محدث - عدد من الكتاب يحتفون بـ "مطلقة" للأديب جميل السلحوت
تاريخ النشر : 2020-09-28 22:59

كتب المحامي رضوان صندوقة - صدرت رواية "المطلقة" للأديب المقدسيّ جميل السلحوت قبل أيام عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله، ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 192 صفحة من الحجم المتوسّط.

لا شك أن رواية "المطلقة" للكاتب جميل السحلوت قد صدرت بتوقيت بالغ الأهمية، نظرا لاستفحال ظاهرة الطلاق في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والعربي عامة، والتي بلغت نسبة 30 %، دون أن تشمل هذه النسبة الانفصال في فترة الخطوبة، بحيث استشرت هذه الظاهرة الاجتماعية بشكل لم يعد خافيا على أحد، وقد وُفّق الكاتب أيّما توفيق عندما اختار هذا الموضوع، فهي وإن كانت عملا أدبيا صيغ بإحكام، فهي أيضا محاولة من الكاتب لمعالجة هذ الظاهرة الاجتماعية.

وأسلوب السرد الروائي المشوق جعلني وللمرة الأولى أنهي قراءة رواية في يومين فقط، بعد أن واصلت الليل بالنهار، حيث كتبت بلغة واضحة مفهومة لا تكليف فيها ولا تصنّع، تحثّ على القاريء مواصلة القراءة دون تعب أو تكلف في الغوص بأسرار الرواية ومقاصدها التي توخّاها كاتبها.

ومّما يميّز هذه الرواية أنها أعدّت لجميع الفئات الاجتماعيّة وليس لفئة محددة فقط، كما جرت عليه العادة، بل خاطبت جميع أطياف المجتمع الفلسطيني؛ لأن جميع شخوص الرواية إمّا أنه زوج ضحّى بإمرأة وبطفل صغير حرم من العيش في كنف والديه أو هو ضحية لهذا العمل، أو يسلب حقوق امرأة مطلقة، وقد يشترك بالأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الأهل، أو المجتمع بأسره من خلال عادات بالية.

 جاءت رواية "المطلقة" صرخة ورسالة ونداء استغاثة، لوقف هذا النزيف الذي أصبح جرحا ينخر خاصرة المجتمعات العربية، هذه الخاصرة الرخوة التي تُسبب المعاناة والظلم الذي يقع على المرأة، فتكون هي وأطفالها أولى ضحاياه. والرّواية  تدعو من يعلق الجرس لرفع الظلم عن النساء المطلقات، وعن أطفالهنّ إن كنّ أمّهات، والسّبب أحيانا ناتج عن جهل في الفهم الصّحيح للدّين، وباسم الدين والأعراف علق الجهلاء دون وجه حق، المشانق لكثير من النساء اللواتي يبحثن عن الستر.

ومن اللافت كثرة الأمثال الشعبية التي وردت على ألسنة شخوص الرّواية ليدعم من خلالها كل واحد منهم وجهة نظره، وتناغمت هذه الأمثال بشكل سحري ومتقن مع وقائع هذه الرواية، وكأن الكاتب يريد أن يضخ الدماء في حروفها بعد أن تساقطت مثل شعر الشباب عند قصّ شعورهم حسب ما يسمّى "قصّة المارينز"، والتي لم تغب عن عقل الكاتب وقلمه، ويعيدها الى مكانها وتراثها، كجزء من هوية هذا الشعب.

استطاع الكاتب من خلال رواية "المطلقة" الوقوف على بعض الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى حالة انتشار ظاهرة الطلاق، ومنها تسلط العنصر الذكوري في مجتمعنا العربي، وكأننا لسنا أمام عقد زواج مقدس، بل أمام صفقة بضاعتها نساء، والذي كان واضحا عندما سردت جمانة بطلة الرواية للقاضي أسباب طلبها مخالعة زوجها، وطلبها للطلاق والقيود التي أراد الزوج أن يكبل زوجته (جمانة) بها دون وجه حق أو سند شرعي مقبول، كأن يطلب أسامة من زوجته جمانة تقبيل قدميه، كما ورد في الجزء الأول "الخاصرة الرخوة"، والخطورة التي تقع عند تدخل الأهل بالحياة الزوجية للزوجين دون أن يكون خلف تدخلهم وازع أخلاقي أوديني أوعقلي كمراجعتهم للمشعوذين وللمشايخ الدجالين، كما فعلت أمّ أسامة طليق جمانة، وكأن المجتمعات العربية لا تحمل بيدها إلا سياط التخلف الموروث، كما حدث مع عائشة التي هتك سترها، بسبب الجهل الاجتماعي في عذريتها، وكأننا نعود مرة أخرى أمام " ثقافة الهبل وتقديس الجهل" .

لقد أحسن الكاتب عندما أبقى الأمل في هذا المجتمع، وترك خاتمة الرواية بزواج المطلقة من آخر، وبث رسائل الأمل المتجدد في عدم حمل المطلقة وزرا هي بريئة منه، مثل قوله في الصفحة 147 بالقول : " لا مشكلة عند المطلقة، لكن المشكلة في مجتمعنا ونظرته السلبية للمرأة" وأن أهل العلم أمثال الشقيقين الدكتور فريد الذي تزوّج حمانة والمهندس رمزي الذي تزوّج شقيقتها تغريد قد ألقوا الأفكار الهدامة والنابعة من أعراف بائدة لا تتوافق مع الشرع الحنيف أو العقول المستنيرة.

من الأمور اللافتة في الرواية هو جدار حماية المطلقة من ألسنة سياط الجهل -كما حدث مع عائشة-، هو الأسرة المثقفة المتعلمة والمشبعة بدفء الحب، والإبقاء على الروابط الأسرية القوية الدافئة بين المطلقة وعائلتها بعد طلاقها، وبيدها طفلها واهتمام أسرتها برعايته بحب، وبين حالة نقيضه لهذه الظاهرة بعدم احترام المطلقة وعدم تبنيهم للأولاد الذي يصبحون ضحايا الطلاق بين ليلة وضحاها. وصدق الإنتماء عند عائلة فارس الذي عانى من مرض السرطان بعد معاناته وعذاباته في السجون والمعتقلات، فقد احتضنت أسرته زوجته وأكفاله حتّى بعد وفاته.

