الحوار الفلسطيني بين المطرقة والسندان
تاريخ النشر : 2020-10-22 17:46

انشغل الفلسطينيون على مدار حوالي خمسة عقود وعبر محطات عديدة على طريق النضال الفلسطيني بما شطحت به بعيدا الجماعات والحركات الإسلامية الفلسطينية في انكارها تمثيل منظمة التحرير الشرعي والأوحد للشعب الفلسطيني والذي ألقى بضلاله على نتاجات العمل السياسي الجمعي لحركة النضال الفلسطينية ، وهذه المسألة فارقة في حياة أي شعب يرزح تحتل الاحتلال وقد اختبأ هذا النكران خلف العديد من صور الخلاف الداخلي الفلسطيني ، وبادرت المنظمة لفتح باب الحوار للخروج من هذه الأزمة ، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي وحتّى يومنا هذا متعثراً تارة وزائفاً تارة أخرى ترى ؛ أهو حوار يُشكّل خيارا استراتيجيًّا للعبور بفلسطين وشعبها إلى فج الحرية والاستقلال أم حوارٌ مرحليّ(تكتيكيّ) يخدم أهداف أحدهما أو كليهما في مرحلةٍ ما ؛ دون النظر أو الاعتبار لحالة الحنق الشعبيّ وفقدان الثقة المتنامي باستمرار في جميع الفصائل والقيادات الفلسطينية ، وكذا حالة التّردي العربي التي وصلنا إليها و إذا أردنا أن نصل إلى نتائج حقيقية رافعة للموقف الفلسطيني وصمود أبنائه ، المتروكين إلى سيف الصيف الساطي . ،،،،،،،،،،،،،،

إنّه من اللازم اللازب ،وقبل الولوج في التأصيل الموضوعي والممنهج كي يصل الحوار إلى نتائج مرضية للشعب وليس للطرفين ، فعلى حركة فتح أن تتخلى عن مفهوم {الاستعلاء }الذي تشعر به كونها الأم التي أشعلت نبراس الثورة ولا غضاضة في ذلك ولكن يجب ألّا تنسى أن لها أبناءً وأخوة كبروا يتوجب عليها احتضانهم والفخر بهم وعلى حركة حماس أن تتخلى عن مفهوم {الاستيلاء} لشعورها بأنها ورثت الأمهات والآباء وألّا تنسى حقهم بعدم النكران والعقوق وانَّهم لا زالوا أحياءً قادرين على أداء مسؤولياتهم ، وكذلك الفصائل الأخرى الذين نُكنّ لهم كل الاحترام لِما قدّموه من تضحيات على طريق حركة النضال الفلسطيني ، عليهم أن يتخلّوا عن {النفعية} الحاكمة لسياساتهم ومواقفهم ، فالتاريخ لا يبدأ وينتهي عند أحدٍ بعينه وانسجاماً مع ما سبق ، فمن الضروري أن نتفق على المدخلات حتى تكون المخرجات منسجمةً معها ، وإذا ما ولجنا إلى تشخيص المعطيات المتناقضة بين الطرفين فقد سبقني الكثيرون في الولوج إليها و لكنّي سأتناولها من خلال رؤية مختلفة بالتوقف عند بعضها :-
■المحطة الأولى : غياب المرجعية الأيديولوجية المشتركة .

