استراتيجية تفعيل الدور الوظيفي لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني
تاريخ النشر : 2021-01-10 18:47

بالرجوع الى الادبيات والتطورات التاريخية لمنظمات المجتمع المدني لم يعد الدور المتعلق بالمجتمع المدني هو دور سد فجوة او ملء الفراغ الذي انسحبت منه الدولة ، ولكنه تطور ليكون دور فعال في عملية التنمية وخاصة التنمية الانسانية التي هي التنمية النابعة من الانسان والى الانسان.

 وهذا الدور الفاعل مرتكز على الشراكة مع جميع القطاعات فمثلث التنمية حسب منظمة الامم المتحدة يشمل جميع القطاعات للتوصل الى تنمية انسانية حقيقية ، وقد اكد على هذا الدور الكثير من المؤتمرات الدولية التي لها صدى دولي لتفعيل دور المجتمع المدني خاصة على مستوى تمكين الافراد وصولا للتنمية الانسانية .

ومن اهم التغييرات الذي اثرت على دور المجتمع المدني واكدت انه احد فواعل عملية التنمية جنبا الى جنب مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص كان الاعلان العالمي ( للحق في التنمية ) والذي تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1986 م ، فاذن يعتبر المجتمع المدني فاعلا اساسيا في التنمية فهو يساهم في العملية التنموية من خلال قيامه بالادوار التي لا تقوم بها مؤسسات الدولة خصوصاً خدمة المجموعات والمناطق المحرومة وتمكين الفئات المهمشة مما يساهم في توسيع الفرص والخيارات لافراد المجتمع اذ ان التنمية في جوهرها عملية توسيع خيارات للناس وخصوصا الفئات المهمشة .

كما ايضا يعتبر المجتمع المدني هو المدافع عن الديمقراطية والحريات السياسية والحقوق المدنية اذ انه لا يمكن تفعيل التنمية بدون ترسية بيئة ديمقراطية ومواطنة حقيقية تسعى فيها الى تمكين جميع الفئات ، حيث ان المجتمع المدني يساعد على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويقلل من التدخل المفرط للدولة ويحمل حاجز حماية من الدولة ولها ،،

فهذا التغيرات التي تم ذكرها مسبقا جعلت الدولة ليست هي الفاعل واللاعب الوحيد والمحرك للسياسات العامة سواء على المستوى الدولي او الوطني بل ابرز الجانب التنموي للمجتمع المدني وعلى سبيل المثال تعتبر الامم المتحدة المجتمع المدني احد مفاتيح الحوكمة الجيدة والفاعل الهادف الى تخفيف الفقر فهو يشكل مثالا حقيقيا على الديمقراطية التشاركية ولو استعرضنا الاجيال التي مرت بها منظمات المجتمع المدني فاننا سنعرف كيف انتقلت من البعد الاغاثي الى البعد التمكيني والتنموي .

فاولا بدأت بالجيل الاغاثي الذي هدف الى تقديم الخدمات الاجتماعية للفقراء ولكن تأثيرها على التنمية لم يكن فعال بشكل كبير ومن ثم انتقلت لجيل الاعتماد على الذات فهنا بدأت تبرز فكرة الاهتمام بتنمية القدرات المحلية وزيادة الانشطة المجتمعية ومن ثم بدأت في ابراز دورها بالجيل التنموي ويسمى جيل المنظمات التنموية وهنا تركز على التمكين للمواطنين ودمجهم في العملية التنموية فبالتالي وصلنا الى الدور التنموي الفعال لهذ المنظمات وبالرجوع الى ان التنمية تعتمد في ذاتها على تمكين الافراد وتعزيز القدرات وخاصة للفئات المهمشة ، فان منظمات المجتمع المدني استهدفت المواطنين انفسهم وعملت على التمكين وتعزيز القدرات وصولا الى الجيل الاحدث وهو جيل المنظمات الحقوقية التي تعني في التاثير على الراي العام والدفاع عن حقوقهم ولها اثر كبير في التأثير على السياسات العامة.

من جهة اخرى فهنا يكتمل الدور التنموي والتمكيني لمنظمات المجتمع المدني ، فاذن نستطيع القول بأن التوجه التنوي يشير الى التمكين الذي هو اساس دمج المواطنين في عملية التنمية من خلال تعليمهم وتدريبهم وتأهيليهم ومن ثم دمجهم في المجتمع لنصل الى مخرجات تنموية بدءا من الفرد نفسه ،وهذا الدور لا يقتصر على تقديم الخدمات كما اشرنا سابقا بل يتشعب دوره ويصل الى تعبئة المواطنين وصياغة رأي عام وطني مؤثر والمشاركة في صنع السياسات العامة والعمل على ترسيخ قيم الثقافة السياسية والممارسة الديمقراطية.

