العنصرية الإسرائيلية وأساليب الاسقاط
تاريخ النشر : 2021-01-21 17:08

كانت ولا زالت الصهيونية هي الحل العنصري للمشكلة اليهودية، خاصة بعدما توصل المؤسسين الأوائل أمثال: (موسى هس، يتورد هرتزل) إلى أن المشكلة اليهودية في نظر الصهيونية مشكلة أبدية تتعلق بالوضع الوجودي تتجاوز الزمان والمكان ولا ترتبط بنظام اقتصادي اجتماعي معين، ولا بمرحلة تاريخية في ذاتها، وإنما ترتبط بوجود اليهود أنفسهم في عالم ينبذهم.

وعلى هذا الأساس بنت الصهيونية دعوتها وبرامجها السياسية على فكرتين أساسيتين، هما: -
1- فكرة وحدة الشعب اليهودي المبنية على وحدة العرق.
2- أبدية معاداة السامية، ووهم الشعوب الأخرى بأنها لا تستطيع مهما فعلت أن تقضي على
معاداة السامية، لأنها كامنة في صميم تكوينها مما يجعل الحل الوحيد للمشكلة اليهودية هو إقامة الدولة النقية على أرض فلسطين بأي وسيلة.

وبذلك رافقت العنصرية الحركة الصهيونية كأيديولوجية منذ نشأتها، وجندت لها كل الأدوار الوظيفية من اليهود وغيرهم للحصول على المعلومات التي تجعلهم أكثر تفوقاً، بعد أن انقطعت الفائدة من فكرة الإدعاء باضطهاد اليهودية في أوروبا. وقد ترتب على هذه النظرة العنصرية كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ولا زالت بحق غير اليهود خاصة الفلسطينيين بدءاً من الاستيطان مروراً بالإسقاط والقتل والتهجير، والتجسس على كل الأنظمة المجاورة.

لقد مارست إسرائيل كل أشكال الاقتحام، اقتحام الأرض والعمل والإنتاج والحراسة والخصوصية كمبدأ أيديولوجي للدفاع الذاتي والريادة والاعتماد على الذات، وأدارت الصراع منذ نشأته بالمؤامرة والتخوين بنفسية مريضة بعد فشلها في تحقيق برنامجها المعلن وهو التجسيد الواقعي للحلم الصهيوني بإقامة الدولة النقية على أرض فلسطين.

وفي هذا الشأن، يقرر عالم النفس اليهودي (روبنشتين) في ملاحظاته الشخصية عن (النفسية الإسرائيلية) أن الإسرائيلية كأيدولوجية، وكأفراد ومجتمع يتسمون باتجاهات شك عميق الجذر تجاه الآخرين، ورفض لا حدود له مع العالم الخارجي، موزع في ثلاثة اتجاهات: (ضد العرب، ضد العالم غير اليهودي، ضد النظم والأجهزة الدولية)، وعلى هذا الأساس كرست إسرائيل جل جهودها الأمنية والسياسية والاقتصادية لأغراض النيل من مقومات الشعوب الأخرى، وضرب جبهتها الداخلية، وإضعافها بكل السبل (الترغيب، والترهيب، الشائعات، والتجسس، والإسقاط) الأمر الذي يوضح المحنة التي يمر بها العقل الإسرائيلي بعد فشله في كسر المقاومة لمشروعه المتجذر منذ مئات السنين، حيث تتجلى هذه المحنة في الانفصام الحاد الذي تعبر عنه السياسة الإسرائيلية من خلال نزعة العنف والعدوانية إزاء الفلسطينيين من جهة، والهرولة وراء التطبيع مع العرب من جهة أخرى.

وكتعبير على الانفصام والفشل وحالات الشك جندت إسرائيل أقطاب جهاز المخابرات (الموساد، أمان، الشين بيت، وأنظمة الجاسوسية المضادة) في عمليات الإسقاط وخلط الأعمال والأوراق بين العملاء والشرفاء الجهلاء بأساليب تدفع إلى خلخلة الجبهة الداخلية، والقتل المعنوي للشخصيات الوطنية بدافع زعزعة الوازع الوطني وتشتيت جهود اليقظة، وبث الفتن.

يقوم الاحتلال من خلال هذه الأجهزة بعدة أعمال دنيئة، وبجمع المعلومات مهما كانت تافهة من وجهة نظر الغير، والمراقبة والتصنت والاستدراج الكلامي، من خلال تجنيد العملاء (بعلم أو بغير علم)، حيث يتم دراسة الهدف (الشخص المطلوب للتعامل) بدقة وتجمع البيانات عنه من جميع الأوساط المحيطة به (صفاته، وآرائه وطموحاته ومشكلاته)، ثم التواصل معه بشكل ودي أو قسري يرغمه على الخضوع والقبول بالتعاون، ومن أهم مداخل الإسقاط: (الإسقاط رفاق السوء، إسقاط الغير، الإسقاط عن طريق الترغيب بالمال والعمل وتحقيق الطموح، الإسقاط عن طريق الترهيب، الإسقاط عن طريق الجنس المباشر أو الإلكتروني، الإسقاط عن طريق الجوال وتسجيل المكالمات بعد الاستدراج الكلامي، الإسقاط عن طريق الابتزاز الالكتروني بعد سرقة ملفات أو صور خاصة عن الأجهزة الخلوية).

وعليه، ولما كانت الغاية من التوعية الأمنية هو الحفاظ على كل ما يمس الشخص وممتلكاته ومتعلقاته الشخصية، فإن الخصوصية الفلسطينية تفرض على المواطن أكثر من ذلك، فتضيف أن الشخص ليس مسؤولاً عن سلامته فقط، بل عن سلامة من حوله من خلال الالتزام بالأخلاق والقيم والمبادئ التي لا تعطيه الحق في نقل الأخبار أو الشائعات أو المشاركة في اغتيال أحد الناجحين أو الوطنيين معنوياً، وتلزمه بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف في ألا يتدخل فيما لا يعنيه.

إن الجهل بالتصرف أو الاستخفاف به في ظل عالم تنعدم فيه الخصوصية، وحالة فلسطين الاستثنائية قد يكون سبباً في خسارة كان بالإمكان تداركها قبل وقوعها، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى: " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم" (الرعد،11) فهو قانون يقدم فيه الواجب على الحق ولا يعفي أحد من المسؤولية.