تقرير: الخزينة العامة تخسر أكثر من نصف مليار دولار سنوياً نتيجة قرصنة حكومة الاحتلال
تاريخ النشر : 2020-10-12 23:06

رام الله: استكمل الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة عقد جلسته الثانية من مؤتمر الموازنة للعام 2020 عبر تقنية الزووم، وبمشاركة العشرات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تناول فيها تقريره حول "أشكال التسرب المالي والخسائر التي تتكبدها السلطة بفعل الاحتلال"، كالمستوردات والمدخرات والضرائب، والتهريب والتهرب الضريبي، والتي تخسر بموجبها الخزينة العامة الفلسطينية أكثر من نصف مليار دولار سنويا. وقد فحص التقرير ما يتسببه التسرب المالي من ضياع لموارد مالية على مواطني الدولة، كان يمكن استغلالها في تحقيق مستوى أفضل من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.

وبرزت أهمية التقرير في تسليطه الضوء على الأبعاد المختلفة لظاهرة التسرب المالي، بالتركيز على مصادر التسرب، وحجم الخسائر المالية والفرص الضائعة على الفلسطينيين نتيجة استمرار هذه الظاهرة، مع اقتراح التدخلات المطلوبة، سواء كانت ممكنة أو متعذرة، لإحداث تطور على صعيد تشخيص الظاهرة وعوامل استمرارها أو وقفها والحد منها على الأقل.

تلاعب الاحتلال بالايصالات والفواتير

أظهرت الدراسة ـأن الاحتلال ينتهك مبدأ ما يسمى بـ"الوجهة النهائية" للسلعة"، فيتعامل مع الواردات القادمة كأنها قادمة بوجهتها النهائية" الى "إسرائيل"، لتجبي خزانتها جميع الضرائب المستحقة عليها، وعندما يتم إعادة تصديرها للأراضي الفلسطينية لاحقاً، يتعامل الاحتلال معها باعتبارها سلعاً إسرائيلية الصنع، وتحوّل للخزينة الفلسطينية، لقاء ما تبرزه السلطة من إيصالات، كإيصالات ضريبة القيمة المضافة فقط، لتخسر بذلك الخزينة الفلسطينية جباية أنواع الضرائب الأخرى.

تغاضي الاحتلال عن كشف الاستيراد غير المباشر يعظم من التسرب المالي

إن التواطؤ الذي تقوم به حكومة الاحتلال عمداً مع الموردين الإسرائيليين يحرم الخزينة الفلسطينية إحدى مصادر إيراداتها، ويُكبّد الفلسطينيين سنوياً خسائر كبيرة، علما أن حجم الواردات الفلسطينية المرصودة قد تضاعف عبر السنوات الماضية ليُقارب الـ6 مليار دولار مع نهاية العام 2019، إذ تشكل الواردات من إسرائيل (المباشرة وغير المباشرة) النسبة الأكبر منه (حوالي 3.2 مليار). ولا يتوافر تقدير دقيق لحجم السلع المعاد تصديرها من "إسرائيل". تخسر خزينة السلطة من إجمالي الواردات من إسرائيل حوالي 30 مليون دولار سنوياً كضرائب مشتريات وجمارك ورسوم ومكوس. وبذلك يسهم الاحتلال في تعزيز التسرب المالي، ليس فقط من خلال التغاضي عن كشف الاستيراد غير المباشر وحسب، بل من خلال العراقيل والصعوبات والتبعات المالية المرتفعة التي يتحمّلها المستورد الفلسطيني عندما يقوم بالاستيراد المباشر، ما يدعوه حقيقة للتخلّي عن الاستيراد المباشر، الذي يحفظ الحقوق المالية العامة، والاستعانة بالاستيراد عن طريق مورد إسرائيلي لتجنب الخسائر والعراقيل.

