العودة الى الواقع!
تاريخ النشر : 2020-11-27 22:13

لا شك ان الشعب الفلسطيني خاب أمله جراء عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية، بعد ان اتضح ان الفصائل التي وقعت على البيان الاول بعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل قبل شهور الذي تحدث عن الوحدة وحشد جهود الفصائل لمقاومة المحتل، مازالت تتمرس  في المربع الاول!

ومن الغريب ان يخرج علينا بعض القادة وان يعلنوا ان الاجتماعات التي تمت في تركيا وقطر و بيروت واخيرا في القاهرة كانت ايجابية، وهي نفس النغمة التي سمعناها على مدى سنوات طويلة وبعد كل لقاء من تلك السلسلة اللامتناهية من مثل هذه اللقاءات، وكأن الاجتماعات البعيدة عن الوطن هي الي تجلب المصالحة.

منذ الانقلاب الحمساوي وانفصال قطاع غزة عن باقي الوطن خلافا للإجماع الوطني الذي طالما حرم الاقتتال الفلسطيني الداخلي وأكد وحدة الأراضي الفلسطينية وهو ما أرسته منظمة التحرير في اتفاق اوسلو مع العدو الاسرائيلي بأن جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ  عام ١٩٦٧م هي ولاية جغرافية واحدة  لا يمكن تجزأتها،

نذكر بأنه في العام ٢٠٠٧ عقد اجتماع مصالحة بدعوة من المملكة السعودية في مكة المكرمة وانتهت الاجتماعات باتفاق لإنهاء الخلافات واعادة الوحدة وحلف الفصيلان فتح وحماس يمينا لا رجعة عنه قرب استار الكعبة المشرفة بان الانفصال انتهى،  وبعد ان عاد كل فريق الى الوطن المحتل كانت النتيجة فراقا لغاية يومنا هذا.

 وقد اصبح لدى أبناء الشعب الفلسطيني  قناعة بأن  من الصعب جدا ان ينهي الفصيلان هذا الانفصال، والسبب ان كل فصيل له نظرة تختلف عن نظرة الاخر في سياستة، فمنظمة التحرير الفلسطينية لها نظرة واقعية لانهاء الاحتلال، وهي النضال من اجل تطبيق القرارات الدولية خصوصا قرارات مجلس الامن ومنظمة الامم المتحدة،  كما تعتبر المنظمة عمقها الاستراتيجي هو العمق العربي . اما حماس والجهاد فلهما سياسة مختلفة ، اي رفع شعارات التحرير من النهر الى البحر و عدم الانصياع للقرارات الدولية ، كما ان عمقهما الاستراتيجي إيران، وهاتان نقطتا خلافا رئيسيتان وغيرهما الكثير، لذلك من المستحيل الاتفاق.

ومع احترامنا لرؤية حماس التحريرية وهي عدم الاعتراف باسرائيل، وهذا من حقهم اما السياسة التي تقول التحرير الآن من النهر الى البحر، فهذا وهم في الوقت الحاضر، نظرا لعدة عوامل رئيسية في مقدمتها معارضة المجتمع الدولي بأسره لمثل هذا التوجه عدا عن اختلال ميزان القوى.  هذا يعني ان حماس  بتمسكها بهذا الموقف لا تريد انهاء الانفصال.
لكن اذا استطعنا الاتفاق على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية اي الانسحاب من الاراضي المحتلةعام ٦٧ بما فيها القدس الشرقية عاصمتنا وعودة اللاجئين فهذا سيشكل انتصارا لنا لان صمود ووجود الفلسطيني على أرضه من أهم الانجازات،  وصحيح اننا تحت الاحتلال  ولكن مع الزمن لا بد ان ننتصر.

حسن جدا ما قررة الأخ الرئيس محمود عباس بإعادة الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي انطلاقا من مصالح الشعب الفلسطيني واستنادا إلى الاتفاقات الموقعة   وخصوصا دفع اسرائيل للمستحقات الضريبية للسلطة الفلسطينية لخدمة الشعب الفلسطيني، ولكن  هذا لا يعني اسدال الستار على محادثات إنهاء الانفصال. فنحن نذكر ان مثل هذه المحادثات كانت مستمرة ايضا في ظل تواصل العلاقات مع إسرائيل، اي ان إعادة العلاقات لا يمكن ان يشكل ذريعة لتوقف محادثات المصالحة.

 طبعا الشعب الفلسطيني وقيادته يدركان جيدا ان إسرائيل لا تلتزم بما توقع عليه، ولكن لا بد لنا من العودة الى الواقع لأننا ما زلنا تحت الاحتلال، ويجب ادراك هذا الواقع المؤلم، عدا عما حدث من تطورات في مقدمتها هزيمة سيء الذكر دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية وفوز جو بايدن، الذي في الوقت الذي لا يمكن الرهان عليه الا ان فرصا جديدة ستفتح أمام الجانب الفلسطيني، الذي اذا ما اتخذ بايدن بعض الخطوات الإيجابية فإن من الضروري مطالبته بإرساء هذه الخطوات عبر قوانين يسنها الكونغرس حتى لا يتم التراجع عنها مستقبلا. 

