فعلت الحركة الصهيونية التي اغتصبت أرض فلسطين (العربية منذ فجر التاريخ حتى اليوم) بدعم كامل الأركان من الاستعمار الانجليزي الذي سبقها بالتوحش والإرهاب والعنصرية، دون أدنى اعتبار لأي من القيم الانسانية أو الحق والعدالة، فحلت أزمتها الفكرية الداخلية والقيمية بالوجود على الأرض المغتصبة بالكم الهائل من التبريرات الخيالية المنسوجة بمسلة التوراة وأساطيرها، أو بعقلية النظام الأوربي المريض آنذاك باستعماريته وبعنصريته البغيضة.

حلت الحركة الصهيونية أزمتها الفكرية والوجودية باغتصاب مساحة أرض من أمة وأرض لا صِلة لهم بها مهما ادعوا العكس، فبدلًا من أن تتصدى الصهيونية ويهود أوربا المضطهدين هناك لحل مشكلتهم في محيطهم الحقيقي أي في محيطهم الأوربي الرافض لليهود الاوربيين أخذت الصهيونية أسوا ما لدى الأوربي الاستعماري، ونقلته الى فلسطين في إعجابهم بالأوربي الذي تمنت الصهيونية أن تكونه، ولكن في مكان جغرافي آخر.

باتجاه آخر يسعى المتصوّف إلى التحرّر والانعتاق من أسر العالم الأرضي (عالم الدنس والفناء) ليحيا في علاقة اتّصال مع العالم العلوي (عالم الصفاء والبقاء)، وهو بذلك من الوسائل المساعدة على تربية النفس وتطهيرها ومجاهدتها وترويضها.

الجزء الثاني من ثلاثية: الطبقات الثلاث للتفكير الفلسطيني. #بكر_أبوبكر