العمولة الإدارية المقدرة ب 3% تسرق من الخزينة العامة أكثر من 40 مليون دولار سنويا

يقتطع الاحتلال عمولة إدارية بنسبة 3% من مجموع الضرائب المجباة بصفته المسؤول عن جباية الضرائب على الواردات الفلسطينية، ومن ثم تحويلها الى السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاقية باريس. فمع نهاية العام 2019، باتت إسرائيل تقتطع نحو 52 مليون دولار كمصاريف إدارية مفترضة ومفروضة على أكثر من 1.7 مليار دولار من عائدات المقاصة (باستثناء المحروقات). وفي واقع آخر، تشير وزارة المالية الفلسطينية أن النسبة العادلة التي توازي جهد تحصيل وتحويل أموال المقاصة لخزينة السلطة الفلسطينية توافق نسبة 0.6% فقط من إجمالي عائدات المقاصة، وإذا ما تم تطبيق النسبة المقترحة، سيوفر ما مقداره 40 مليون دولار سنويا على الخزينة الفلسطينية.

قصور آلية التقاص المنتهجة مع الاحتلال تسرق الفلسطينيين أموالهم

تفتقر آلية التقاص المشروطة مع الاحتلال، والتي تقتضي بتقديم فواتير تعاني من التفصيل الدقيق من حيث الكمية والنوعية. وإن انتهاج الاحتلال لفاتورة المقاصة في تحويل إيرادات ضريبة القيمة المضافة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ينبثق عنها أشكال عديدة من التسرب المالي، وذلك نتيجة عمليات التهريب الجمركي والتهرب الضريبي، سواء إن كان من خلال التزوير والتلاعب في فواتير المقاصة، والذي يشمل طباعة فواتير زائفة يتبادلها التجار ولا يمكن تقديمها في جلسات المقاصة، أو التلاعب بقيمة السلع لتقليل المستحقات الضريبية. ناهيك عن لجوء بعض التجار الفلسطينيين لبيع فواتير المقاصة الزائفة لنظرائهم الإسرائيليين مقابل نسبة مئوية محددة، يحصل من خلالها الفلسطيني على مبلغ من المال، في حين يستفيد الإسرائيلي من خصم البضائع الواردة في الفاتورة المزيفة من مستحقات ضريبة القيمة المضافة. ففي حين تكتنز الخزينة الإسرائيلية بأموالنا؛ تخسر خزينتنا الفلسطينية قيمة الضريبة المضافة لقاء هذه الفواتير.

كما أن عدم تقديم فواتير المقاصة إلى مكاتب الضرائب الفلسطينية من قبل المورد الفلسطيني، نتيجة إخفائه لها تسلب الخزينة الفلسطينية الكثير من الأموال، حيث يتم دفع ضريبة القيمة المضافة على فواتير المشتريات من إسرائيل إلى التاجر الإسرائيلي، الذي يقوم بدوره بدفعها للخزينة الإسرائيلية، لكن لا يتم تحويل الإيرادات إلى الخزينة الفلسطينية أبدا.

ويشمل التهرب أيضا التهرب من جميع أنواع الضرائب بما فيها ضريبة القيمة المضافة، وأحياناً الرسوم الجمركية. وينتج عن حركة البضائع من إسرائيل أو المستوطنات إلى السوق الفلسطينية دون فواتير أو وثائق، في ظل سهولة اختراق الحدود بين الضفة الغربية وإسرائيل.

152 مليون دولار تقدير الخسائر من التهرب الضريبي حتى نهاية 2020

تبلغ تقديرات التهريب للواردات من إسرائيل نحو 950 مليون دولار، وذلك نتيجة قصور بيانات التجارة الخارجية عن تغطية تجارة التهريب الجمركي. فباحتساب بسيط بناءً على معدل ضريبة القيمة المضافة الحالي، يمكن تقدير الخسائر من التهرب الضريبي بلغت نحو 160 مليون في العام 2019، ونحو 152 مليون حتى نهاية العام الحالي (16% من قيمة المنتجات المهربة).

