الاستقالة الجديدة لعريقات
تاريخ النشر : 2013-11-05 06:57

في الأنباء، أن صائب عريقات ومحمد اشتية، المفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل، استقالا. وفي الأنباء أيضا نفي عريقات ذلك. وفي الشارع أسئلة: ألم يكن عريقات قد استقال مسبقا؟ من ماذا استقال المرة الماضية، ومن ماذا استقال هذه المرة؟ وما الفرق بين الاستقالتين؟ ولماذا استقال إن كان فعلها سابقا؟ وما أهمية هذا؟.. أليس تغيير المفاوضين أمرا روتينيا؟ والأهم من هذا كلّه أنّ فصلا جديداً من الغموض قد أُضيف للعملية السياسيّة، أو بالأحرى للبيئة السياسية الفلسطينية؛ للمواطن الفلسطيني الذي يشعر بالاغتراب من حيث عدم معرفة ما يجري بخصوص حياته ومستقبله، ويفتقد مرجعية تمكّنه من معرفة ما يحصل والمساهمة في القرار. قبل نقاش أسباب الاستقالة وما إذا كانت قد وقعت، فإنّ أول ما أرادَت دوائر عريقات التأكيد عليه هو أنّ من أعلن النبأ كانت القناة العاشرة الإسرائيلية، وأنّ هذا "أكاذيب إسرائيلية". وإذا كان الحديث عن القناة العاشرة هو نوع من تحميل الإسرائيليين مسؤولية هذه "البلبلة"، فإنّ مصادر قريبة من فريق المفاوضات قالت إنّ كشف القناة للاستقالة يدل على جديتها، وأنّه لم يكن مقصودا فيها الإعلام.

 والواقع أنّ نفي الاستقالة من قبل عريقات، على هذا النحو، يُمكِن أن يُفقدها معناها السياسي عمليا، ويؤدي رسالة عكسية لما اعتقد الشارع أنّ الاستقالة ربما تؤديها. فالاستقالة تعني أن المفاوضين ضاقوا ذرعا، والنفي على هذا النحو يعطي مؤشرا أنّ لا شيء يهز المفاوضات، وأن لا استيطان ولا غيره يوقفها. وقبل الانتقال للأسباب المحتملة للاستقالة –المزعومة– يجدر التوقف عند أنّ صحف إسرائيلية تنسب أخبار الاستقالة لوكالة "معا" الفلسطينية، ما يثير التساؤل حول جدل المصدر هذا وسببه؟ ذهبت التحليلات وما قد يكون تسريبات، إلى أنّ في الاستقالة ثلاث رسائل. الأولى، ضد الإسرائيليين وضيق المفاوضين ذرعا بالاستهتار بهم، وبتواصل عمليات الاستيطان وهدم البيوت. والثانية، باتجاه القيادات الفلسطينية الأخرى التي تقوم بانتقاد المفاوضات والمفاوضين، وكنوع من إبداء الغضب إزاء ذلك. وثالثا، استباق زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وتوجيه رسالة بشأن نفاد الصبر الفلسطيني؛ وأنّه ربما تعهد الفلسطينيون بعدم الانسحاب تسعة أشهر، ولكنْ حتى المفاوضون ضاقوا ذرعا بسياسات إسرائيل.

وبحسب قصة قالها لي قريبون من محيط عمل الفريق التفاوضي، فإنّ جزءا من الغضب موجه ضد مارتن إنديك، الوسيط الأميركي الصهيوني لعملية السلام، ومفادها أنّه عند احتجاج الفلسطينيين على هذا الاستفزاز الإسرائيلي عبر إعلان تكثيف الاستيطان وهدم البيوت على نحو غير مسبوق، مع حرص على أكبر تغطية إعلامية لذلك، بدل خفض وتيرة الاستيطان وإحاطته بالصمت، كان موقف إنديك، الذي يمتنع عن حضور الجلسات التفاوضية بناءً على رغبة إسرائيلية، أنّ التعهدات الأميركية بهذا الشأن، والتي قُدّمت قبل قدومه إلى المشهد، لا تُلزمه.

ويذكر موقفه هذا بموقف الصهيوني الآخر، والوسيط المزمن الآخر مع إنديك في عمليات السلام، دينيس روس، عندما دخل البيت الأبيض في عهد إدارة باراك أوباما الأولى، قبل نحو أربع سنوات، وكان من أول ما قام به انتقاد من أشار على الرئيس الأميركي بأن يركز على وقف الاستيطان، باعتبار هذا غير واقعي.تصادف إعلان استقالة عريقات من "منصبه" في نيسان (إبريل) 2011، مع إعلان السلطة الوطنية حينها عن توجهها لانتخابات تشريعية ورئاسية. والآن بعد نحو عامين ونصف العام، أعلنت السلطة مرات أخرى عن انتخابات مزمعة، يتلاشى الحديث عنها من دون أي شيء عملي.

 والآن بات التساؤل: ما هو "المنصب" الذي استقال منه عريقات في المرة الأولى؟ وماذا حدث لتلك الاستقالة؟ ولماذا واصل عمله التفاوضي من دون انقطاع؟ هل منصب مسؤول وحدة دعم المفاوضات، مثلا، لا علاقة له بدوره كمفاوض؟! وهل استقال من أيّهما؟ وهل يكفي أن لا يقبل الرئيس الفلسطيني الاستقالات حتى لا يكون لها وجود؟المفاوضات والقرارات والمناصب المتصلة بها تبدو فلسطينيا في حالة هلامية؛ غير واضحة المعالم، شأنها شأن أمور كثيرة فلسطينيا. ولعل هذا أخطر ما في الأمر، من حيث شعور النخب والشارع الفلسطيني على السواء بنوع من الحيرة والعجز والتخبط.

[email protected]

عن الغد الاردنية