هل يبتاع الفلسطينيون الوهم مجددا !
تاريخ النشر : 2020-11-29 10:14

لقد أحدثت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهى ولايته دونالد ترامب خلال سنوات ولايته الأربع التي قضاها في السلطة تغيرات عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية وكذلك فى الكثير من تضاريس الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط تغيرات تصب في مجملها في صالح الدولة العبرية وباتجاه خفض سقف اى مفاوض فلسطيني سيجمعه الحظ التعس مع نظيره الاسرائيلى على اى طاولة مفاوضات فيما يخص التسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلى فخلال السنوات الأربع خرجت العديد من الدول العربية والإفريقية من هذا الصراع وأعلنت ذلك رسميا عبر اتفاقات سلام وتبادل للسفراء بينها وبين الدولة العبرية وأكثر من ذلك فثمة اتفاقات تعاون إستراتيجية اقتصادية وأمنية وقعت وأعلن عنها وربما ثمة أخرى عسكرية موجودة في الإدراج وهو ما يعنى أن واقع الدولة العبرية وموقعها في الجغرافيا السياسية في المنطقة تغير ويتغير يوميا بشكل مضطرد في المقابل فان بعض التغييرات تلك التي أحدثها الرجل فيما يخص قضايا الحل النهائي سوف يكون من الصعب على اى إدارة أمريكية قادمة التراجع عنها وهو ما يعنى خفض سقف اى مفاوض فلسطيني مستقبلا في تلك القضايا وعلى رأس تلك القضايا قضية القدس التى مثل اعتراف إدارة ترامب بها عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية من تل أبيب إليها ضربة قاسية لطموحات الفلسطينيين في تقاسم المدينة بحيث يصبح شطرها الشرقي عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية أضف إلى ذلك الضعف الذي أحدثته إدارة ترامب للفلسطينيين في قضية الاستيطان عبر القرار الأخير الذي أعطى الشرعية لكل منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة على اعتبار أنها منتجات إسرائيلية بالإضافة إلى عطاءات الاستيطان التي سمحت إدارة ترامب بها في الضفة و القدس وخاصة فى المنطقة E1 والذي يعنى الاستيطان فيها فصل شمال الضفة عن جنوبها عبر حاجز ديمغرافى استيطاني يهودي أضف إلى ذلك ما أحدثته إدارة ترامب من ضعف للموقف السياسي لاى مفاوض فلسطيني في قضية اللاجئين التي أضعفتها سلفا مبادرة السلام العربية التي تجاهلت عن عمد اى ذكر لحق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين وهانحن اليوم نرى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين قد أصبحت غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بعدما وصل رصيد موازنتها من السيولة المالية إلى الصفر بفعل سياسة تجفيف الموارد المالية التي اتبعتها إدارة ترامب ضد وكالة الغوث الاونروا وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك مشهد القطيعة التي حصلت بين الإدارة الأمريكية والقيادة الفلسطينية والتي أسفرت عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ووقف الدعم المالي للسلطة فإننا أمام مشهد ووضع قاس للغاية أوصلت إدارة ترامب الفلسطينيين له عشية مغادرتها البيت الأبيض سيكون من الصعب على اى إدارة أمريكية قادمة تغييرالكثير من معالمه بسهولة علاوة على استحالة العودة به إلى الوراء خاصة فيما يتعلق بالتغييرات التي أحدثتها إدارة ترامب وإسرائيل في ملفات قضايا الحل النهائي من وقائع ملموسة على الأرض وعلى رأس تلك القضايا قضية القدس

إن اى آمال او حتى تفاؤل فلسطيني في قدرة إدارة بايدن على العودة بالمشهد في الشرق الأوسط وخاصة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلى إلى ما كان عليه الحال ما قبل إدارة ترامب هو في الحقيقة ابتياع للوهم فثمة واقع فرض ومعالم تغيرت في الجغرافيا السياسية في المنطقة وفى الصراع الفلسطيني الاسرائيلى يستحيل معها العودة بعقارب الساعة إلى الخلف عبر العمل السياسي الدبلوماسي التفاوضي النمطي أضف إلى ذلك حقيقة أن نصف الناخبين الأمريكيين والذين صوتوا لترامب فى الانتخابات الأخيرة والذين يتجاوز عددهم 70 مليون ناخب يرون أن سياسة ترامب تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلى تتوافق ايديولوجى مع ثقافتهم وعقيدتهم الجمعية الإنجيلية و هو ما سيجعل الرئيس الديمقراطي جو بايدن يفكر مليا وألف مرة عندما يبدأ في رسم سياسته في الشرق الأوسط وفى الصراع الفلسطيني الاسرائيلى نظرا إلى التداعيات التي ستترتب على تلك السياسة على مستقبله السياسي وحظوظه في الفوز بولاية ثانية وكذلك في قدرته على الحد من حدة الاستقطاب المتنامي في المجتمع الامريكى أخذا في الاعتبار وجهة نظر رئيسه السابق باراك اوباما الذي كان نائبه خلال ولايتين رئاسيتين والذي خلص في الجزء الأول من مذكراته الأرض الموعودة صفحة 25 إلى نتيجة مفادها (إن الصراع الفلسطيني الاسرائيلى يصعب حله لأنه وببساطة توجد إسرائيل القوية إلى حد لا ترى نفسها بالمطلق بصدد تقديم اى تنازلات للفلسطينيين وثمة على الطرف الآخر الفلسطينيين الضعفاء إلى حد أنهم لم يعد بمقدوهم التنازل عن اى شيء)من هنا فان سيكون من الأسهل على بايدن أن يبدأ رسم سياسته فى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من حيث انتهى ترامب مع بعض التعديلات الشكلية لذا بات لزاما على الفلسطينيين تغيير كل قواعد وأدوات اللعبة السياسية القديمة لخلخلة ان لم يكن تغيير الواقع المفروض على الأرض وعليهم أن يدركوا أن السنوات الأربع العجاف القادمة هي سنوات حاسمة فى مستقبل الهوية والمشروع الوطنى الفلسطيني برمته.