الشيخ مورو و"الرقص مع الشقراء"
تاريخ النشر : 2021-02-23 22:22

استقيت هذا العنوان من فيلم شهير للمثل الهوليودي الوسيم كيفن كوستنر: "الرقص مع الذئاب"، (Dancing with Wolves)، وهو فيلم بديع مُبدع مُعبّر مُعتبر حاز على 7 جوائز أوسكار عام 1990.

في مقاطع وصور وفيديوهات على صفحات الجرائد والمجلّات، وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، ظهر الشيخ عبد الفتّاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية السابق، وهو يراقص فنّانة شابة شقراء تونسية في حفل خطوبتها، "الرقص مع الشقراء".

ومع اللغط الذي أثير حول الحدث، وخاصة في وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام، وأكيد في "السواليف والوشوشات والدردشات" في الصالونات الإجتماعية والبيوت المُتواضعة، ما بين منتقدين كُثر ومؤيّدين، إلا أنني لست في وارد "التحزّب" مع فريق مهاجم أو مع فريق مصفّق، بل إنني سأدلو بدلوي "الخاص" حول وحيال وبشأن هذا "الأمر الجلل"، من وجه نظر إنسانية إجتماعية بحتة، ورُبما تعلق بها بعض الترسّبات أو "النُسيمات" ذات الطابع الديني أو السياسي أو الإعلامي أو المعنوي وحتى الفكري.

أولا يتوجّب علينا حتى نخوض ونغوص في "المسألة" أن نعرف كُنهها وماهيّتها وكيف أتت ونشأت وصارت وكيف "نبتت" وتطوّرت و"طارت"، أي بمختصر العبارة والإشارة المُفيد، أن نضعها في "حجمها الطبيعي" وفي ميزانها الدقيق، وأن "نُلبسها قميصا على مقاسها" دون زيادة ولا نُقصان، ودون مزايدات ولا تهويلات، وكذلك من دون "تطنيشها" ولا رميها كحبة ليمون عُصرت واستُهلكت.

وفي كل ما نخوض ونغوص به في هذا المجال والصدد يتوجب علينا بالكمّ والعدد، أن لا نُجانب الحقيقة والصواب والمنطق والجدّ، وأن تكون أحكامنا من باب ابداء الرأي والرأي الآخر ... ومدد يا سيدي مدد ... وبصورة نسبية، فلا أحد، مُطلقا وأبدا لا أحد، يحق له ان يحتكر الحقيقة والصواب وأن يُخطّئ الآخرين، فالله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل، ولم يُنصّب سبحانه العليّ القدير أحداً على أديم هذه البسيطة كي يتحدّث بصورة مُطلقة بإسمه جلّ وعلا.

لهذا لا مجال هنا للأحكام المطلقة ولا للتشنّجات ولا لرمي الأشواك على رؤوس"عباد الله والناس"، وإنما "مسّ ولمس" الموضوع بوردةٍ وبمبدأ "إلتمس لأخيك عُذرا"، فلا أحد في هذه الحياة الدنيا مُنزّه ومعصوم عن الخطأ، فالإنسان خطّاء والله سبحانه وتعالى الغفور الرحيم يعلم ما في الصدور، ويعلم السرّ والجهر وما خفى.

تقول الصبيّة الشقراء، أو ذات الشعر الأشقر، المُحتفى بها، المُحتفى بخطوبتها و"زواجها على كتاب الله وسنّة رسوله"، الفنّانة التونسية الشقراء الحسناء، "مريم بن مولاهم"، وهي بحق جميلة، حسب ما بدت من صورتها، وهي "تحفونة ومزيينة" كما يصف الإخوة التوانسة المرأة الجميلة، تقول: "لقد شرّفني ونوّرني الشيخ عبد الفتّاح مورو، بعدما لبّى دعوتي لحضور حفل الخطوبة".

إذن، وهذا أوّل تعليق أو "تدخّل" لي على الموضوع، يا سادة يا كرام، أن الشيخ الجليل المُحترم عبد الفتّاح مورو قد لبّى دعوة إجتماعية إنسانية للمشاركة في حفل خطوبة، ولم يكن لديه أي تفكير مُسبق أو معرفة بكيف وكيفيّة إمكانيّة أن تتطوّر الأمور؟ هل في هذا ما يُعيب؟؟!! أم أنّه أمر غريب أو مُريب أم عمل من رجس الشيطان الرجيم لا يتمنّاه غريب أو حبيب؟؟!!

أعتقد أن الموضوع في أصله وفصله ومنبته وبدايته إجتماعي عادي طبيعي بحت لا غُبار عليه ولا يحمل في طيّاته ولا في مكنوناته أي غِثّ، ويمكن أن يحصل مع أيّ إنسان بغض النظر عن مُسمّاه ولونه الأيديولوجي والعقائدي.