وممّا يلفت الإنتباه هو تدعيم آراء شخوص الرّواية بآيات قرآنية، ليقول أهذا الذي فيه تختلفون؟ فالعبرة ليس بالنصوص بل بكيفية تفسير العقول الضيقة والحاقدة هذه النصوص تفسيرا خاطئا؟ ويأتي فيما بعد الجواب عندما تدرس جمانة الشريعة الإسلامية، لتتعرف على حقوقها وتدافع عنها بفهم صحيح للنّصوص الشّرعيّة.

كما وكتب شاكر فريد حسن - عن مكتبة كل شيء في حيفا، لصاحبها الناشر صالح عباسي، صدرت قبل أيام رواية " المطلقة " للكاتب المقدسي المخضرم جميل السلحوت، وتقع في 192 صفحة من الحجم المتوسط، وصمم غلافها الفنان التشكيلي محمد نصر اللـه، وقام بالإخراج والمونتاج شربل إلياس، وهي استكمال لروايته " الخاصرة الرخوة "، الصادرة هذا العام وعن دار النشر نفسها ايضًا. 

وأهمية هذه الرواية تكمن في أنها تطرح موضوع حساس للغاية، وتتناول مسألة اجتماعية مؤرقة، الطلاق الذي انتشر واستشرى واستفحل بصورة كبيرة ونسبة عالية في مجتمعنا العربي الفلسطيني، وتعري مظاهر الجهل والتخلف المجتمعي.  

وهي رواية تنصف المرأة وتدعو إلى التخلص من العادات والتقاليد البالية التي تكبلها وتحاصرها، وتغيير النظرة السلبية الدونية السائدة تجاهها  ووقف النزيف الذي ينخر في جسد وخاصرة مجتمعنا، ورفع الضيم والظلم والقهر والاجحاف بحق المرأة عمومًا، والمطلقة بشكل خاص. 

وتظهر الرواية تعامل مجتمعنا مع المطلقة كبضاعة منتهية الصلاحية، وتكشف عورة الدجالين والمشعوذين الذي يعملون بدهاء وخبث متسترين بغطاء الدين، والدين منهم براء، لتحقيق غايات وأهداف ومصالح شخصية ومآرب دينية ودنيوية. 

والرواية مكتوبة بأسلوب سردي وصفي مشوق، وبلغة أدبية رشيقة واضحة، بعيدة عن التعقيدات، وموجهة لكل الفئات العمرية، ويوظف جميل السلحوت مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية والأمثال الشعبية والتراثية التي تدعم موقفه تجاه المرأة وتؤكد حقوقها في الاسلام. 

وما أن صدرت الرواية حتى تلقفها القراء والمهتمون بشغف وكأنهم بانتظارها أو على موعد معها، واحتفوا بها من خلال عدد واسع من المداخلات والقراءات التحليلية والتقريظية التي نشرت في مواقع مختلفة كثيرة. 

وباعتقادي أن هذا الاحتفاء هو احتفاء بالرواية والكاتب معًا، فـ " المطلقة " رواية إنسانية اجتماعية ودينية هامة ، تدق جدران الخزان بقوة وجرأة فائقة، وتكشف الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسود مجتمعنا وتعاني منها المرأة عمومًا، وليس المطلقة وحدها، وتتوفر فيها عناصر الرواية الفنية الناجحة وحبكتها قوية وصياغتها متماسكة واسلوبها مشوق، وصاحبها الصديق ورفيق القلم من الزمن الجميل، منذ السبعينات، ابن جبل المكبر جميل السلحوت، له حضوره الدائم القوي وله الاحترام والتقدير الأدبي، يمتلك التجربة الأدبية الثرية والأدوات الفنية الإبداعية، وهو كاتب غزير، مسكون بالوطن وجراحه، ومهموم بقضايا شعبه ومجتمعه، ومثقف نقدي عضوي، يحمل فكرًا مضيئًا مستنيرًا، له باع طويلة في الكتابة الإبداعية الروائية والقصصية والنقدية والتراثية وفي مجال أدب الاطفال، ولذلك لا غرابة في هذا الاحتفاء بروايته وبه كاتبًا مبدعًا مؤمنا بأدب الحياة، وكتاباته في مجملها تنطلق من الرؤية الواقعية النقدية، وهو برأي احتفاء مستحق وعن جدارة. فله خالص المودة وأجمل التهاني بصدور روايته الجديدة " المطلقة " متمنيًا له العمر المديد الخصب المكلل بالصحة والعافية والمتوج بالعطاء والأبداع الراقي.    

وكتبت ديانا أبو عياش - عن مكتبة كل شيء في حيفا للنشر صدرت قبل أيّام رواية جديدة بعنوان (المطلقة) للأديب المقدسي جميل السلحوت، والتي تشكل الجزء الثاني لروايته الخاصرة الرخوة، وبهذه المناسبة أبارك للكاتب هذا الإصدار، وأتمنى له مزيدا من الصحة والعطاء، وهذه الرواية التي تحتوي على 192 صفحة من الحجم المتوسط ويحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله، هي واحدة من مؤلفاته العديدة التي تنصف المرأة وتقف الى جانبها، وتطالب المجتمع بضرورة تغيير النظرة السلبية لها، وإعطائها حقوقها كاملة ومنها حقها في الحياة الكريمة، في التعليم العالي، في اختيار شريك الحياة، في حرية العمل، والتملك والتصرف وغيرها من الأمور التي خصها بها الاسلام، بالإضافة إلى احترامها وتقديرها كأمّ، وزوجة، وأخت، وابنة عمّة وخالة وزميلة............إلخ.

