الأزمة السورية والحل الأممي
تاريخ النشر : 2020-11-30 12:56

مرت أكثر من تسع سنوات على بدء الأزمة في سوريا، التي انطلقت في منتصف شهر مارس عام 2011، وخلال سبعة أشهر، أي مع بداية عام 2012 تحولت من تظاهرات سلمية إلى معارك شرسة، وخلال مدة زمنية قصيرة، وبعد ظهور الجماعات المسلحة، المتشددة والليبرالية، وسيطرة كل تنظيم على أجزاء من مساحات الدولة السورية، تم تمزيق الأراضي السورية بلا هوادة، وسادت الفوضى المدنية والعسكرية، حتى رأينا العالم كله يتقاتل على الأراضي السورية، ولولا التدخل الروسي بثقل لما استطاع النظام السوري، أن يصمد، والكلام ذاته يمكن قوله بشأن المعارضة المتشددة؛ إذ لولا التدخل التركي وغيره، لما استطاعت تلك التنظيمات والجماعات الصمود، وبذلك بدلاً من أن يكون الصراع بين أطياف الشعب السوري، تحول إلى صراع مصالح بين الدول الجارة والبعيدة.

الآن وبعد مرور قرابة عقد من الزمان، ذكرت الأخبار قبل أسبوع أن مسؤولين من أربع دول عربية عقدوا اجتماعاً تشاورياً لبحث تطورات الأزمة السورية، وسبل تسويتها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 وذلك لحفظ وحدة سوريا وعروبتها وسلامة أراضيها والمحافظة على مقدرات شعبها.

لقد مرت خمس سنوات على صدور قرار مجلس الأمن الذي طالب جميع الأطراف، في حينها، بالتوقف فوراً عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، وحث جميع الدول الأعضاء، في مجلس الأمن، على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار، وطالب أيضاً الأمم المتحدة بأن تجمع الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية في أوائل شهر يناير من عام 2016، واستثنت من ذلك المجموعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة»، ونص القرار أيضاً على أن تجري انتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً.

نحن لا نذكر هذه التفاصيل محبة بالتكرار، لكن لنقول أن قرار مجلس الأمن رقم 2254، ظل كغيره من القرارات الأممية، حبيس الأدراج، وعجز مجلس الأمن بأعضائه الكبار ودوله العظمى عن تنفيذ بند صغير من بنوده لسبب بسيط جداً، وهو انخراط بعض أعضاء مجلس الأمن في النزاع في سوريا، وانحياز البعض إلى النظام والآخر للمعارضة؛ بل المعارضة المتشددة، ما جعل الأزمة تطول؛ بل وتُنسى، كما يحدث الآن؛ إذ تراجعت الأخبار الخاصة بسوريا تدريجياً، وبدأ التراجع مع دخول الجيش التركي للشمال السوري بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا بالإرهابي، وكذلك للتصدي لتنظيم وحدات الحماية الكردية، الذي يقال إنه تابع لحزب العمال الكردستاني، وقد تذرعت تركيا بهذا لتتوغل في الأراضي السورية، وتقف في مواجهة الجيش السوري.

إن مهمة الدول التي ترغب في الحفاظ على عروبة سوريا لن تكون سهلة على الإطلاق، إذا ما حاولت ترجمة أهدافها على الأرض، فالأطراف المتحاربة الرئيسية لم تعد مجرد تنظيمات وإنما دول، فعلى الأراضي السورية توجد قوات روسية وإيرانية وتركية ومسلحو «حزب الله»، وتنظيمات مثل «داعش» و«النصرة»، وقوات كردية، وتنظيمات صغيرة تتبع جهة هنا وأخرى هناك. كما أن المفاوضات التي ينص عليها القرار الأممي بين «الطرفين» لن تكون بين المعارضة والنظام وإنما بين الدول التي ذكرنا والنظام.

لقد قال الراحل وزير الخارجية السوري وليد المعلم في سبتمبر من عام 2018: «إن وجود معارضة في سوريا ليس مشكلة، إنما المشكلة تتمحور حول القائمين على الفصائل المتعددة، التي تختلف أجندتها». ويمكننا تصديق قول المعلم الذي صرّح به منذ عامين، لأن النظام كان على استعداد للجلوس إلى المعارضة آنذاك وحل الأزمة، والآن عليه أن يجلس إلى تركيا والمعارضة السياسية والأخرى المسلحة، وفي مرحلة ثانية يجلس إلى الإيرانيين والروس، لأنهم لن يتخلوا عن مكاسبهم بسهولة. ولهذا، من يظن أن الأراضي السورية سيتم تفريغها من المسلحين ومصالح الداعمين لهم، يكون قد بالغ في التفاؤل.

إن حل الأزمة السورية في حاجة إلى دعم أممي حقيقي إلى جانب الدور العربي المهم، وإلى قرار ملزم لجميع الأطراف اللاعبين على الأراضي السورية، وإلا ستستمر الأزمة تسع سنوات أخرى من دون حل.

عن الخليج الإماراتية