 ومن هذا المنطلق نستطيع ان نسقط هذا الدور المهم لها ونقول بأنها تستهدف توسيع خيارات الناس من خلال التعليم والتدريب والتأهيل وصولا الى توفير فرص عمل تستهدف الاعتماد على الذات لتحسين نوعية حياتهم وبذلك خطوات مستمرة وصولا الى التنمية ، وبالانتقال الى ركائز ومتطلبات هذا الدور التنموي الذي لا يمكن ان يكون فاعلا بدون مرتكزات وميكانزمات تسهل وتمكن هذ الدور ،وبما ان الدور التنموي يوسع خيارات الناس وهي التنمية بحد ذاتها فانها مرتبطة بالتفاعل بين جميع القطاعات ويجب اولا ان نذكر بأن الدولة يقع على عاتقها جزءا كبيرا من هذه الركائز التي تدعم عمل المنظمات خاصة بان التنمية الحقيقية لا تكون الا في ظل شراكات حقيقية مع الدولة والقطاع الخاص وبالنظر الى دور الدولة فانه يتجسد في وضع الاطار القانوني الي ينظم عمل هذه المنظمات ووجودها ، بمعنى هل هذا الاطار القانوني هو منظم لعملها او مهدد وضاغط ومقيد ؟؟ فالبيئة القانونية لها دور كبير فالحكومات التي تضع اطار قانوني ينظم ويدعم عمل المنظمات ويؤمن بالدور التكاملي في عملية التنمية فان هذا يساعد في انشاء بيئة مواتية للمجتمع المدني يمكن المواطنين المشاركة بفعالية في عملية التنمية ، فلن تتمكن التنمية في ظل بيئة لا يستطيع المواطنون المشاركة في الحياة السياسية وممارسة الديمقراطية التشاركية والتاثير في صنع السياسات وفي الخطة الاستراتيجية للدولة ،، وهذا ما تفعله المنظمات على المستوى المحلي ،،

فالبيئة المحفزة هنا لها دور كبير وايجابي في عملية التنمية وفي تفعيل الدور الوظيفي على المستويين الدولي والمحلي ، ولو تعمقنا في البيئة المحفزة لوجدنا هناك تحديات فيما يتعلق بعمل المنظمات والتي من الممكن ان تؤثر على عملها بداية من ضعف التمويل وانتهاء بضعف الكفاءات الادارية وقدرتهم داخليا على تنفيذ وادارة المشاريع وربطها بالعملية التنموية ، وايضا دورها في ممارسة عملها كسلطة رقابية وخدمية وتوعوية وتنموية بنفس الوقت ، اضافة الى التحدي الاكبر وهو قدرتها على بناء شراكات حقيقية على مستويين الاول هو مع المنظمات نفسها فننظر تأثير منصات المجتمع المدني في الاتحاد الاوروبي على صناعة السياسات العامة بل واصبح يشارك في الخطة الاستراتيجية من خلال شبكات منظمة تركز على العمل التنموي وتعكس توجهات المواطنين ومطالبهم ،وتعمل باتجاهين هو تمكين المواطنين من جهة والثانية تفعيل دورهم في العمل السياسي ودمقرطة المجتمع والاشتباك مع السياسات العامة بما يعكس المخرجات على جميع المواطنين في المجتمع ،والمستوى الثاني هو بناء شراكات حقيقية مع القطاعات والفواعل الاخرى في المجتمع وهم الدولة والقطاع الخاص.

 ومن هنا فان بناء قدرات المجتمع المدني هو ما يحفز البيئة التنموية وتفعل الدور الوظيفي لهذه المنظمات ، وبناء القدرات على جميع المستويات منها تنمية القدرات البشرية والتنظيمية والمالية والتكنولوجية وهنا نضيف على ذلك ارساء قواعد الحوكمة ، التي تمكننا من وضع الاطار التنظيمي والعمل بكفاءة لتحقيق الهدف المنشود ، بناء على ما تقدم ذكره فان العلاقة تكاملية ، ولتوضيح عملية توسيع خيارات التنمية الانسانية التي يعمل على تحقيقها منظمات المجتمع المدني فاننا نعني هنا الاهتمام بالجانبين الصحي والتعليمي بغرض الوصول لعملية توسيع الخيارات والاعتماد على الذات وتحقيق عملية التنمية :
تتبنى منظمات المجتمع المدني في العديد من الدول مبادرات وانشطة متنوعة تهدف من خلالها العمل الى تنمية انسانية بجانبيها التعليمي والصحي لتتمكن من ترسية مبدأ توسيع خيارات الناس وتمكينهم وانطلاقا من هذا المفهوم فعلى المستوى الصحي مثلا بادرت بانشاء مستشفيات وتأهيل كوادر طبية وامداد المستشفيات بالاجهزة الضرورية وهذا يؤكد على الدور الفعلي لمنظمات المجتمع المدني.

وهذا الدور جاء انطلاقا من تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الصحية الاساسية كما سعت الى عقد شراكات حقيقية مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص والجهات المانحة ايضاً ، كما تعمل ايضا على اثارة الراي العام وتعبئة الموارد في سبيل التوصل الى اعلى جودة للخدمات المقدمة والارتقاء بالمستوى الصحي للمواطنين وهذا ما ينعكس على مؤشر التنمية البشرية الذي يعنى بالصحة والتعليم لدى مواطنين الدولة وبالتالي الانطلاق الى تحقيق التنمية الانسانية.

