جو بايدن أي سياسة خارجية في الشرق الأوسط
تاريخ النشر : 2020-11-29 19:55

على الرغم من حالة الجدل التي تسود الأوساط السياسية العالمية حول السلوك المتوقع للرئيس الامريكي منتهي الولاية في يناير القادم، نتيجة تصريحاته الرافضة لنتائج الانتخابات الامريكية الأخيرة والتي أدت إلى فوز "جو بايدن"، أو لاعتبارات تتعلق بشخصيته المركبة ونفسيته الإستعلائية، ورغباته المكبوتة لخلط الاوراق، إلا أن المجتمع الدولي أصبح جاهزاً للتعامل مع الرئيس المنتخب "جو بايدن"، ولعل رسائل التهنئة المتوافدة تشكل إقرار دولي بنتائج هذه الانتخابات، وقد بدأت كل الأوساط العلمية والسياسية تركز جل اهتماماتها نحو أي سياسة خارجية ستتبعها الولايات المتحدة في عهد بايدن، عبر سؤالها حول مدى حدود التغيير بالسياسة الخارجية الأمريكية خلال الأربع سنوات القادمة؟، وهل سيستخدم إدارة بايدن سياسة نقيضة أم سياسة متطابقة؟ خصوصاً في ظل تحديات كبيرة ومعقدة ستواجه إدارة بايدن سواء على صعيد السياسة الداخلية والانقسامات التي أفرزتها فترة إدارة ترمب خلال السنوات الأربعة الفائتة، أوعلى صعيد علاقات الولايات المتحدة الدولية مع الحلفاء أو مع الخصوم المحتملين.

وبالتالي، فإن تركيبة إدارة بايدن وطبيعة فريق العمل معه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بالإضافة لإرثه كسياسي امريكي مخضر بلغ 36 عاماً وينتمي لمؤسسة حزب الديمقراطي، تستدعي القول، أن "عقيدة بايدن" سترتكز على التوازن والعودة بالولايات المتحدة للعالم واتباع سياسة براغماتية تستعيد الزعامة الأمريكية وتعمل على مواجهة التحديات المقترنة بالقرن الــ21، وهي تحديات مختلفة عما كانت عليه عندما كان نائباً للرئيس السابق "أوباما" 2009.

فبايدن معروف كما تقول الأوساط القريبة منه، بأنه رجل التوافقات في السياسة الأمريكية، ولم يعرف عنه جنوح في العواطف أو مغالاة في الطموحات، ومن ثم شخصيته أقرب ما تكون إلى المعتدلة والرزينة التي يسهل التنبؤ بتصرفاتها، ونتيجة للإرث السياسي الطويل له في الحياة السياسية الأمريكية ، يتوقع أن تتسم قراراته بالتدرّج والهدوء والدراسة المتأنية والبعد عن الانفعال، وأن تشارك في اتخاذها مختلف مؤسسات ذات العلاقة. لذا، الأرجح أن يكون هناك توافق وانسجام بين إدارة بايدن ومؤسسات الدولة الأميركية العميقة، بعكس ما كان عليه الحال إبّان إدارة ترامب.

من جانب آخر، فإن طبيعة تركيبة فريق عمله يعكس التوجهات الإستراتيجية سواء تعلق بالتنوع العرقي لهذا الفريق، أو للسياسة الخارجية الأمريكية، ورؤية تصحيحية لمسار هذه السياسة، والعودة للحلول الوسط، فكاميلا هاريس نائبة للرئيس، وأنتوني بلينكين وزيراً الخارجية، غرينفيلد وجيك سوليفان مستشارة الأمن القومي، وليندا توماس مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، تمثل الدولة العميقة التي عمل ترمب على تجاوزها خلال فترته، هم جميعاً من خدموا سابقا في البيت الأبيض في عهد أوباما، ويُعتبرون من الموالين لبايدن ومن أصحاب التوجهات الوسطية في السياسة الخارجية، أو كما يقال عنهم، أنهم سيساعدون في قيادة الولايات المتحدة تجاه سياسة أكثر فعالية تركز على المصالح والقيم المشتركة، إنهم براغماتيون وليسوا أصحاب أيديولوجيات، وستشكل أولويات عملهم مهمة إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ والحفاظ على عضويتها في منظمة الصحة العالمية، وتعزيز الصلات بحلف شمال الأطلسي "الناتو والاتحاد الأوروبي، والتوصل لاتفاقيات تجارية كوسيلة لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد، بالإضافة لملف الشرق الأوسط وعلى رأس أولوياته الملف الإيراني الذي يزداد تعقيداً مع إغتيال محسن زادة والذي يلقب بأبو البرنامج النووي الإيراني وتداعيات ذلك على إسرائيل المتهم الاول بالحادثة، ويبدو أن هذه التطورات ستزيد من تشابكات السياسة الأمريكية بالمنطقة، وستفرض على الولايات المتحدة التقليل من فرص الإنطواء أو التجاهل للشرق الأوسط الذي يفرض نفسه على السياسة الدولية سواء نتيجة ما يتمتع به من مصالح للدول الكبرى أو نتيجة ما يحتويه من تحديات للسياسة الدولية.

وبالتالي على صانع السياسة الفلسطينية محاولة استثمار هذه التطورات بما يخدم التوجهات العادلة للقضية الفلسطينية، والعمل على إيجاد مقاربة فلسطينية مختلفة، وتشكيل فرق تفاوضية مختلفة عن سابقاتها نهجاً وأسماء لاحتمالات العودة الأمريكية الجادة للشرق الأوسط، وألا يقتصر الاستعداد الفلسطيني على المعرفة التقليدية، والإسقاطات السابقة لفهم النظام السياسية الأمريكي، والإدراك أن الأزمة المعرفية بطبيعة هذا النظام هي التي حدت من القدرات الفلسطينية والعربية للتأثير على صنع السياسة الأمريكية.

هناك تشابك ستفرضه الضرورة بين الملف الإيراني والقضية الفلسطينية، وأن الصراع العربي الإسرائيلي سوف يتسرّب حتماً إلى صدارة جدول أعمال إدارة بايدن، ولكن من باب الخيارات التي ستعتمدها هذه الإدارة عند تعاملها مع الملف النووي الإيراني.