جبهة ثقافية مقاوِمة
تاريخ النشر : 2020-12-11 15:27

نص المقالفي الكتابة عن الوعي الوطني والقومي الحضاري يستلزم التذكير دومًا أن الرواية العربية الفلسطينية العادلة تاريخا وقانونا وسياسيًا تلقى هذه الأيام حرباً شرسة تحاول فيها الدعائية الصهيونية الاحتلالية العنصرية بحلفها الانهزامي الجديد أن تصور الفلسطينيين -وفلسطين التي لا تنطق إسمها بتاتًا- مجموعة متناثرة من الجزر في بحر الإسرائيلي الذي يمنّ عليها بالظهور الشكلي.

وتصل الفتنة التاريخية وتزوير الرواية سياسيا وتاريخيًا إلى حد إنكار الوطن أوالجغرافيا كما الحال مع إنكار الشعب مما هو حاصل في تزوير آلاف السنين من قبل الكهنة كَتَبَة التوراة (التناخ)، وكما حصل من الغربيين المستشرقين المهووسين أما بالاستعمار للمنطقة العربية لدوام تفتيتها واستغلالها كما هو حاصل، أوالمنحازين للخرافات التوراتية ضمن الانجيلية الصهيونية.

إن الانحدار والانعزالية عن الأمة والرذالة العربية اليوم لا يمكن أن تُفهم بسهولة الا في ضوء العوامل التالية:

1. دوام التبعية الرسمية العربية للاقتصاد الغربي، وسياساته
2. والمرتكز على النفسية الانهزامية، والانبهارية بالآخر
3. والخوف على السلطة الحاكمة
4. ضمن عقلية الاستهلاكية والتكديس المرضي، غير المنتج
5. ولسبب والانحطاط الثقافي والفكري والسياسي لدى المتصهينين الجدد أو الانعزاليين العرب
6. وفي ضوء افتقاد كامل الوضوح للهوية، سواء الوطنية أو الهوية الحضارية الجامعة.
في الإطار العربي والفلسطيني تحاول الدوائر الصهيونية والانعزالية العربية، والاستعمارية الانجيلية أن تعيد عملية طمس الرواية العربية الفلسطينية بفلسطين أي أن كل فلسطين هي فلسطين، وأن العرب الفلسطينيين بكافة قبائلهم القديمة هم سكانها المالكين منذ الأزل حتى اليوم.

ينخرط بعض العرب أو الفلسطينيين بوهم القول أن الضفة أو أن غزة أو أنهما معا تمثلان فلسطين! ما هو شطط تاريخي ومستقبلي، وخلل سياسي قيمي فلا الدولة الموعودة في الإطار المرحلي هي الوطن، ولا الكيان السياسي المستجد هو حقيقة نهاية التاريخ.

الى ذلك تحاول الرواية المضللة المسلحة بقوة السلاح والمارد الغربي وغباء المتلقين، أن تطرد السكان الأصليين وأرضهم من حقائق التاريخ القديم، بل والحديث تمامًا كما فعل الاستعماريون القتلة الإرهابيون في أمريكا واستراليا ونيوزلندا...، وإن لم يتمكنوا من سحق أمة جنوب إفريقيا التي ولدت الزعيم مانديلا فلن يستطيعوا أن يسحقوا أمة محمد وأمة القسام وأمة عرفات وأمة ياسين العربية الفلسطينية رغم انعزالية المنحطين الجدد وانكسارهم.

فلسطين هي المساحة المعرّفة ب27 ألف كم مربع ويزيد عبر التاريخ الذي اعتبرها إقليما محددًا بكل وضوح ضمن المحيط العربي منذ القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل، ما لم يكن الى جواره أي صحة أو وجود للروايات التوراتية الخرافية، من إمارات أوملوك أومسميات تلك التي تداعب خيالات بُلداء وأغبياء وانعزاليي العرب اليوم المتحالفين مع الانجيلية الخرافية والفكر الصهيوني الاحتلالي.

إن دولة فلسطين المطلوب استقلالها على حدود حزيران 1967 وهي القائمة بالحق الطبيعي والقانوني والتاريخي هي دولة ديمقراطية مقلّصة على جزء يسير (خُمس المساحة تقريبا) من فلسطين العربية، التي يقام على أربعة أخماسها كيانٌ سياسي غريب وغازي ومحتل ومستعمر اسمه دولة (اسرائيل) الصهيونية العنصرية، وهي التي لا صِلة لها بالتاريخ من جهة ولا صلة لها بالقومية أو النسب الإسرائيلي القديم ما أصبح وهمًا يتبناه الراكعون العرب عند أقدام الغزاة.

كتبنا كثيرًا وكتب غيرنا طويلاً داحضًا الرواية التوراتية (التناخية) الخرافية ومكافحًا مردديها من العرب العميان أو الذين تشرق شمسهم من الغرب! وهم الذين وجدوا لهم اليوم مرتعًا تحت ضغط مصالحهم الغريزية أوالاقتصادية وحفاظًا أما على الكراسي أوالتيجان الزائلة التي تلمع فوق الرؤوس المنحنية أبدًا.

كتب الآلاف من المفكرين والمثقفين والسياسيين والمؤرخين العرب والأجانب بل والمنصفين الإسرائيليين اليوم ممن أشرنا لهم في عديد الأبحاث والمقالات ما يصحح الأكاذيب ويؤكد المؤكد، وبالتالي يستنتج ضرورة التصالح مع الحق العربي الفلسطيني الجليّ.

لكن العودة تكرارًا لمحاولة سلب القضية هويتها العربية العميقة تلك الاستيعابية المنفتحة حضاريًا هي محاولات الصهاينة والمستعمرين القديمة الثابتة، وبدعم هؤلاء الأنعزاليين الجدد لتبرير انكسارهم وذِلتهم ورعونتهم وانحطاطهم ما يجب أن تتشكل في مقابله جبهة فكرية ثقافية حضارية مؤمنة بالحق والعدالة في هذه المنطقة العربية الحضارية المتميزة.

عندما سؤل المفكر العربي الكبير خالد الحسن من قيادات حركة فتح عن قدسية القدس عاصمة فلسطين قال لهم أن حيفا بلدي ومسقط رأسي لدي أقدس من قداسة القدس، فكل فلسطين مقدسة وكل فلسطين هي أرض العرب، التي يجب الا تغرب عن بالنا وعن مضمون الرواية التي أصبحت اليوم أحد أهم أدوات المقاومة والجهاد والكفاح في العاجل، والآجل الذي يفترض الدولة الديمقراطية الواحدة على كل أرض فلسطين.