 وبالرجوع الى تاريخ التطور لدور المنظمات على مستوى التنمية الصحية تعود بنا الذاكرة الى اعلان ( الما – اتا 1978 ) والتي شكلت اعتراف باهمية مشاركة الشعب في النظم الصحية ومشاركة الشعب يعكسها الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني ويصف بر نامج الامم المتحدة الانمائي منظمات المجتمع المدني بأنها "في طليعة برامج الوقاية والرعاية والدعم ، لا سيما في صفوف السكان الاكثر ضعفاً والتي يصعب الوصول اليها " وهنا جوهر دور المجتمع المدني ، فقد سميت في الغرب باسم " صناعة الصحة " ، وهذا الدور لا يكتمل الا بوجود تعاقدات كبيرة وشاملة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ، ولو اسقطنا هذا المفهوم على المستوى الفلسطيني فيجدر بنا ذكر منظمة اتحاد لجان العمل الصحي في فلسطين حيث انها بدأت تنتمي للعمل التنموي و وقد وثقت شراكات وتعاقدات مع الحكومة على مختلف الخدمات الصحية لندعم مفهوم التنمية وليكون تجسيدا للدور الانمائي الصحي على المستوى المحلي فالمواطنين الاصحاء هم عمود التنمية ، وبالنظر الى النموذج الامريكي في التنمية الصحية نجد ان مساهمة المجتمع المدني في الخدمات الصحية ( بناء المستشفيات نسبة 51% مقارنة بالقطاع العام والخاص ) وهذا يدلل على السياسات التنموية الصحية والشراكات والتشبيك مع الحكومة في تكامل الادوار اذ انه جعل دور المجتمع المدني دور اساسي ، بالاضافة الى تنويع الخدمات الصحية المقدمة من قبل هذه المنظمات فايضا تعمل هذه المنظمات على التوعية الصحية والذي برز واضحا وجليا بعد اجتياح ازمة كورونا اذا كان الدور الاساسي والفاعل هو الدور التوعوي لتقليل الخسائر الانسانية قدر الامكان ، وتعمل ايضا على تعزيز الصحة وتبادل المعلومات من خلال التنسيق وعمل شبكات صحية مؤهلة على المستوى المحل بأكمله.

 وايضا لها دور اساسي ومهم جدا في وضع السياسات الصحية التي في جوهرها تعمل على المساواه في الحقوق الصحية بين جميع المواطنين ، وتمثيل المصلحة المجتمعية في السياسات العامة وعكسها على الخطة الاستراتيجية .وانتقالا الى التنمية على المستوى التعليمي : بداية يجب ان ندرك بان التعليم يلعب دورا اساسيا في عملية التنمية الانسانية حيث ان احد مؤشرات التنمية البشرية والتي تحدد مستويات الدول في التنمية المختصة بالانسان هو التعليم وهو حق مكفول لجميع البشر من خلال المواثيق والمعاهدات ، فالتعليم يعد احد اهم الاستثمارات النمائية واوسعها تأثيرا ، فهو يتيح فرصة اكتساب المهارات الاساسية اللازمة للعمل والحياة كما انه ينقذ الناس من الفقر ويسهم في التمكين والصحة اذن هي عملية ترابطية بجميع مستوياتها للوصول الى توسيع خيارات الناس في التنمية يجب البدء بالتنمية التعليمية والصحية وصولا للتنمية الانسانية ، ونظرا لاهمية التعليم حيث يساعد في بناء الانسان الذي هو اساس التنمية فقد قدم المجتمع المدني العديد من الاسهامات سواء على مستوى مدارس او سياسات تعليمية كاملة ،، لانه يؤمن باهمية هذا الجانب للانسان نفسه وانعكاسه على التنمية المجتمعية ككل ، ويلعب دورا مهما في التأثير على الراي العام والوعي الاجتماعي حيث تعمل من خلال التعليم على نشر ثقافة احترام سيادة القانون وغرس مبادئ المواطنة والديمقراطية .

ومن اهم الادوار لمنظمات المجتمع المدني هو تمكين الفئات المهمشة والفقيرة التي لا تستطيع الدولة تغطية كافة احتياجاتها فهؤلاء هم اساس عمل المنظمات ، ولأنها تهتم بمجتمع يسعى الى التمكين وقدرته على اختيار البدائل وتوسيع هذه الخيارات امامه كان لا بد من تمكين هذه الفئات من خلال دورها في مكافحة الفقر والذي يتجسد في التالي :
بداية جميعنا يعلم بأن النظام العالمي يقوم على الاقتصاد الرأسمالي والتنافسية والربح أدى الى تزايد معدلات الفقر واتساع الفجوة بين الطبقات وما ترتب على هذه الفجوة من فقر وحرمان وفئات مهمشة على جميع المستويات ، وطالما وجدت واتسعت رقعة هذه الفئات المهمشة كلما ابتعدنا عن تحقيق التنمية،، فهذه الفئة محرومة من المشاركة السياسية ومن فكرة التنمية في توسيع خيارات الناس وفي التمكين فاقصى همها هو ايجاد قوت يومها وبالتالي هي تبدد ادوار منظمات المجتمع المدني وتعمل على تراجع دورها التنموي واقتصاره على الدور الاغاثي ، لذلك كانت ارساء الديمقراطية والحوكمة والتشبيك لتمكين هؤلاء الفئات هو السبيل للخروج من هذه المشكلة.

وهذا برز دور الاقتصاد الاجتماعي ( التضامني ) والذي يمثل الدور الحيوي في عملية التنمية ومكافحة الفقر فهنا يبزر الدور المهم لمفهوم الشراكة الحقيقية بيت القطاع الخاص والحكومة ومنظمات المجتمع المدني ، وتعمل على تعزيز كفاءة اسواق الاعمال ودعم الاقتصاد وتوفير فرص عمل لهذه الفئات المهمشة ودمجها في السوق ، وبالتالي تساهم في الحد من الفقر والتعاون بين جميع الاطراف الفاعلة تمحور في عدة اشكال ، ولا غنى عن ذكر ان منظمات المجتمع المدني تلعب دورا بارزا في الاقتصاديات المعاصرة وعلى سبيل المثال فان منظمات المجتمع المدني تساهم بنسبة 9% من الناتج المحلي الاجمالي ، وهذا ما ينعكس على الفرد والمجتمع في الحد من الفقر ، وهنا يجب الذكر بان الكثير من الدول المتقدمة عملت على تشجيع دور هذا القطاع في تنمية الدخل حيث سنت العديد من القوانين والتشريعات وتوفير البيئة المواتية لزيادة فعالية دورها في التنمية الاقتصادية اذن منظمات المجتمع المدني هي العنصر الذي يكمل الحلقة وبدونا لا تكون ،، لما له من اهمية على جميع الاصعدة المجتمعية المحلية والدولية ،،