الأمر الثاني أن "الحدث" حصل في تونس، تونس الخضراء، وتونس مميّزة في الحقيقة والواقع في كثير من تجلّياتها وأسلوب حياة مواطنيها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها، قبل "الثورة" وبعد الثورة، قبل "حركة النهضة" وبعد "حركة النهضة"، وحركة النهضة هنا المقصود بها حركة راشد الغنوشي الإسلامية وليس حركة النهضة الصناعية أو العمرانية كما يمكن أن يفهمها البعض.

تونس على "بساط الريح": "تونس أيا خضراء يا حارق الأكباد، غزلانك البيضاء تصعب على الصيّاد، غزلان في المرسى ولّا في حلق الواد، على الشطوط تعوم ما تخاف صيد الميّ .."، أغنية فريد الأطرش.

تونس محمود درويش: "كيف نشفى من حب تونس الذي يجري فينا مجرى النفس .. لقد رأينا في تونس من الألفة والحنان والسند السمح ما لم نرى في أيّ مكان آخر .. لذلك نخرج منها كما لم نخرج من أيّ مكان آخر ..".   

تونس القوانين الإجتماعية المميّزة التحرّرية وخاصة فيما يتعلّق بحقوق المرأة، وحتى الزواج المدني ومنع تعدد الزوجات بالقانون، التي أرساها الرئيس الزعيم الحبيب بورقيبة تيمّنا وتشبّها بقوانين تركيا كمال أتاتورك الإجتماعية التحرّرية.

تونس العلم وجامع الزيتونة في العاصمة تونس، والعلم والتاريخ والفخر وجامع عقبة ابن نافع في مدينة القيروان.

تونس لطفي بوشناق والأغنية المُلتزمة، تونس والموشّحات الأندلسية، و"جاري ياحمودة يا حمودة يا جاري دبّر عليّ يا أمّه، الناس تبات رقودة وأنا نومي حرم عليّ يا أمّه، حمّودة يا غالي يا اللي عليك دلالي سيدي خويا ..."

تونس "ثورة الربيع العربي الأولى و"المعقولة" بالرغم من أفول شموس الربيع العربي وبزوغ ليالي خريفه.

تونس الرائدة بعروبتها وقوميّتها واحتضانها لمقاتلي وكوادر م ت ف، واحتضانها بكل دفئ للقضية الفلسطينية والثبات على المبدأ حتى يومنا هذا برئيسها قيس سعيد وحكومتها واحزابها السياسيّة قاطبة، العروبية والقومية واليسارية والإسلامية.

فلماذا لا تكون والحالة هذه رائدة في انفتاح ورصانة وحصافة شيوخها وعلماء الدين فيها وعلى راسهم الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي يسعد الإنسان بسماع والإستماع والإستمتاع لمحاضراته الدينية المنفتحة المُنقّحة المفيدة اللطيفة الظريفة، التي تُحبّب السامع والمستمع بالإسلام الوسطي الهادف النافع دون مُغالاة ولا مبالغات تضرّ ولا تُفيد.

ففي نهاية المطاف، فإن الشيخ الجليل مورو إنسان وبشر ولا يُمكن أن يكون ملاكا ولا قدّيسا، ولا يجوز التعصّب في الأمور الدينيّة حين ارتباطها بالشؤون الدنيويّة كتعصّب الهندوس ل"بقرتهم المُقدّسة" والتي تُقفل شارعا في وسط العاصمة نيودلهي، إلى أجل غير مُسمّى، حتى تقضي وطرها وحاجتها وتستريح و"تتفلّى"، "باركة في منتصف الطريق" بعد ان إستراحت، وتترك الناس "يتقلّون" على جمر الإكتظاظ والإنتظار مكدّسين في وسائط النقل، حتى "تقتنع" وتهزّ مؤخّرتها وتترك الشارع!!!

فلا "تدفشونا" أثابكم الله للمرور من خرم الإبرة إذا ما كان هناك طُرقا وشوارع وأتوسترادات واسعة وفسيحة ومُريحة توصلنا إلى مقصدنا وإلى برّ الأمان وإلى ما يفيدنا وينفعنا في الحياة الدنيا والآخرة، وخاصة وأن الشيخ مورو قد جامل وراقص الصبية الفتيّة، التي هي بمقام ابنته او حفيدته، في وضح النهار وتحت أضواء ساطعة كاشفة.

وأنّ كل ما يجري تحت الضوء يمكن معرفته وحتى مناقشته، ولكن الأدهى والأمرّ هو ما يفعله البعض، "الخفافيش"، في حلكة الليل وفي سراديب الخفاء والغفلة و"الرقص مع الذئاب!!!".

جدير بالذكر أن الشيخ مورو قد راقص الصبية المُحتفى بها وقد حافظ على مسافة التباعد الإجتماعي في زمن الكورونا وكان يتمنّطق بالكمّامة.  

فمن كان منكم بلا خطيئة فليرمي الشيخ مورو بحجر، ولكن حذار حذار فبيوتنا وبيوتكم جميعها فيها شبابيك من زجاج.