صَمتُ حزب الله المُريب...
تاريخ النشر : 2020-10-06 21:12

وسط الجمود السياسي القاتل المحيط بالعملية السياسية في لبنان، مع سقوط الشق السياسي من مبادرة الرئيس الفرنسي، اخرجَ رئيس مجلس النواب ارنبًا ثمينًا من جعبته، محدثة صدمة "تاريخية"، في الشكل والمضمون، مع اعلانه انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود جنوبًا، ما شكّل منعطفًا كبيرًا في مسار الصراع اللبناني - الاسرائيلي، ونقلة نوعية في وسائل التعامل مع اسرائيل عمادها "التفاوض المباشر"، رغم التحفظات الكثيرة حول النوايا والاهداف.

اعلان انقسم اللبنانيون حوله، وسط التساؤل الابرز، لماذا من عين التينة؟ واين بعبدا من ذلك؟ قد يكون لان الرئاسة الثانية هي المفاوض والناطق بإسم الثنائي، وفي ذلك رسالة اطمئنان للغرب وواشنطن، مقابل "نقزة" الرئاسة الاولى التي لم يتطرق بيان ترحيبها لا من بعيد ولا من قريب الى مؤتمر بري الصحافي، قد يكون رغبة بعدم تكريس عرف جديد بعدما "كوى" عرف المالية العهد بناره.

وبعيدًا عن السجال حول احقيّة رئيس المجلس في الاعلان من عدمها، وما اذا كان الرئيس عون "سايره" وعوض عليه "كف علي حسن خليل"، فإن ثعلب السياسة مرّر الكثير من الرسائل، هو الذي استطاع ان يحتفظ بالملف لنفسه لسنوات رغم محاولة الرئاسة الاولى "سحبه" في الفترة الاخيرة، وهو ما قد يكون سرّع من اعلانه خوفًا من "شوشطت" الطبخة، مسجلاً انتصارًا وهميًا اخرجه في احتفالية باهتة، راميًا كرة النار في ملعب بعبدا، ذلك ان الجد "بلش هلق وحك الركاب من اليوم وطالع".

كل الرغبات الاسرائيلية اخذت بعين الاعتبار، حتى ما لم يكتب منها في النص حسم باتفاق "جنتلمان"، فلا اعتراض من تل ابيب على تولي الجيش اللبناني التفاوض التقني، بل على العكس اشادة بذلك، كما ان رغبة تل ابيب بالحضور الاميركي تحققت بشخص السفير شينكر المعروف التوجه، وكذلك الرعاية الدولية عبر ممثل الامين العام للامم المتحدة في بيروت يعاونه قائد قوات الطوارئ الدولية.

هرولة لبنانية ما كانت لتنجح لولا تقاطع مصالح الاطراف الثلاث المعنية، خصوصًا ان اتفاق الاطار المعلن كان سبق الاتفاق حوله منذ اكثر من ثمانية اشهر، حيث اعطى يومها رئيس الجمهورية موافقته عليه للموفد الاميركي حينها، وكان ينتظر ان يعلنه "الاستيذ" بعد يومين من مغادرة الوفد الضيف، الا ان حزب المقاومة تراجع يومها في اللحظة الاخيرة. ولكن ما الذي استجد حتى خرج الى العلن اليوم؟

واضح ان لتل ابيب مصلحة بتفاوض جدي لترسيم الحدود البحرية بعدما بدأت انشطتها في الحفر والاستخراج قرب الحدود اللبنانية وبالتالي فهي بحاجة لتأمين تلك المنصات من اي هجوم قد يشنّه حزب الله انتقامًا. كذلك فإن الرئيس الاميركي وبعد نجاحه في تحقيق خرق لا بأس به في حرب التطبيع بين العرب واسرائيل، يحتاج الى ورقة لبنان ايضا لضمان اصوات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة من جهة، ولتدعيم موقف حليفه نتانياهو في اي انتخابات اسرائيلية مبكرة. أمّا بالنسبة الى لبنان، فقد تلاقت مصالح "الثنائي" الوطني مع المصلحة اللبنانية العليا.

بداية قد يسمح الترسيم ببدء استفادة لبنان من الموارد النفطية لحل ازمته الاقتصادية والمالية، وفقًا لوجهة النظر الاميركية ،ثانيًا، من مصلحة الدولة اللبنانية وفي ظل المتغيرات الاقليمية المتسارعة انجاز هذا الملف، من جهته يرى حزب الله ان تلك الاورق ستعطيه مزيدا من الوقت، على اعتبار انها "الجزرة" التي ستقود واشنطن الى طاولة المفاوضات مع طهران، وثانيا لتخفيف الضغوط الاميركية المتصاعدة ضد الحزب. والاهم ان الطبقة السياسية الحاكمية وجدت نفسها امام فرصة تاريخية لاعادة احياء نفسها "بأوكسيجين" العام سام هذه المرة، بعد الجرعة الباريسية.

لكن، هل يكفي تلاقي المصالح الثلاثي لحل المسالة وانهاء الملف؟ بالتأكيد لا، لسبب اولي وبسيط ان عامل الوقت يشكل نقطة افتراق بين الاطراف. فثنائي امل - حزب الله انطلق في موافقته من مبدأ لعبة كسب الوقت، متسترًا وراء الرئاسة الاولى، وهو ما احتاطت له الولايات المتحدة واسرائيل، اللتان حصلتا على تعهد شفهي بتحقيق تقدم في مهلة ستة اشهر من بدئها.

غير ان الخطوة اللبنانية وخلافا لكل ما يقال لن تؤثر على الموقف الاميركي من حزب الله او من العقوبات المفروضة بل هي تتجه الى رتفاع وتيرتها وزيادة ضغوطها، بحسب ما يؤكد مسؤولون في الادارة الميركية، حيث تقدم عدد من النواب بمشروع قانون "معجل" يهدف لسحب فروع البنوك وشركات التحويل من مناطق سيطرة حزب الله، وكذلك فرض عقوبات على مسؤولين في الخارج يتعاملون مع الحزب، واللافت في الصيغة المقدمة انها شملت اسم مسؤول امني لبناني رفيع يمثل صلة الوصل بين الثنائي وواشنطن.

هل يمكن القول ان الصراع بات على حقوق بعد ان كان وجوديًا؟ هل ما حصل نتيجة العقوبات الاميركية ؟هل سيستفيد حزب الله من المفاوضات بشكل او بآخر؟ وماذا عن الخطوات اللاحقة؟ ماذا لو اعتمد الحزب لعبة كسب الوقت؟ والاهم هل يمكن لهذا التفاهم ان يساعد في فك اسر الحكومة والمساعدات؟

عن "ليبانون ديبايت"