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، باتَ الباب مفتوحًا لظهور تيارات فكرية مختلفة ، منها القومية والعلمانية والشيوعية و إلخ ... ، وجميعها حمّلت الإسلام في صورة الدولة العثمانية أسباب التخلف وسقوط فلسطين ، وفي مقابل تلك التيارات ظهرت الجماعات والحركات الإسلامية فتصارعا وتجدّرَ الصراع بين التيارين ، وانعكس بدوره على العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الإسلامية الفلسطينية دون وجود سببٍ جوهريٍ أو مبررٍ عقليًّ مقبولٍ لهذا الصراع ، فالإسلام الفطريّ الطّاهر يحكم أيديولوجيات الجميع ، فهل حركتي فتح وحماس ليسوا بمسلمين موحِدّين ؟!! هل ينكر الإسلام الالتفاف حول مفهوم الوطنية والعمل على تحرير الأوطان؟ وهل يتعارض النداء بتحرير الأوطان مع مفاهيم الإسلام ؟ أليست البرامج السياسية لكليهما مبنية على الإيمان بعدالة قضيتنا ووجوب تحرير فلسطين؛ والاختلاف الأيديولوجي ينحصر في نطاق ضيق لا يرتقي لأن يكون سداً مانعاً للوصول إلى برنامجٍ سياسيٍ رؤيويٍ طامحٍ للوصول للاستقلال وتقرير المصير ؟؛ إنَّ الأفكار والمفاهيم ليست مقدسةً لنتمترس خلفها فالأيديولوجية تستدعي الاستجابة للمتغيرات الراهنة أو المتوقعة محلياً وعالمياً ، فحريٌ بنا أن نتحلل من قيودنا قبل فوات الآوان ٠
إنَّ كلَّ حصيفٍ يقف متجرداً أمام مرآة نفسه مستنيرًا بالفهم الفطريّ السليم للإسلام الغير مأسورٍ لأفهام بعض البشر ولِحَقِنا التاريخي في فلسطين لما وجَدَ أيَّ اختلافٍ أيديولوجيٍّ ،إنّما هو اختلافٌ من صناعةٍ بشريّةٍ عدوانيّةٍ تُصِّرُ على أسر عقولنا ٠
■المحطة الثانية : غياب المرجعية المؤسسية وهذا يعني أنه لا يوجد مؤسسة ناظمة وحاكمة للعمل الفلسطيني وأتساءل لماذا يوجد من يحاول دائمًا هدم الكعبة على رؤوس أهلها ، فمنظمة التحرير التي انتشلت قضية فلسطين من بين الركام ووجهت مسارها نحو التحرير بدلًا من الوقوف على الأطلال نرثي أنفسنا والأيام التي رحلت ، فالزعم المستمر بأنّ المنظمة قد شاخت أنظمتها وقياداتها مما يوجب تصحيح مسارها ، والحقيقة أنّ هذا الزعم ظهر بعد تبنّي المنظمة استراتيجية المفاوضات ، و هذا يحتمل الاتفاق والاختلاف لكنّه لا يرتقي أبداً إلى هدم الكعبة وإنكار تمثيلها للشعب الفلسطيني ، والزعم الآخر بتراجع دور المنظمة لصالح السلطة الفلسطينية ، فهذا أمرٌ لا يمكن إنكاره و لكنّه جاء بغية أن تكون السلطة نواة للدولة الفلسطينية ، و أيضًا هذا الأمر يحتمل الاختلاف والاتفاق ، وعلى كل الأحوال ليس من الخطأ أن يكون هناك تغذية راجعة باستمرار لكل الأدوات والنظم المعمول بها بشرط عدم المساس بقوام وقواعد البيت ، فهل الاختلاف على المؤسسة له مبرر موضوعي أو أيديولوجي ؟؟ !! ومن المفارقات في المشهد الفلسطيني أنَّ الإخوان يقبلون أن يرأس الدولة أي مسلم بغض النظر عن جنسيته، فمن باب أولى ؟ وهناك سؤال عريض يطرح نفسه لماذا لم تنضوي الحركات الإسلامية الفلسطينية تحت مظلة المنظمة منذ إنشائها وحتى إعلان وثيقة الاستقلال 1988، حيث كانت المنظمة حين ذاك تتبنّى المواجهة العسكرية طريقًا للخلاص من الاحتلال ، وكانت تتمتع بإجماع الشعب الفلسطيني والعربي إلا من الجماعات والحركات الإسلامية ، تُرى ، ما هو كنه المؤسسة التي يجب أن تكون ناظمة وحاكمة للعمل الفلسطيني وترضى به الجماعات والحركات الإسلامية .
■المحطة الثالثة: تهالك الثقة بين الطرفين .
انعدمت الثقة بين الطرفين وهي نتيجة حتمية لما قدمناه في المحطتين السابقتين ، وأيضا للانتكاسات التي صاحبت الاتفاقيات بينهما ، وهذه الأزمة ليس قدرنا ان نبقى نحيا في ظلالها أمداً بعيدا ، و هذا يفرض على الطرفين أن يعيدا حسابتهما بعيداً عن المصالح الحزبية الجهوية السلطوية نزولاً عند المصلحة العامة ، ولا يحتاج أحدهما أن نذكره أننا شعب لا زال يعاني ويلات الاحتلال ، وان دولة الاحتلال الكبرى بدأت تتجسد ونحن مستمرين في التشكيك والتخوين ٠
■المحطة الرابعة: العوامل الخارجية

وتتمثل في الضغط على فتح كونها المكون الرئيس للسلطة بعدم دخولها مع حماس في تحالف دون استجابة الأخيرة لشروط الرباعية الدولية ، وفي المقابل الضغط على حماس من مرجعيتها جماعة الإخوان المسلمين وما يُعرف بمحور الممانعة بعدم دخولها في تحالف مع فتح دون استجابتها لشروطهم المعروفة سابقا نعلم جميعاً أنه لا يمكن لأحد منا أن يشكل قرارات ومواقف الدول حسب رغباتنا ولا يتسنى لنا ذلك تحت أي ظرف من الظروف ، وعلينا أن نتعامل معها كما هي ونبحث فيها عن مواطن الالتقاء بما يفيد قضيتنا وننأى بأنفسنا عن التمترس حول مواقف لا ناقة لنا فيها ولا جمل ٠
إنّ الإصرار على ممارسة لعبة الكراسي الموسيقية وإيجاد المبررات لكل مرحلة لنكران تمثيل المنظمة ، والتراجع عن الاتفاقيات ، واستمرار الانقسام باتَ أمرًا غير مقبولٍ شعبياً وذلك لما تتعرض له القضية الفلسطينية من محاولاتٍ تصفوية ؛ ليس مطلوب منا محاكمة الأفكار والأيديولوجيات ، بل ما يمكن فعله من أجل تحرير البلاد والعباد ؛ فالمطرقة كلَّت والسندان ما عاد يحتمل٠

لقد شاخت دماؤنا فهل من مستجيب