العنوان: المطلقة

الفكرة الرئيسية

في هذه الرواية كما يدل العنوان يتطرق السلحوت الى مسألة الطلاق وموقف المجتمع منه، ونظرته السلبية إلى المطلقة والأرملة.

الشخصيات الرئيسية والثانوية

 جمانة وطليقها أسامة، أمّ أسامة وزوجها، والدا جمانة وشقيقتها تغريد، عائشة وزوجها فارس، صابرين، الدّجال عدي، الدكتورة أميرة، الدكتور فريد، المهندس رمزي..... وغيرهم.

المضمون:

تتطرق الرّواية بشكل عام إلى أسباب الطلاق لعدد من الزوجات، والحالة الخاصة بكل واحدة، ليلقي الضوء بل يسلطه بشدة؛ ليعلم المجتمع أن الجهل والتخلف هي الأسباب الرئيسية لظلم المرأة، ومنها:

جمانة الزوجة المتعلمة والتي طلبت الطلاق وأصرت عليه رغم محاولات كثيرين للإصلاح بينها وبين زوجها أسامة، بعد سنتين من زواجها واغترابهما في السعودية وإنجابهما لطفلهما سعيد، والسبب في هذا الأمر كان العنف الذي كانت تتعرض له من قبل زوجها التكفيريّ، يعامل المرأة من خلاله كجارية لا تملك أيّ حق من حقوقها كزوجة مسلمة، مثل منعها من الخروج، من العمل، من مشاهدة التلفاز، وقراءة الصحف....وغيرها ، والمصيبة أنّه كان يعتقد نفسه بأنّه يعاملها حسب تعاليم الإسلام، يضاف إلى ذلك موقف حماتها" أمّ أسامة" السلبي، حيث تحرض ابنها على زوجته، وخطفها لحفيدها من حضن والدته لتعيده جمانة عن طريق الشرطة، والجهل والتخلف الذي أدخل الحماة في متاهات السحرة والدجالين لدرجة أنها وقعت ضحية الدجال عدي ،الذي زنى بها بحجة علاجها من الجني الذي تلبسها، وأخذ منها مبلغا كبيرا من المال، وموقف حمي جمانة أبي أسامة الإيجابي الذي حثّ ابنه لتغيير أفكاره وإعادة المياه بينه وبين زوجته إلى مجاريها، كما أظهر أن المطلقة ليست أقل من غيرها شأنا، فمن الممكن أن تتزوج مرة أخرى من أعزب ومتعلم وإنسان يقدرها جيدا، كما شاهدنا ذلك في الرواية من خلال زواج جمانة من المهندس رمزي، وشقيقتها تغريد الصيدلانية من شقيقه الطبيب فريد.

عائشة: زوجها الأوّل ظلمها باتهامها بشرفها وطلقها، وصارت حديث الناس بسبب هذا الأمر، وبعد زواجها من الأسير المحرر فارس، وإنجابها منه اتضح أنها لا زالت عذراء، والمشكلة أن بكارتها كانت مطاطية، واتّضح هذا الأمر للطبيبة التي اشرفت على ميلادها، طبعا أهلها أعلنوا الأمر حتى تنقلب نظرة الناس لها من الاحتقار إلى الاحترام، وبعد وفاة زوجها الثّاني فارس بالسرطان، يعود طليقها  وأهله ليطلبوها زوجة له مرة أخرى مع الاعتذار ممّا بدر منه ومنهمبتوسيخ سمعتها في المجتمع، فترفض بطبيعة الحال.

  صابرين: وهي ابنة عمّ أسامة والتي كانت أيضا مطلقة، ولم تقبل بالزواج بداية من أسامة رغم أصرار والدته على ذلك قبل وبعد طلاقه لجمانة، خصوصا أنها غنية، بسبب ما حصلت عليه من طليقها، لكن عندما وجدت أن كل من يتقدمون لها هم من كبار السّنّ ومن جيل والدها أو يزيد، اضطرت لقبول الزواج به على أمل أن تصلح من حاله، وأفكاره، مع نصائح والده المستمرة.

وأخيرا تطرقت الّواية إلى المثلية الجنسية من خلال الشاب مأمون، الذي عمل عملية تحويل في فرنسا، وصار "ميمونة" وتزوج من رجل، ليبين لنا الفرق في التفكير من حيث ظلم المرأة حين يعتبرها سببا في توسيخ شرف العائلة، نتيجة الجهل والتخلف، في حين أن الرجل قد يجلب الخزي والعار لأهله ومجتمعه، فالشّرف للرجل وللمرأة على حدّ سواء. 

الأسلوب

 كما عودنا الأديب جميل السلحوت فانه يكتب بأسلوب السهل الممتنع البعيد عن التعقيد والفذلكة اللغوية، ورسالته واضحة وجليّة في محاربة الجهل والتخلف.

المكان: القدس الشريف، حيث ورد في الرواية ذكر لعدة مناطق وأماكن رئيسية في المدينة المقدسة مثل المسجد الاقصى، مستشفى المطلع، مستشفى المقاصد الخيرية، جبل الصوانة، بيت حنينا، شعفاط، وغيرها.

ملاحظات: أجاد الكاتب في تناوله لقضية الطلاق، وما يترتب عليها من ظلم للمرأة ولأطفال، بتناوله لهذه الشرائح، وتبقى أسباب الطلاق، أكثر من ذلك لكن الكاتب لا يستطيع تناولها في رواية واحدة، لكنني أعتب عليه عدم ذكر المرأة التي تؤثر البقاء تحت سطوة الزوج والحماة وعنفهما لدرجة أنه ممكن أن تتعرض حياتها للخطر، على أن يطلق عليها لقب مطلقة، وهذه النوعية تشكل شريحة كبيرة من مجتمعنا، وللأسف هناك أهل يرفضون الطلاق لابنتهم، ويؤمنون بمقولة أن المرأة يجب أن لا تترك بيت زوجها إلا إلى القبر، ولا يصحون على أنفسهم إلا إذا ماتت نتيجة الضرب أو الطعن أو التكسير أو حتى الانتحار، يعني أسباب ظاهرة وليس بسبب القهر الذي إن لم يكن سببا مباشرا للموت، كان سببا للأزمات النفسية والأمراض الجسدية كالسرطان والجلطات القلبية، أو سببا في تحولها إلى قاتلة عندما لا يبقى مجال للتحمل.