ويجب عندما نذكر دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفقر ان نذكر النماذج التالية وهي نماذج تدرس في جميع الازمنة ويجب تقدير الدعم والدور الذي قامت به واخذها قدوة وعمل مقاربة تنموية لما قامت به واتباع المنهج الفكري والتنظيمي لها فاستهلالاً " بنك الغرامين في بنغلادش " عملت على النموذج التطبيق للدور الفعال في مكافحة الفقر فكان من اهم اهدافها هو خلق فرص عمل وبذلك زيادة مستوى الدخل من خلال تشجيع الاعمال والمشروعات الصغيرة ، وذلك بمنح الطبقات الفقيرة ائتماناً وسيولة للقيام بالمشروعات الصغيرة وبذلك عمل على تأصيل مبدأ الاعتماد على الذات ودعم ومكافحة الفئات المهمشة والفقيرة فكان الائتمان خاصة بالطبقات الاشد فقرا وذلك لو نظر اليه الاقتصاديون من زاوية واحدة لوجدوا انه يدعم بالفئة الاكثر خطرا على قدرة البنك على الاستمرار ، ولكن البنك كان لديه قيم انسانية وايمان باهمية تمكين هذه الفئات فهنا نرفع القبعة لهذا الدور العظيم الذي عظم قدرة الانسان على الانتاج ، فلو اجملنا سنقول ان التجربة السابقة هي تجربة انسانية في ثوب اقتصادي تنظر للانسان الفقير بانه كامل الاهلية ويستطيع ان يخرج من دائرة الفقر ويصبح مورد فعال ومنتج لنفسه وللدولة .

وللانتقال الى اليات المجتمع المدني في تحقيق التنمية الانسانية التي يجب الارتكاز عليها :
بداية من اجل عكس مفهوم فعالية المجتمع المدني فان البعد التنموي الذي تتبناه منظمات المجتمع المدني يشمل في داخله تكامل وتفاعل جميع الاطراف المساهمة في عملية التنمية ، وبالنظر الى المجتمع كاحدى الفواعل في عملية التنمية ووصولا الى مفهوم التمكين وتوسيع خيارات الناس هناك العديد من الاليات والتي تنتهجها منظمات المجتمع المدني لتحقيق المخرجات المخطط لها من عملية التنمية

أولاً: الشراكة الحقيقية للدور الفعالي والحقيقي للمجتمع المدني في عملية التنمية : ان المجتمع المدني هو شريك فعال ومستقل وله دور اساسي في توسيع خيارات الناس في التنمية الانسانية ، وذلك يتجسد في تحسين تقديم الخدمات وان تعكس حاجات المواطنين ودائما هدف المجتمع المدني هو كسب ثقة المواطنين الذي يعتبر الرابط الاقوى بين منظمات المجتمع المدني وبين المواطن مقارنة بالهدف الاساسي الذي تسعى الحكومة له وهو رضا المواطن وحتى تبني شراكات على جميع المستويات يجب اولا ان تكسب ثقة المجتمع الذي تمثله وثقة الفاعلين في الشراكات مع المجتمع المدني وبالاخص الحكومة والقطاع الخاص ، وبالرجوع الى الاعلان العالمي للاهداف الانمائية عام 2000 م الذي تضمن هدفا خاصا بالشراكة في تحقيق التنمية ، فالشراكة مفهوم اقتصادي لاعتبارات التسويغ القانوني فهي مؤسسات غير ربحية وتهدف الى مكافحة الفقر في جوهرها ، خاصة بعد ان اصبح وجود منظمات غير حكومية شريكة مع الحكومة ومع الجهات الدولية كقوة مؤثرة وتكاملية على الصعيد المحلي والعالمي ، ونقصد بشراكة منظمات المجتمع المدني " زيادة تمكين المجتمع المدنيواشراكه في اتخاذ القرارات التنموية " من هنا نقول بأن الشراكة هي أداة لابديل عنها في تحقيق عملية التنمية ، وقد بنيت الاهداف الانمائية للالفية الثالثة على فرضية الشراكة الفعالة ، والشراكة الناجحة بجميع مستوياتها تتطلب الالتزام والتعد وتنفيذ السياسات التنموية وفقا للاهداف المحددة لكل شريك ، والاستمرارية في تنفيذ الشراكات ليتم تحقيق الاهداف المنشودة ، وكذلك الشفافية والتعامل بصدق ووضوح . وللشراكة مع المجتمع المدني اشكال عديدة سواء بشكل رسمي او غير رسمي ، وبالنظر الى الهدف الرئيس من عملية الشراكة بين منظمات المجتمع المدني وفواعل عملية التنمية وخاصة الحكومة هو السعي في سبيل تحقيق تنمية مستدامة وبالاضافة الى ذلك فالدوافع الاخرى تتمثل في : فتح المجال امام المجتمع المدني للمشاركة في التنمية في ظل تراجع دور الدولة في كثير من المستويات ، مفهوم الشراكة هو مفهوم تكاملي مع جميع الفواعل والاطراف .

ان اشراك الحكومات منظمات المجتمع المدني في عملية التنمية غالبا ما يعزز الشرعية ، فالشراكة تمكن الناس جميعهم من التاثير على السياسات والبرامج التنموية ، والشراكة تعمل على تقوية قدرات المجتمع المدني وتأهلها لقيادة عملية التنمية جنبا الى جنب مع باقي الاطراف ، بداية : شراكة المجتمع المدني مع القطاع العام.