ومن الواضح ان الفصائل التي تعارض اتفاقية اوسلو وتعارض قرار إعادة العلاقات  ليس لديها اي خطة واقعية لتحرير شبر واحد من الوطن، وكأن اتفاقية اوسلو هي العقبة الحقيقية أمام تحرير الوطن، والسؤال الذي يطرح هنا: ما الذي حققته سياسة حماس والجهاد التي ترفض اوسلو وترفض الارادة الدولية؟ 

لكن هذا لا يعني ابدا ان يستسلم الشعب الفلسطيني لإرادة المحتل، او القبول بالانتقاص من الحقوق الفلسطينية، ولكن تمسكنا بالقرارات الدولية وهي انسحاب المحتل من جميع الاراضي الفلسطينة المحتلة في العام ١٩٦٧م والتمسك بحق العودة لجميع اللاجئين الى ديارهم الاصلية يزيد الضغوط على هذا الاحتلال ويقربنا من انهائه،  اما من يعتقد ان الصواريخ او المقذوفات محدودة القدرات يمكن ان تحرر الوطن فالشواهد ماثلة امامنا منذ ٢٠٠٦ وحتى اليوم حيث كان رد الاحتلال دوما على ذلك ايقاع اكبر قدر من الدمار في قطاع غزة وتشديد حصاره عبر تدمير البنى التحتية وتدمير عشرات الاف المنازل عدا عن الاف الضحايا وغالبيتهم من المدنيين، والى الدرجة التي دفعت حماس الى التفاوض مع اسرائيل بشكل غير مباشر لادخال المساعدات الى قطاع غزة والى عقد هدنة مقابل بعض التسهيلات الإسرائيلية. 

الشعب الفلسطيني كان أمله كبيرا في الاتفاقات التي تمت كمخرجات لمؤتمر الأمناء العامين - رام الله/بيروت- والحديث عن  تفعيل مقاومة شعبية حقيقية حتى انتزاع الحرية، ولكن مع الأسف فشلت جميع هذه الاجتماعات ولم يتحقق من بيانها شيء والنتيجة هي صفر كبير، لذلك ليس لنا الا العودة للواقع والتمسك بالقرارات الدولية.

ولتذكير الذين يغردون ضد اتفاق اوسلو نقول ان هذا الاتفاق  نال فقط ٦١ صوتا في الكنيست  من اصل ١٢٠، كما  تعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين للاغتيال من قبل اليمين الاسرائيلي الذي استشعر  مخاطر الاتفاق على نهجه التوسعي الاستيطاني وعلى حلم إسرائيل الكبرى، كما اصبح حزب العمل  على هامش السياسة الاسرائيلية واصبح اليمين هو المسيطر على سياسة اسرائيل.

وفي احدى تصريحات القائد الرمز ابو عمار رحمة الله، قال امام الشقيقة المناضلة سلوى ابو خضرا، بان تنفيذ اتفاقية اوسلو ليس بالعمل السهل، لربما لتنفيذ اتفاقية اوسلو لا بد ان تكون هماك مقاومة شرسة، ليست سياسية فقط فقط..." 

ان الاخ المناضل الرئيس ابو مازن كان واقعيا الى أبعد الحدود، لكن مع الاسف فإن قرار التحلل من الاتفاقيات الموقعة وقطع كل علاقة بالاحتلال  يبقى موضع جدل حول مدى خدمته للقضية، فهناك من مارس الضغوط ممن تغلب عليهم العاطفة اويصدقون بان حماس والفصائل التي تدور في فلكها قد تعود الى الواقع ان كان دوليا او عربيا  وتنهي هذ الانفصال اذا اتخذ مثل ذلك القرار بدون وضع شروط تعجيزية تبعدنا عن القرار التاريخي في العام ١٩٨٨م الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني بالإجماع في الجزاير بشأن الاستقلال، وهناك من يرى على ضوء فشل جهود المصالحة حتى الآن ان ذلك القرار كان خاطئا وان اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين مرتبط بالاتفاقيات الموقعة والأسس والمرجعيات التي قامت عليها بما فيها القرار ٢٤٢ الصادر عن مجلس الأمن وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني واقامة دولته المستقلة.

 ومن الواضح ان القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس ورغم كل ما يقال عن قرار عودة الاتصالات بإسرائيل  لم ولن تحيد ابدا عن الثوابت الفلسطينية التي ارستها قرارات المجلس الوطني الفلسطيني ولا عن الحقوق الثابتة والمشروعة لشعبنا والتي يعترف بها المجتمع الدولي.

ونقول هنا مجددا كفى ثم كفى تصرفات ومواقف من بعض الفصائل التي تبعدنا عن حشد كل الجهود للتقدم نحو الاستقلال من اجل اجندات خارجية لا تضع بالاعتبار المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

 شعبنا الفلسطيني يطلب ويكرر الطلب بانهاء هذا الانفصال والعودة الى الحقيقة والواقع وفرض الصوت الفلسطيني الواحد في كل المحافل الدولية وعلى اساس الشرعية الدولية واستنادا لدعم المجتمع الدولي لشعبنا وقضيته بموجب قراراته لمصلحة القضية ولمصلحة كل فلسطيني.