من ناحية أخرى يعجبني في الشيخ جميل دمجه للتراث من خلال الأمثال الشعبية التي تتخلل الأحاديث خصوصا بين كبار السن، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يستدل بها ليثبت صحة القضايا التي يطرحها، وهذا برهان على سعة ثقافته الشعبية والدينية، واطلاعه على قضايا اجتماعية أغفلها كثيرون، لكن السلحوت كتب عنها بجرأة.

عن حياة الكاتب

من مواليد القدس عام 1949م، درس اللغة العربية وآدابها، وله العديد من الروايات والقصص الهادفة للصغار والكبار، ومنشورات في الجرائد والصحف، وتم تكريمه من عشرات المؤسسات الثقافية في فلسطين وخارجها، عمل بالتدريس، وإصلاح ذات البين، كونه يعيش في بيئة عشائرية، وأسس العديد من المؤسسات الثقافية أشهرها ندوة اليوم السابع المقدسية في المسرح الوطني الفلسطيني مع عدد من الأدباء، والذي كان لي شرف التعرف عليه من خلالها عن قرب.

وكتب محمد موسى عويسات - صدرت قبل أيام عن دار النّشر (مكتبة كلّ شيء في حيفا) رواية (المطلّقة) للكاتب والرّوائيّ جميل السّلحوت، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله ومنتجها شربل الياس في 192 صفحة من الحجم المتوسّط، وهي الجزء الثّاني من رواية (الخاصرة الرّخوة) التي تناول فيها قضيّة المرأة في مجتمعنا، عندما تخضع لمعاملة تُبنى على فهم مغلوط مخالف لأحكام الشّرع الإسلاميّ، فعدّ المرأة الخاصرة الرّخوة إذا ما ظلمت أو أهينت أو استضعفت، وكانت جمانة هي الشّخصيّة الرّئيسة في الرّوايتين، بل كانت محور الأحداث والشّخصيات الأخرى، ففي هذا الجزء الثّاني، عادت جمانة من السّعوديّة، واستطاعت أن تحصل على الطّلاق من الزّوج المتديّن الذي يحمل فهما مشوّها لأحكام الإسلام التي تنظّم علاقة الرّجل بالمرأة، والحقّ أنّ هناك أفهاما مشوّهة في النّظرة إلى المرأة يتوارثها المجتمع لا علاقة لها بالإسلام، وهذا ما تكشفه الرّواية. والمدقّق في الرّواية في الإجمال والتّفصيل، يجد أنّها لم تصوّر المطلّقة في مجتمعنا بالمرأة المضطهدة أو المنبوذة أو صاحبة ذنب، بل على العكس من ذلك نجد جمانة قد لقيت تفهّما كبيرا من المجتمع لقضيّتها، من الأهل والأصدقاء، ومن الوجوه التي تدخّلت لإصلاح العلاقة بينها وبين زوجها، بل لم تمكث إلا قليلا حتى تزوّجت من شاب لا يكبرها كثيرا، وكذلك المطلّقة الأخرى صابرين لم تكن النّظرة لها نظرة احتقار أو دونيّة، الأمر الوحيد تقريبا الذي سجّلته الرّواية في نظرة المجتمع للمطلّقة هو أن يطمع كبار السّنّ في الزّواج منها، فيتقدّمون لطلب يدها، ولا أظنّ هذا أمرا كبيرا في مجتمعنا وثقافتنا. لذا لا أرى جمانة في هذه الرّواية خاصرةً رخوة.  وهذا الأمر يردّنا إلى شخصيّة أسامة ومعاملته لزوجته، فلم يكن المكوّن الوحيد لهذه الشّخصيّة هو الفكر المشوّه أو التّكفيريّ كما تصفه الرّواية، بل كان ضعفُ شخصيّته وتأثير أمّه فيه كبيرا، وكان من أسباب فشل حياته الزّوجيّة، وهذا ما أكده أبو أسامة، وظهر من خلال حوارات أسرة أسامة في قضية طلاق جمانة. وأرى أنّ اختيار شخصيّة جمانة الفتاة المثقّفة المتعلّمة المتديّنة لم يفِ بإعطاء صورة كاملة عن أحوال المطلّقة في مجتمعنا. واختيار أسامة أيضا كمتعلّم وحامل لفكر متشدّد لم يفِ بتصوير الحياة الزّوجيّة، ولم يحِط بصورة الطّلاق والمطلقة، فهناك صورة أعمّ وأشمل وأكثر تعقيدا، يشترك فيها عامّة الناس غير المتعلّمين وغير المثقّفين، لم تغطّها الرّواية. فالرّواية أقرب إلى مقابلة بين فهمين للإسلام في شأن المرأة، الفهم المتشدّد والفهم الصّحيح المستند إلى دليل شرعيّ، غير المؤوّل ولا المحرّف، وهنا تكاد تغيب بعض الموروثات الشّعبيّة المشوّهة. وعلى أيّة حال زخرت الرّواية بالكثير من الآيات والأحاديث المتعلّقة بمعاملة المرأة والطّلاق وغيرها، وكان فيها فيض من القيم العظيمة، في علاقات النّاس بعضهم ببعض، وفي حياتهم اليوميّة. ونستطيع أن نقول أنّ الرواية أخذت منحى الصّراع بين الخير والشّرّ في هذه القضيّة، الخير ممثلا بجمانة ووالديها وأخواتها وصديقاتها ويُضاف إليهم أبو أسامة وآخرون، والشّرّ ممثلا بأمّ أسامة، ولا نجد مقعدا لأسامة في هذين الطّرفين، فهو شخصيّة ضائعة. هذا المنحى أعطى الشّخصيّات في الطّرف الأول الخيِّر شيئا من المثاليّة الملائكيّة، وجعل الأحداث تسير بحسب رغبة القارئ، فكانت النّهاية هو انتصار الطّرف الأول وهزيمة الطّرف الثّاني، فالأحداث لم تكن مفاجئة في تسلسلها ولا في اتجاهها نحو النّهاية، بل كانت متوقّعة، وانتهت كما يشتهي القارئ. لذا تميل هذه الرّواية إلى جانب التّنظير لمجموعة من القيم السّاميّة أكثر من ميلها لرسم واقع معيش لهذه القضيّة. وهناك قضايا فرعيّة محبوكة بهذه القضيّة بعناية كبيرة هي قضيّة اللّجوء إلى المشعوذين، أو قضيّة الجهل بشؤون المرأة الخَلْقيّة. وهذه ذات واقع محسوس في مجتمعنا، أمّا قضيّة المثليّ الذي غيّر جنسه في فرنسا، فهذه لا يربطها القارئ بهذه الرّوايّة إلا إذا كان قد قرأ الرّواية الأولى: الخاصرة الرّخوة.