 ويبرز دور الشراكة في القدرة على تكامل الادوار التي تراجعت عن ادائها الدولة وسد الفجوة والتاثير في صناعة السياسات العامة التي تعكس التوجه والتطلعات لدى المواطنين باعتبار المجتمع المدني هو الجسر الذي يصل المواطن بالدولة ، ويوجد لها الدور الايجابي في دمقرطة المجتمع بالتشارك مع الحكومة التي تسهل هذا الدور الذي يعكس مفهوم التشبيك والمناصرة والضغط لتغيير السياسات واقتراح بدائل تنموية ومن خلال تعاونات وتعاقدات تمكن المنظمات من تفعيل الدور التنموي على سبيل المثال وجود تعاقدات على المستوى الصحي بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني وكما اشرنا لهذه النقطة في التنمية الصحية سابقاً ، بالانتقال الي شراكة المجتمع المدني مع القطاع الخاص : هنا يبرز مفهوم المسؤولية الاجتماعية وهو المفهوم المتجذر في القطاع الخاص وهذا الدور برز بعد تراجع دور الدولة واتساع رقعة الخصخصة والخروج من فكرة المفهوم الثنائي لفواعل التنمية وهما الدولة و القطاع الخاص ، ولا غنى عن القطاع الخاص كقاطرة حقيقية في التنمية من الناحية الاقتصادية بالخصوص ، فعقد شراكات تمنح المنظمات بعد تنموي اقتصادي فاعل.

واخيرا شراكة المجتمع المدني مع المنظمات الدولية لا شك ان المجتمع المدني فر ض نفسه كقوة عالمية ومؤثرة وادت العولمة الى تطور هذا النمو فاصبح جزءا ومطلبا اساسيا من مطالب الحوكمة والمشاركة الفعالة اصبحت ضرورة لا ترفاً، كما ان العديد من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اصبحت تضع ضمن سياساتها العامة الشراكة مع منظمات المجتمع المدني وحين منح الدولة قروض تنموية تطلب تقارير هذه المنظمات فهي تمارس الدور الرقابي والتنموي على المستوى المحلي والدولي ، كما انها تلعب دورا مهما نحو اعطاء طابع رسمي للدولة خارجيا وتحقيق اهمية استراتيجية اقليميا وعالميا ، فكلما كان المجتمع المدني قوي بمنظماته واكثر اندماجا بالمجتمع كلما كان اقوى واكثر تاثيرا في المحافل الدولية والتي من الممكن ان تدافع عن حقوق مواطنيها عالميا ان استلزم الامر ، فوجود مجتمع مدني قوي يعني دولة قوية وواثقة من نفسها وقادرة على ادارة التعددية بداخلها فوجود الاحزاب وتعدد الافكار والاراء داخل المجتمع هو من نتاج الديمقراطية ، وكذلك نستطيع السير في ركب الحضارة والتطور والتقدم .

ولا يخفى على احد الدور القوي الذي لعبته منظمات المجتمع المدني بجميع اشكالها من بداية جائحة كورونا للحفاظ على حقوق الانسان والدفاع عنها ، فتطورت وادخلت التحول الرقمي في اطار عملها لتتمكن من الوصول للمواطنين ودعمهم خلال هذه الازمة . خاصة فيما يتعلق بتوفير الحماية اللازمة للمجموعات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس؛ كالمساجين، من خلال تخفيض أعداد المحتجزين في السجون، فضلاً عن حماية الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، والنساء الحوامل، وحماية النساء؛ حيث طرحت دعوات البقاء في المنزل لمدد طويلة بعض الإشكاليات الخاصة بالنساء على رأسها أرجحية ارتفاع معدلات العنف المنزلي ، بشكل عام دورها مهم جدا في هذه المرحلة والمرحلة القادمة لان هدفها الاساسي هو المواطن وحمايته بالشراكة مع الدولة والقطاع الخاص والذي يترتب عليهم مسؤوليات عظيمة .