النظام الضريبي الفلسطيني بيئة خصبة لاستمرار التسرب

وقد خلص التقرير أن النظام الضريبي الفلسطيني بشكله الحالي، وبمكوناته المختلفة (القيمة المضافة، والجمارك، والمشتريات، والدخل، والمكوس، والأملاك وغيرها) هو بيئة خصبة لاستمرار التسرب المالي. ومن الجدير ذكره أن الجزء الأكبر من التسرب، والذي لا تملك السلطة الفلسطينية حتى الآن الإمكانيات للسيطرة عليه وردعه هو التسرب الناتج عن العلاقة مع إسرائيل، سواء العلاقة التجارية، أو العلاقة بسوق العمل الإسرائيلي. ومن المهم الإشارة إلى أن الواردات الإسرائيلية تشكل نحو 55% من إجمالي الواردات إلى فلسطين، 50% منها تتكون من 5 سلع إستراتيجية: وهي الوقود والكهرباء والمياه والاسمنت والأعلاف.

تقليل فاتورة الاستيراد من إسرائيل تحد من ظاهرة التسرب المالي

يوصي الفريق الأهلي بتعزيز التوجهات الرامية للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، والتحول إلى الاستيراد المباشر وتعزيز القدرة الذاتية للاقتصاد الفلسطيني لإيجاد بدائل محلية عن الواردات من إسرائيل، من خلال عدة مقترحات، أهمها: إقرار رزمة القوانين المحلية المحفزة للاستيراد المباشر والإنتاج المحلي والتصدير، وضع قيود فنية ذكية على الواردات من إسرائيل، وقيود قانونية وفنية للاستيراد من خلال التجار الإسرائيليين، كذلك تعظيم الاستفادة من قوائم السلع A1,A2,B الواردة في اتفاق باريس، وإجراء مراجعة شاملة لتعديل الكوتا المفروضة منذ توقيع الاتفاق على بعض السلع بما يتلاءم مع تزايد الاحتياجات الفلسطينية. وقد تكون إحدى العلاجات الاستفادة من الصلاحيات التي منحها بروتوكول باريس، لاستيراد المشتقات النفطية من دول مجاورة غير إسرائيل، وزيادة مشاريع ربط الكهرباء للمناطق الفلسطينية من الأردن ومصر. ومن شأن هذه الخطوات تقليل فاتورة الاستيراد من إسرائيل والحد بالتالي من ظاهرة التسرب المالي.

كما أوصى الفريق الأهلي بضرورة البدء بحشد الموارد المالية، سواء كانت محلية أم أجنبية، أو استثمار عام وخاص ومنح خارجية، للاستثمار في المشاريع التنموية التي تسهم في الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة حصة المنتج الوطني، ومن المشاريع المقترحة: مصنع للاسمنت، مصنع لمنتجات الحديد الصلب، مصفاة بترول، مشاريع طاقة متجددة وتوليد كهرباء، مصنع لمحضرات الأعلاف، مشاريع مياه وآبار.

فضح خروقات إسرائيل دوليا وسرقتها أموال الشعب الفلسطيني

وقد أوصى التقرير بتكثيف الجهود الفلسطينية للاحتكام للمحافل الدولية لممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على إسرائيل لفضح خروقاتها المتكررة للاتفاقات السياسية والاقتصادية مع الفلسطينيين، وتوضيح حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن استمرار التسرب المالي الذي تسببه الخروقات الإسرائيلية، معززة بالتقارير المحلية، والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية كالبنك الدولي والاونكتاد، وأن يتبع هذه الجهود، خيارات أخرى قانونية باتجاه رفع قضايا ومطالبات تعويض ضد إسرائيل في المحافل والمنظمات الاقتصادية (كمنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الجمارك العالمية، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وغيرها من المنظمات)، على أن تستند الدعاوى القانونية على مبدأ انتهاك إسرائيل للعديد من مبادئ هذه المنظمات، وتحديداً مبدأ التجارة العادلة والمعاملة بالمثل وعدم إلحاق الضرر بالشركاء التجاريين.