أمّا اللّغة، وكما عهدنا كاتبنا الكبير في لغته الرّوائيّة، فجاءت سلسة مفهومة موجّهة للنّاس على مختلف ثقافتهم ومستوياتهم التّعليميّة، بعيدة عن اللّغة الشّعريّة والاستعارات والكنايات البعيدة، وهذا ما يشير إلى أنّ الكاتب صاحب رسالة اجتماعيّة تربويّة.

وممّا يحسب للكاتب وروايته هذه هو توظيف المثل الشّعبيّ في هذه الرّواية، فقد أحصيتُ فيها ما يقارب المائة مثل، أغلبها شعبيّة، والفصيحة منها قليلة، وقد أعطى الرّواية جرعة فنّية جميلة، وبخاصّة أنّه أجراها على ألسنة الشّخصيّات في حواراتهم الخارجيّة، فكشفت معاني وأفكارا تدور في أنفسهم، ناهيك عن أنّ توظيف الأمثال في الرّوايات وغيرها من فنون الأدب من أقرب الطّرق لحفظ هذا التّراث، فالمثل لا بدّ أن يحفظ في سياقه.

وكتب د. صافي صافي - (هذه الرواية هي الجزء الثاني لرواية الخاصرة الرخوة)

المطلقة إنسانة لها مشاعر وكرامة وحرية الاختيار والقرار

دون مقدمات، وأنا لست بناقد، وفي جلسة واحدة امتدت حوالي اليوم، قرأت "مطلقة" الصديق الشيخ جميل السلحوت. لم أتعثر كثيراً في القراءة، فاللغة سلسلة، والأحداث متسلسلة، ومشوقة، لأعرف ما مصير هذه المرأة، الشخصية الرئيسة "جمانة". يعني ذلك أن الرواية تستحق القراءة، والتوقف عند المفاصل الرئيسة منها.

        بغض النظر عن الاحتراس الذي تقدم الأحداث، بأن هذه الرواية، هي محض رواية، وأن أي تشابه بين شخصياتها، وما في الواقع، هو صدفة، فإن ما جاء ليس بعيداً عن الواقع، وليس صدفة، بل هو تخطيط مقصود، وموزون من الكاتب، وربما جاء الاحتراس، للنأي عن أية تعقيدات قد تحصل لتشابهها مع الواقع، فمهما حاولنا الابتعاد عن الواقع، يكون أحياناً أغرب من الخيال والمتخيل.

        وإن كنت أعيش بضع كيلومترات بعيداً عن البيئة الاجتماعية للشيخ جميل، فإن كل الشخصيات الواردة في الرواية، كانت من واقعي أيضاً، فأعرفها كلها، تعيش حولي، في المدينة وفي القرية وفي المخيم، فهي منا وفينا، وإن اختلفت التفاصيل قليلاً أو كثيراً، حتى أني أفكر بعرضها على بعضهن، ليستمدن القوة والحزم ليعشن كما ينبغي، ويطبقن الرؤية العامة لجمانة كما ينبغي.

ربما سأختلف فنياً مع صديقي جميل، بالزواريب التي سلكها في بعض الأحيان، لكن الرواية تبقى منارة، ورؤية للنساء وللرجال معاً، لفهم هذا الواقع العادي والمتخيل.

من قال أن الكاتب، والروائي بالذات، يجب أن يحمل رسالة، يبلغها في كتابته، دون إقحام، ودون تصنع، ببساطة، دون تزلف، فعليه أن يقرأ "المطلقة"، فلا الأيدلوجيا تحكمه بشكل صارخ، ولا استطاعت القيود الاجتماعية من انطلاقه، رغم انغماس جميل في المجتمع وقضاياه. بل ربما لأن جميل منغمس لهذا الحد وأكثر، في التقاليد الاجتماعية، والصلح العشائري، والدين كمرجع، جاءت روايته بهذا الشكل.

في الدين، ليست هناك قراءة واحدة، كما أي نص بما فيه نص جميل الجميل، فالدين ممكن أن يكون قيداً، وممكن أن يكون عامل تحرر، فاختار جميل، العامل الثاني، بمعرفته التفصيلية به، من آيات وأحاديث، وإن اختلفنا على صحة بعضها، فما زال النقاش دائراً حول الأحاديث الصحيحة، وتلك غير المثبتة، وغير المنطقية.