ومن المهم ان يصبح المجتمع المدني فعالا ومؤثرا ، ولتحقيق ذلك لا بد من ان يعي الشعب والنظام اهمية وجود القطاع الثالث كوسيط رقابي يتكامل مع الدولة في تحقيق دولة الرفاهية وان كل هذا يصب في المصلحة العامة وليس العكس، خاصة اننا كفلسطينين نحتاج منظمات مجتمع مدني قوي تمثلنا وتدافع عن حقوقنا المسلوبة داخليا واقليميا وعالميا ،، دورها يمثابة طوق نجاة ليخرج الصوت المكتوم لدى المواطنين ،، لنصل الى مجتمع ديمقراطي يجب ان يكون دور المنظمات فاعل جدا . ثانياً الحوكمة اداة لتفعيل دور المجتمع المدني في التنمية : الحوكمة في المجمل هي اطار لتعزيز مشاركة الجهات الغير حكومية والمواطنين في رسم سياسات الدولة وادارة شؤونها ، وتسعى الحوكمة الى خلق توازن بين الاطراف الفاعلة في عملية التنمية وهنا نشير الى تعزيز مشاركة الاطراف مع الحكومة في صنع وتنفيذ السياسات العامة ، فهنا يعكس مصطلح التفاعل والتشارك بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص وهنا يجدر الاشارة الى وجود علاقة بين ضعف مؤسسات الدولة وضعف التنمية الانسانية، فبدون الحوكمة لن يكون المواطنون على علم كاف بجهود وسياسات وخدمات الدولة او صناع القرار وبالتالي لن يكون تواصل والمشاركة في صناعة القرار التنموي وبالتالي اهدار الموارد وضعف التنمية فالحوكمة تحقق التوافق المجتمعي تجاه الاولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمشة مع الاخذ بعين الاعتبار الفئات المهمشة ، وبالاشارة الى التشبيك والتعاون كاحدى الاليات الفعالة التي تعزز التنمية : لعل ابرز ما يتوافد الى ذهننا في مفهوم التشبيك هي الوصول الى شبكات مؤهلة من منظمات مجتمع مدني على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي والتعاون فيما بينها لتصبح قوية وفعالة وذات دور تنموي بالاتجاه الصحيح ، فالدور الاساسي الذي ينبع من هذه الشبكات هو اضافة البعد التنموي لمنظمات المجتمع المدني ووضع رؤية واستراتيجية خاصة بها تهدف الى استدامة العمل التنموي وقدرتها على التاثير والمشاركة والمساهمة واقتراح البدائل في عملية صنع وبالربط بين ما سبق وقدرة منظمات المجتمع المدني في توسيع خيارات التنمية الانسانية ، نستطيع القول بان هذه القدرة ترتكز على مدى تفاعل وتعاون منظمات المجتمع المدني مع بعضها البعض في نسق شبكي منسجم وموحد يعمل على صقل هوية هذه المنظمات ويكسبها فعالية في التقليل من تحديات التنمية الانسانية فالترابط يسد النقص الموجود عند كل منظمة على حدى ، ولعل ابرز مثال على هذه الشبكات منظمة التعاون الفلسطيني وهي شبكة تنموية مستقلة تساعد في قيادة التنمية الفلسطينية وتعمل على دعم المواطن الفلسطيني ايا كان موطنه وتمكينه في المجال التعليمي والمجال الصحي ، وبتقارير المؤسسات الدولية والبيانات والمؤشرات التي تعكسها هذه الشبكة التعاون تمثل احدى فواعل التنمية في فلسطين وهناك من الامثلة على المستوى المحلي والدولي .

وتلخيصا لما سبق فان الاليات والميكانيزمات السابقة تعزز الدور الفعال التنموي لمنظمات المجتمع المدني الذي من خلاله يعمل على توسيع خيارات التنمية الانسانية وتمكين الفئات المهمشة وتحقيق البعد التنموي التمكيني .ولا بد نهاية من الاشارة الى ان المجتمع المدني هو اطار لمقاربة تنموية تكرس عملها من الاسفل للاعلى ( من القاعدة الجماهيرية وصولا الى الدولة ) ،لاسقاط الدور الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني وتصور هذا الدور الفعال يجب اولا فهم واقع المجتمع الفلسطيني وواقع المجتمع المدني فيه : استهل الحديث عن فلسطين بمقولة لغسان كنفاني "إن الانسان في نهاية الامر قضية " ، وتعقيبا ذكر دوريش "لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف انه في عمق وعيه كان يدرك ان الثقافة اصل من عدة اصول للسياسة ، وانه ما من مشروع سياسي دون مشروع ثقافي " ،، من هنا نبدأ بقول ان الثقافة الفلسطينية هي نتاج ادب مقاوم ونتاج موروث وتقاليد مجتمع بدأ حياته في ظل الحرب والبحث عن قيمة لهذه الحياة وحلم ربما يبعد اكثر منا كلما قلصنا فجوة الامل ،، فالمجتمع الفلسطيني يضم العديد من التشكيلات الثقافية والاجتماعية داخله ، منها التقليدية والتي اقتصر دورها على دور سلبي خدمي رعائي ، وتشكيل حداثي لن اقول بان دوره تمكيني لاننا مازلنا في مرحلة جنينية من التمكين ولكنه كان فعالا على مستويات مختلفة فإذا اردتم أن تعرفوا ثقافة فلسطين المتجذرة فاقرؤوا ادبنا وتاريخنا الادبي ،،

فالثقافة لعبت دورا على سبيل الحفاظ على ترابط المجتمع الفلسطيني بجميع توجهاته ، ولكن لها ايضا دور سلبي اعاقي عن عملية التمكين فرفض فكرة التحديث هي عائق امام تحقيق مجتمع ديمقراطي ، وقد مر نشوء منظمات المجتمع المدني الفلسطيني بتسلسل تاريخي غني عن التعريف وصولا الى الوضع الحالي القائم ، ولكن بالاشارة الى ما بعد اتفاقية اوسلو والتي نستطيع ان نجمل فيها بالانتقال الى الدولة المدنية حتى ولو بمفهومها الجنيني ولكن انتقال من مرحلة حرب وعدم وجود ملامح دولة الى تنظيم ووجود احزاب ومؤسسات دولة فهنا نستطيع ان نلقي الضوء على هذا المجتمع الفلسطيني ومنظماته ونشات بعض منظمات المجتمع المدني التي تبنت الفكر التمكيني التنموي ، ولم يقتصر دورها على الدور الاغاثي ولكن تمدد للدور التمكيني وتعزيز قدرات المجتمع أي تمكينه من تشكيل نسق عقيدي فلسطيني موازي ومقاوم للنسق الاسرائيلي المفروض ، حيث ان كل واحدة من منظمات المجتمع المدني التنموي في فلسطين تعمل في فضائها الخاص ، وتتشابك مع بعض المنظمات الرسمية في صيانة النسيج الاجتماعي الفلسطيني وفي مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية ، وعلى سبيل القاء الضوء اولا على الممنظمات التي تعمل على تمكين الفئات المهمشة كمنتدى شارك الشبابي والتي تعزز الفكر التطوعي ، ولا غنى عن الدور المجتمعي للقطاع الخاص الذي يساهم من مبدأ المسؤولية المجتمعية التي تحمل بعد تنموي ، وقد تشكلت احزاب واتحادات ونقابات مهنية ، فالمجتمع الفلسطيني يشمل انواعا متعددة من منظمات المجتمع المدني ولكن هذا المجتمع لم ينمو الى الدور التمكيني المرتبط بالبعد التنموي وتمكين الافراد والفئات المهمشة فالواقع يعكس الحقيقة فمازلنا في ووضع مجتمع مدني جنيني ولو تعمقنا في التحديات واوجه قصور المجتمع المدني الفلسطيني لوجدنا الاتي : أولا : عدم وجود سيادة كاملة على الاراضي الفلسطينية ، فدولة بدون سيادة كيف لها ان تصل لتنمية.

