الشيطان يكمُن في تفاصيل المصالحة الوطنية
تاريخ النشر : 2020-10-22 07:35

كان لقرار الضم الذي أعلن عنه نتانياهو وأجله إعلاميا وأخرجه لحيز التنفيذ عملياً (صادقت حكومة نتانياهو على بناء 4948 وحدة استيطانية على دفعتين قبل اسبوع) وميدانيا أثراً بالغاً في تحريك الحالة الفلسطينية الرافضة لقرار الضم،مما جعل السلطة الفلسطينية تتخذ قراراً بالتحلل من كافة الإتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي والإتجاه نحو تحريك ملف المصالحة الوطنية مع حركة حماس، ما دعا لعقد مؤتمر صحفي مشترك بين جبريل الرجوب و صالح العاروري يوم 2/7/2020 تناول فيه الرجلين كافة القضايا الخلافية الوطنية وسبل مواجهة قرار الضم وصفقة القرن، ويمكن تلخيص المؤتمر بما جاء على لسان السيد جبريل الرجوب حيث قال:( ثقوا بنا وهالمرة صدقونا) ولهذه العبارة لها ما قبلها وما بعدها من المصداقية وعكسها والشواهد كثيرة ولا يتسع المجال لسردها.
تسارعت ردات الفعل الفلسطينية بعد إعلان التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في الثالث عشر من آب اغسطس الماضي،حيث عُلقّت أسباب نكبة ونكسة فلسطين على شماعة التطبيع الإماراتي ( المرفوض)، وانهالت تصريحات التخوين والردح للإمارات، وكأنها كانت سبباً في أن أصبح المستوطنون يُشكلون ثلث سكان الضفة الغربية، الأمر الذي دعا لعقد مؤتمر الأمناء العامين رام الله /بيروت يوم 3/9/2020 والذي عاد تكرار ما جاء في مؤتمر الرجوب/العاروري وتكرار المكرر منذ سنوات فيما يخص جدلية المصالحة مع إستحداث مصطلح التطبيع المُنحرف لتجنب خدش حياء التطبيع القطري التركي مع إسرائيل، وتم تشكيل لجان منبثقة عن المؤتمر للبحث في كل ما ورد فيه، وعلى ما يبدو أن تلك اللجان وُلدت ميتة، ما دفع الى الإسراع في عقد ثنائية إسطنبول 24/9/2020 بين حركتي فتح وحماس لبحث موضوع الإنتخابات والنظام السياسي الفلسطيني ...الخ .
كانت صحيفة النهار قد ذكرت عقب لقاء إسطنبول أن الطرفين إتفقا مبدئياً على إنجاز ملف المصالحة ولكن لم يتوصلا الى إتفاق حول الية إجراء الإنتخابات على عكس ما صرح به اللواء جبريل الرجوب الذي أعلن أن الإنتخابات بالتتابع و بالتمثيل النسبي الكامل، ولكن تباين التصريحات من طرفي فتح وحماس تشير الى عدم الإتفاق على الية إجراء الإنتخابات ولا عن سيناريوهات إتمام المصالحة، ولم يحدد موعد عرض تفاهمات اسطنبول على مائدة الأمناء العامون.
يتضح من تباين التصريحات التي تلت الإجتماعات المنفردة لقيادة كل من فتح وحماس أن الفجوة لا تزل عميقة، وثمة عقبات يقف فيها الشيطان تحول دون إتمام ملف المصالحة، أهم تلك العقبات هى تهيئة الأجواء، وهنا المقصود تراجع السلطة الفلسطينية عن كافة القرارات التي إتخذتها منذ 14/6/2007 بما في ذلك رفع كافة الإجراءات العقابية عن قطاع غزة، وخاصة الرواتب المقطوعة وحقوق الموظفين بما في ذلك رواتب ومخصصات نواب المجلس التشريعي، واستيعاب وأخذ موظفي حكومة حماس على قيود حكومة رام الله إستناداً الى ما تم الإتفاق عليه في تفاهمات 2017 بين فتح وحماس إضافة الى عدم كبت الحريات والمعارضة وإفساح المجال أمام حركة حماس للتحرك في الضفة الغربية دون قيود، وتبقى العقبة الأكبر وهي مدى إستعداد حركة حماس لحل جناحها العسكري والموافقة على حل الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة وإعتماد المقاومة الشعبية السلمية كخيار إستراتيجي لمواجهة الإحتلال، وهذا مالم تقبل به حركة حماس قولاً واحداً .
ثمة مواضع يتموضوع فيها الشيطان تضع المرئ في حيرة من مصداقية المصالحة، فحركة فتح التي تُنادي بالمصالحة مع حركة حماس هي أعجز ما تكون في تحقيق المصالحة مع نفسها سواء على صعيد حل الخلافات الفتحاوية الداخلية او رفع سيف العقوبات عن أبنائها،وبالتالي لا يُعقل أن تثق بها حماس وهي تُقبل على مصالحة وطنية عامة في ظل خلافاتها الداخلية على قاعدة خيركم خيركم لنفسه.
كل ما جرى من حراك تصالحي فلسطيني من بداية تموز الماضي كان لا يعدو كونه ردة فعل غير ناضجة و غير مبنية على رؤية وطنية صادقة، وهذا ما يفسره حالة الارباك في التعامل مع الدول العربية والاقليم وهدوء حالة الغضب على التطبيع وعدم الرد على تصريحات الامير بندر المسيئة للقيادة الفلسطينية، وعدم إنعقاد مؤتمر سقيفة بني ساعدة(مؤتمر الامناء العامون) ،واستمرار الإستيطان دون أي حراك للقيادة الموحدة للمقاومة الشعبية. وأما ما يخص فض إعتصام تضامني مع الأسير ماهرالأخرس في رام الله أو تصريحات عزام الأحمد فلا أود التعليق عليها واكتفي بما قاله اللواء جبريل الرجوب خلال مؤتمره مع الشيخ العاروري (ثقوا بنا وهالمرة صدقونا)،وهنا وجب التنويه أن الثقة والمصداقية بحاجة الى خطوات عملية على الأرض لا خطابات ومؤتمرات صحفية.