لقد اختار شيخنا جميل، الشخصية الرئيسة، طليق جمانة، أسامة، الذي عمل في السعودية مدرساً، وأكتسب هذه الثقافة التكفيرية، الثقافة المغلقة، التي لا ترى في المرأة سوى عورة، ليس لها حق في الحياة، ووعاء للتفريخ. أغلق عليها النوافذ والأبواب والتلفاز وكل شيء، كانت جمانة مجرد سجينة، ليقوم هو بواجباته الدينية، وبالتسلط عليها كل وقت. هذه الثقافة لم تلتزم حدود أرض الحجاز ونجد، بل امتدت لتصبح لها فروعا، وأتباعا في كل الوطن العربي، ذوي الدشاديش القصيرة، واللحى الطويلة، والسواك والمسبحة. هؤلاء الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا مؤدين للعبادات ومتمسكين بالشكليات، دون تدخل في أمور الحكم والسلطات، وحين تدخلوا، كانوا أدوات بأيدي الاستعمار، ففرخوا داعش ومشتقاتها، ليجعلوا من "الربيع العربي" خرابا وتقتيلاً. كل ذلك باسم الدين والتدين، هؤلاء الذين اختلفوا وشرحوا بالتفصيل أركان الوضوء وطقوس الصلاة والصيام، ليضعونا في النهاية في دائرة الزندقة والكفر. جمانة لم تحتمل ذلك، بل تفهم الدين بطريقتها المتنورة، المتعلمة والعاملة والمتفاعلة مع المجتمع. وجدت نفسها في السجن، وقررت أن تمزق قضبانه، وهكذا كان.

يفهم المجتمع، ويفهم آخرون، أن الزواج مقدس، يربط بين ذكر وأنثى إلى الأبد، مطيعة له، راضية بالذل أحيانا، وبالهوان أحياناً أخرى، تحت مقولة أن طاعة الزوج، هي الطريق إلى طاعة الله، لكن الفهم الحديث، والمتنور، بأن الزواج هو مجرد عقد، له شروطه وبيئته، فإذا ما اختلفا يستطيعان التفريق بإحسان، وأن يبدأ كل منهما حياته، وهذا ما فهمته جمانه، رغم تحملها لسنوات، لتختار التفريق، والبحث عن حياة جديدة، بدل الخنوع والبقاء في السجن الزواجي.

في كل الأحوال، تبقى الأسرة هي طوق النجاة، للأنثى، فإذا كانت متفهمة كما أسرة جمانة، أطلقتها، وفتحت أمامها أبواب الحياة الجديدة، وإذا كانت غير ذلك، ساهمت في موتها النفسي والجسدي. أما دور الأم، أي أم، كما أم أسامة، فيمكن أن يكون دورها مبني على الغش والخداع والكذب والانحراف والغيرة، وممكن أن يكون إيجابياً كما في شخصية أم جمانة. نحن نعرف أن عماد المجتمع عندنا هو الأسرة، بدل الفردية التي يعيشها الغرب، وهذا ما أكده شخينا جميل الجميل.

إن التفاصيل الدقيقة التي أوردها جميل، تساعد على فهم النص، والانغماس في بيئته، وتمنيت أن تتركز الرواية في صفحاتها جميعها على العنوان الموسوم به الكتاب، إلا إذا كان ذا فائدة. ورغم اختيار شيخنا جميل عنوان "المطلقة"، فإن هذا مدعاة للنقاش أيضاً، فهل هو تقبل نظرة المجتمع، لتقسيم الإناث، إلى عزباوات ومطلقات وأرامل، أم هو استجابة لحظية، لإبراز الموضوع، ونقاشه؟ أميل إلى الخيار الثاني.

هل كان من الضروري، والطبيعي، أن تكون جمانة واختها "سلافات"، أم مجرد صدفة، فلم يأت زواجها مناقضاً ومختلفاً ومبتعداً عن الطرق التقليدية المتبعة؟ ربما صدفة، لكن الكتابة خيار.

هل تمكنت جمانة من اجتياز أزمتها النفسية، والتحول السريع في اختيار زوج جديد؟ لم أتوقف عند ذلك كثيراً.

هل يمكن لعريس جمانة قبول أن يعيش ابنها السابق معه؟ هل هذه دعوة لقبول ذلك؟ أظن أن هذا الموضوع بحاجة لنقاش أكثر.

لماذا تتعلق الأمهات بالابن لهذه الدرجة؟ هل يمنعها ابنها/ ابناؤها من زوج أول لقبول زوج ثاني؟ ما هو الحل المقبول والمعقول؟ لا أملك إجابة واضحة ومقنعة، فما دور الأب والأجداد في هذه المسألة، فالحياة وعيشها الكريم هي بحد ذاتها قيمة، قيمة فردية وأسرية، ولا أرى أن يكونوا عائقا لا للأب ولا للأم،  وما زالت القوانين الاجتماعية، تلقي باللوم على الأم دون الأب، ونحن نعرف يا جميل الشيخ، كم سببت هذه السلوكيات إشكالات للمرأة المطلقة بالذات، وسببت انحرافات أيضاً.

بغض النظر عن وجهة نظري الواضحة أحياناً، والباهتة أحياناً أخرى، فإن الشيخ جميل من خلال روايته، سعى لأن نناقش هذا الموضوع، وهذا ما فعلته.

لا بد من الإشارة مرة أخرى، بأن لغة جميل، تصبح أكثر جمالاً من رواية إلى أخرى، وهذا ما دفعني لقراءتها بهذه السرعة، والتأثر بها، وطرح وجهة نظري التي لم تتنه بعد.

وكتبت هدى عثمان أبو غوش - صدرت روايّة "المطلّقة" للكاتب المقدسيّ جميل السّلحوت قبل أيّام عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي يحمل غلافها لوحة للفنّان التّشكيلي محمد نصرالله ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 192 صفحة من الحجم المتوسّط.