 ثانياً: عدم وجود بيئة تمكينية محفزة لعمل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني فالبيئة القانونية ليست داعمة بشكل كافي والعلاقة ما بين مؤسسات الحكومة ومنظمات المجتمع المدني يشوبها الضباب.

 ثالثاً: تخلخل وهشاشة العلاقة التشاركية بين منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية خاصة الاحزاب السياسية.

 رابعاً :مبدأ المشاركة والتأثير على عملية صنع القرار هي غير موجودة في النموذج الفلسطيني ،، وهذا يعود ايضا لغياب المجلس التشريعي الذي بدد من وضوع العملية التنموية وركزها في اصحاب السلطة ، فالادوات والميكانزمات الفلسطينية غير موجودة في ظل تغيب الديمقراطية التشاركية وغياب مشاركة المجتمع في عملية صنع القرار .

خامساً: تذبذب وعدم استقرار واستدامة عمليات التعاون والتنسيق والتشابك وبناء الشراكات واستقطاب التمويل ، حيث اصبح يغلب عليها المنافسة في جلب التمويل مما اثر سلبا على تحقيق الاهداف واصبح الانصياع حسب المشروع الممول وليس تماشيا مع خطة تنمية وطنية.

 سادساً: الاحتلال الرئيسي اساسا متجذرا وعائقا لعملية التمكين والتنمية وهدم البنية الاجتماعية ، سابعاً: اعكس وجهة نظري كباحثة هنا بان نظرتي لمجتمعي الفلسطيني مازال يعكس التوجه العشائري وليس الحداثي ، عدا عن الفساد المالي والاداري الذي ينم عن ضعف او غياب مبادئ الحوكمة في مؤسسات الدولة وهنا لما للدولة دور مهم في ترسية وتهيئة البيئة لتمكين المجتمع المدني ، ثامناً: عدم وجود مشروع وطني حقيقي يمكن ان يمهد لمجتمع مدني ديمقراطي تسوده قيم المواطنة وحقوق الانسان ، تاسعاً: غياب تكافؤ الفرص والتي هي نتائج عدم وجود مجتمع ديمقراطي .

عاشراً : الانقسام الفلسطيني الذي بدد جهود التنمية والذي يشكل الخسارة الاكبر لفلسطين بعد احتلالها ،، واضافة الي ما تقدم فإن الفضاء العام سلبي وغير محفز والتجزئة الجغرافية مزقت النسيج الوطني.

 حاي عشر :عدم وجود رؤية تنموية حقيقة قابلة للتطبيق وعدم اشراك المجتمع المدني في الخطة الاستراتيجية ، وتبرز الازمة الحقيقة في ظل غياب المؤسسات القوية والمحوكمة والديمقراطية وضعف اجهزة السلطة وضعف الثقة بها وبالمجتمع المدني .

وخلاصة الامر ان الوضع الراهن معقد ويستدعي حلولا غير تقليدية يأتي في مقدمتها توظيف تشكيلات المجتمع الفلسطيني وطاقاته والتخلص من الصراعات الجانبية ،،

وبعمل مقاربة تنموية للمجتمع المدني الفلسطيني مع باقي الدول الديمقراطية فان التصور للدور الوظيفي الناجح لتمكين وتوسيع خيارات الناس من وجهة نظر الباحثة كالتالي :انطلاقا من ان المجتمع المدني الفلسطيني يجب ان يمثل ارادة الشعب ، ويجب ان نبدأ مقاربة تنموية من الاسفل للاعلى وبالتشارك مع كافة فواعل المجتمع ، ويجب تبني مشروع وطني تنموي يهدف بجوهره الى دمقرطة المجتمع وترسية قيم المواطنة وحقوق الانسان وتوسيع القاعدة الجماهيرة وتمكين مؤسسات الدولة وهذا المشروع الوطني هو نواه حقيقية لمجتمع مدني فلسطيني تنموي ، يشمل هذا المشروع في استراتيجاته وضع تصور لخطة تنموية استراتيجية بالمشاركة مع جميع الفئات المجتمعية ، وعمل شبكة منظمات لها اطار قانوني داعم اسوة على سبيل المثال بشبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية الذي لهادور بارز .