روايّة "المطلّقة، هي الجزء الثاني لرعن وايّة "الخاصرة الرّخوة"، التّي طرحت طريقة نظرة الفرد ومفهومه الخاطئ للدّين،وأثره على الحياة الزوجية، والتّي تمحورت في قصّة أُسامة وجمانة على وجه الخصوص، وبعد قراءتي لهذه الرّوايّة الإجتماعيّة التّي أمامنا، تساءلت ما هو الجديد الذّي طُرح في هذه الرّواية ،وما هي الأزمة التّي نتجت من كون جمانة وصابرين مطلقتان،ربما  أراد الكاتب أن يثير حالة المطلقة في مجتمعاتنا العربيّة، ولفت الأنظار إلى حقّهنّ بالزواج مرة أُخرى وأنّهنّ كائن لا يحق لأحد أن ينعتهنّ بصفات غير لائقة أو يسبب لهنّ الأذى.واللافت في الرّوايّة أنّ الخلاف قائم منذ بدايتها حول طلب جمانة الطلاق من زوجها، ومحاولة الأهل إقناعها بالعدول عن رأيها وهذا شيء طبيعي، ورفض حماتها قرارها في البداية، وذهول زوجها أُسامة الذي يقف أمام مشكلته عاجزا أمام اتّخاذ القرّار.

حصلت جمانة على الطلاق، وماذا بعد؟ هل تغيّر مجرى حياتها إلى الأسوأ؟ لم تتعرض جمانة لأذى يُذكر سوى من حماتها أمّ أُسامة صاحبة اللسان السّليط، فرياح المجتمع لم تضعها في سلّة الوجع، بل في حديقة الأمل والحب حيث استكمال تعليمها وزواجها من رمزي الذي ظهر كهديّة سريعة، أرادها مع طفلها، لم يسنح الكاتب فرصة للقارئ لمعرفة أوجاع المرأة بعد الطلاق، نفسيتها عاطفتها ومن الناحيّة الإجتماعيّة،بل كان كالمخلّص السّريع أدخلها سريعا للخطوبة، ولم يجعل القارئ يتفاعل مع جمانة كمطلقة من خلال حالة ما تؤثر(تمّ  فقط ذكر، أنّه كانت جمانة في صراع بعدما عُرض عليها الزواج)، ولكنه جعلنا نتفاعل مع صابرين المطلقة وهي تتحدث عن وجعها ووجع مثيلاتها من النساء المطلقات، اللواتي ينفرنّ من الأزواج كبيري السّن.

أشعل الكاتب الضوء،حول  قضايا ثانويّة، لكنّها هامّة مثل،علاقة أمّ أُسامة العاطفية المهزومة مع زوجها، وقد انكشف هذا السّر بشكل مفاجىء للقارئ من خلال بوح أُمّ أُسامة للشيخ عديّ عن سرّها مع زوجها، وقد نجح الكاتب في صقل تصوير شخصيّتها في حالة جبروتها وانهزامها وانكسارها عاطفيّا، وقد استكمل الكاتب قضيّة المثليين التي طرحها في الجزء الأوّل،وفي نظري تلك المسألة تحتاج لروايّة بحدّ ذاتها، وليس حوارا عابرا، أو مكالمة هاتفيّة.

جاءت الرّوايّة كسرد لخلافات إجتماعيّة وفكريّة وليست غريبة، تحدث بين الأزواج وتؤدّي إلى الطلاق، وقد كانت الأصوات متفاوتة في الرّوايّة، فهو عند جمانة بين نبرة عاليّة غاضبة، تستنطق العدل والفصل في حكم الطلاق، وبين وتيرة هادئة متزنة فيها السكينة بعد الطلاق، أمّا صوت أُمّ أُسامة فقد ظهر كرنين الجرس المتواصل لا يهدأ، يحمل الغضب متمثلا بالأمثال الصّارخة، ثم خفت الصّوت بعد توبتها، وتحوّل لناعم حنون.

صوت أُسامة لم يتغيّر إلاّ قليلا، فهو صوت ضعيف مرتبك، متوتر إلاّ أنّه علا مرة واحدة.

صابرين،صوت حزين  فيه آثار خيبة وحسرة.

أمّا صوت الطبيب فريد ورمزي فهي أصوات هادئة متزنة.

صوت أبى أُسامة كان خافتا ثم علا فيما بعد.

جاءت لغة الرّوايّة بالفصحى بلسان الراوي العليم، زاخرة بالحوار، سهلة،مشبعة بالأمثال الشعبيّة، وقد احتوت على آيات من القرآن الكريم.

إنّ القارئ لروايات وقصص جميل السّلحوت،لا بدّ له أن يلاحظ من خلال السّرد إحتواء فقرة أو ما يزيد عن اضطهاد الفلسطيني من قبل الإحتلال بصوره المختلفة، أو تسليط الضوء على الماضي سواء النكبة أو النكسة، حتى لو كانت الرّواية ليس لها علاقة بالسياسة والوطن، وهذا يدلّ على أنّ قلمه لا يعرف السكينة والهدوء دون أن يبرق برسائل حزينة فيها صوت الوطن، وكذلك أبرق هنا برسائل عن النكبة ومضايقات الإحتلال للمواطن الفلسطينيّ حتى لو كان مريضا كوضع الأسير فارس زوج عائشة.

وكتبت ديمة جمعة السّمان - لم تأت النّهاية السّعيدة لرواية المطلّقة من فراغ.. ولم تكن أشبه بنهاية الفيلم الهندي، الذي هدفه الوحيد التّرفيه عن النّفس، وقضاء وقت ممتع مع أبطال الفيلم. وينتهي الفيلم بالتقاء الحبيب والحبيبة، فيصفّق لهما المشاهدون على أنغام أغنية تنعش قلوبهم وتأسرها وتمسح دموعهم، بعد قضاء ساعتين من الزّمن، وهم يذرفون الدّموع على الرّغم من عدم وجود أيّ تسلسل درامي مقنع، يشعر المُشاهد بواقعية الأحداث.

رواية المطلّقة للأديب جميل السّلحوت.. التي صدرت مؤخرا عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، هي الجزء الثّاني من رواية الخاصرة الرّخوة، التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والدينية، وهو الآن يطلّ علينا بالجزء الثّاني؛ ليرسّخ أفكاره وقناعاته؛ ويدعم كل واحدة منها بآيات قرآنيّة تؤكد على صحّة ما يطرح، وتجيب على أيّ تساؤلات قد تنجم عند قراءة الرواية.