وتكمن الرؤية لهذا المشروع الوطني في تهيئة بيئة قانونية وتنظيمية وادارية مواتبة للخطة التنموية الاستراتيجية والعمل على تمكين الافراد والفئات المهمشة وتنمية القدرات وتمكين الافراد والمؤسسات ، ومن اهداف المشروع العمل بشكل جدي بشراكات دولية ومحلية على توحيد الانقسام الفلسطيني وبناء قاعدة شعبية وتعبئتهم لتوحيد الصف ، وتعزيز ودعم الشراكات الفاعلة والحقيقة مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص على سبيل تمكين الفئات المهمشة ، فتوفير فرص عمل ذات عائد استثماري اسوة ببنك غرامين ببتغلادش ، وعقد اتفاقيات مع الحكومة لتوفير الخدمات الصحية وبناء نظام صحي متوازن وسد الفجوات ، اشراك المواطنين في البرامج التنموية والسياسات العامة ، دمقرطة المجتمع بالدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني وتفعيل المشاركة السياسية ، واللجوء الى الاتفاقيات والمواثيق الدولية وتوعية الجيل الصاعد بحقوقه ، العمل على تنمية الجانب الثقافي الايجابي وتقليص الجانب السلبي ، عمل دليل رسمي لمنظمات المجتمع المدني وتنظيم العلاقات والدور التنموي مع الحكومة والقطاع الخاص ، وجود جهة رقابية على منظمات المجتمع المدني وعلى الحكومة ، بناء مؤسسات قوية والعمل على تطبيق مبادئ الحوكمة وادراج مقترح نظام فلسطيني محوكم على المستوى الحكومي . وتعقيبا على ما سبق يجب ان تتوفر في المجتمع الفلسطيني القدرة على التكيف الزمني والجيلي والوظيفي وهنا اقصد استمرارية عمل هذه المنظمات ، ومنظمات المجتمع المدني كانت حاضرة في المجتمع الفلسطيني ولكن بوظيفة تختلف عن نظيراتها في الدول الاخرى .

فغياب الدولة الفلسطينية غير من وظيفتها وجعلها تصب في اتجاه ابراز الهوية الفلسطينية واعادة تاسيس الدولة وبناء مؤسساتها ، وانه في الحالة الفلسطينية يفترض أن تتلاقى وتتصارع القوى السياسية والاجتماعية ليس من أجل الفوز بالسلطة أو السيطرة عليها ـ مع أن هذا حق مشروع في مرحلة لاحقة ـ بل من أجل بناء المواطن ثقافياً وسياسياً، وتفعيل وتخليق الحياة السياسية والثقافة وتشكيل قوة ضاغطة على السلطة الوطنية، تؤثر على مواقفها وتراقب سلوكياتها وتصحح أخطاءها. كما أن المجتمع المدني يقوم بوظيفة جدا مهمة وهي بناء الهوية الوطنية الفلسطينية وصقل الثقافة الوطنية، حيث عمل العدو الصهيوني على تشويههما وطمس معالمهما، أيضاً للمجتمع المدني الفلسطيني في هذه المرحلة دور في تخليق الحياة السياسية وبناء المجتمع الديمقراطي، وهو بهذه الوظائف يبلغ رسالة قوية إلى العالم مفادها أن الشعب الفلسطيني شعب حضاري وقادر على تسيير أمور نفسه بنفسه وبالتالي قادر على إقامة دولته المستقلة.

كما أن الاشتغال في وعلى المجتمع المدني هو المجال الذي تستطيع المعارضة الفلسطينية والقوى الحية في المجتمع اليوم ـ بعد أن سُدت في وجهها سبل النضال من الخارج، والمجتمع المدني الفلسطيني أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها والسلطة الفلسطينية أصبحت حقيقة لا يمكن تجاهلها، وحيث أن أحدهما لا يستطيع إقصاء الآخر ولا يجب عليه فعل ذلك، فالحل هو ميثاق شرف وطني يحدد الثوابت التي لا يجوز الاختلاف عليها، ونقاط الاختلاف التي يمكن تعدد الاجتهاد بشأنها، وأهم الثوابت التي يجب الإجماع عليها هو وجود عدو مشترك، والديمقراطية كنظام للحكم والممارسة السياسية والحرية كفضاء، يتيح للجميع التعبير عن رأيه دون عائق. يعود ذلك بطبيعة الحال لعدم توافر المقومات الذاتية والموضوعية الضرورية لقيام حياة ديموقراطية حقيقية في المجتمع الفلسطيني، وهذا مرده لأن الديمقراطية لا يتم إسقاطها على المجتمعات بشكل طارئ، فهي بحاجة لمراحل سابقة، أهمها أن تتكون نواة لمجتمع مدني حقيقي، وبوجود هذه النواة للمجتمع المدني (مجتمع المؤسسات) تأتي الخطوة الديمقراطية بشكل تلقائي، وعن سبب عدم إمكانية قيام مجتمع مدني، فهو أن المجتمع الفلسطيني حتى اللحظة لم يزل مجتمعاً عشائرياً من ناحية، ومن ناحية أخرى متديناً، وان الواقع السياسي الفلسطيني يفرض على هذه القوى والمنظمات دورا أكثر أهمية في هذه المرحلة للوصول إلى مرحلة الاستقلال السياسي وإقامة الدولة الفلسطينية ألا وهو التركيز على نيل الحقوق الوطنية في عملية بناء المواطن الفلسطيني وفي نسج التحالفات الدولية من جهة، وتفعيل وتوجيه الحياة السياسية الفلسطينية نحو تشكيل قوة مانعة لتغول الدولة والاحتلال وتتدخل لحماية الأفراد وقت الحاجة من جهة ثانية. من خلال ما تقدم، فان منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تعتبر البركان الفلسطيني الذي إذا ما اتحدت عناصره وتركيباته في قاعدة المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني انطلاقا إلى فوهة الأهداف الوطنية بالتحرر وبناء الدولة، بعيدا عن الفردية والعنصرية والمصالح الضيقة ، فانه سيشكل نمطا نضاليا متميزا في التجربة الإنسانية العالمية. ولكن هذا الأمر متوقف على قدرة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني على إيجاد استراتيجية تنموية، وعلى قدرتها على تنظيم تحالفاتها مع المنظمات الدولية دون الوقوع في شرك التبعية .