المطلّقة رواية واقعيّة من روح المجتمع العربي الشرقيّ، كُتبت بقلمٍ حبر دواته مصنوع من آهات مجتمع ينزف من ظلم يحيق بالمرأة العربية، على مرأى من جميع أفراد الأسرة، دون تحريك أيّ ساكن، وكأنّه قدرها، عليها القبول به دون اعتراض، وإلا ستخرج عن الصّف المجتمعي التّقليديّ، وتتسبّب لعائلتها بالعار. إذ لا زال المجتمع العربي يوصف بالذّكوري، على الرّغم من أنّه بدأ يخطو خطوات واثقة نحو حصول المرأة على حقّها، بعد أن أدركت المرأة حقوقها، وبدأ المجتمع بتقبّل الواقع الجديد تدريجيا، لما فيه مصلحة المرأة التي يقع على عاتقها تربية الأجيال.

"المطلّقة" عنوان يفتح ملفّات اجتماعيّة ساخنة، ويضعها على طاولة النقاش بامتياز، إذ ضرب السّلحوت أكثر من عصفور واحد بحجر واحد. تطرّق من خلال روايته إلى عدة أمور، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه من خلال أحداث واقعيّة تناولها بنظرة ثاقبة، أهدافها واضحة، وعرضها بأسلوب مقنع وشيّق، ولغة السهّل الممتنع.

رسالة أراد أن يوصلها للقارىء وهي أنّ حياة " المطلّقة" لا تنتهي بانفصالها عن زوجها، بل قد تكون البداية لحياة أفضل تجد فيها نفسها، وتكون بذلك قد صلّحت خطأ دفعت ثمنه غاليا خلال فترة زواج غير موفّق، ذاقت فيه الأمرّين، كما حصل مع جمانة، إذ ضغط عليها والدها بالزّواج من أسامة، الذي قام بانتهاك إنسانيّتها، دون إدراكه لذلك. فقد كان جهله وتفسيره وفهمه الخاطىء لتعاليم الديانة الإسلامية وراء ذلك، على الرغم من أنّه درس الشّريعة الإسلامية، كان يمارس انتهاكاته بحق زوجته باسم الدّين.. اعتقد أنّه على حقّ في كلّ ما يفعل. وحتّى عندما تمّ الطلاق لم يذكر أسامة زوجته جمانة إلا بالخير، ولا زال لا يستوعب سبب طلب زوجته الطّلاق منه، فقد رآها خير زوجة.

وهذا يفتح نقاشا عميقا حول مفاهيم شبابنا وقناعاتهم، وتربيتهم وتنشئتهم والبيئة التي كبروا وترعرعوا فيها، ومدى اطلاعهم على الثقافات الأخرى، وقراءاتهم كتبا لعلماء الّدين والمجتمع إلخ.. فلا يكفي أن يحصل المرء على أعلى الشّهادات الجامعية ليكون إنسانا ناجحا، بل عليه أن يثقف نفسه في عدة مجالات مختلفة، وعليه احترام آراء من حوله والاستماع لهم دون تعصب، فقد يجد الحلّ الأمثل هناك.

أمّا جمانة المطلّقة، والأم لطفل يعيش معها- حصلت على حق حضانته-.. فلم يشكّل لها عائقا لإعادة الارتباط بزوج آخر عرف قيمتها، واحترم إنسانيتها، وقام بواجبها وبواجب طفلها خير قيام.  إذ كان الزّوج المحبّ لها، والأب الحنون لطفلها، وسعى جاهدا أن يعوّضها عن معاناتها مع زوجها السّابق.

وهذه رسالة واضحة للمجتمع، مفادها أن من حق المرأة المطلقة أن تأخذ فرصة أخرى؛ لتعيش حياة تحقق لها سعادتها مثلها مثل الرجل تماما.

أمّا الشّعوذة والجهل فقد كان له نصيب أيضا في الرّواية. كانت أمّ أسامة إحدى ضحايا مشعوذ قذر، استغلها واستباح شرفها، وأخذ مقابل ذلك مبلغا كبيرا من المال، بحجة تخليصها من الجنّ، ولم تكتشفه إلا بعد سقوطها بالرّذيلة.

جاء في الرّواية العديد من التساؤلات حول زواج الانس من الجن.. وجاءت الإجابات المختلفة على ألسن عدد من شخوصه دون تدخّل الكاتب، ودون أن يضع لسانه في فم أيّ من الشخوص، وبذلك يطرح موضوعا في غاية الأهمية لمجتمع يؤمن بهذا الأمر، ولا زال يبحث عن الإجابه. لقد كان ذلك في صالح الرّواية.

أمّا زواج المثليين فقد كان له نصيب أيضا، تم طرحه على المستوى الفسيولوجي والاجتماعي والدّيني أيضا بشكل موفّق.

وفي الختام.. نجح الكاتب أن يكون موضوعيّا.. فصوّر في روايته المرأة الطيّبة وصوّر المرأة الشّيطانة، وكان هناك الرّجل الطّيب وكان أيضا الرّجل الشّيطان، فهذا هو المجتمع خليط من الخير والشّر، وعلى كل شخص أن يدفع ثمن أخطائه وسلوكياته كفرد في المجتمع، وليس لنوعه الاجتماعي، كان ذكرا أو أنثى، وقد أنصف السّلحوت بذلك المرأة كما هو دوما، عندما أعطاها حقّها في نصوصه الأدبية، التي تسعى دوما لتحقيق العدالة.

وكتب رائد محمد الحواري - صدرت رواية "المطلقة" للأديب المقدسيّ جميل السلحوت قبل أيام عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيلي محمّد نصرالله ومنتجها شربل الياس في 192 صفحة من الحجم المتوسّط.

عندما يطرق الأدب مسائل اجتماعيّة فإنّه يكون قريبا من النّاس، من لغتهم، ثقافتهم، طريقة حديثهم، سلوكهم، وهذا يتطلّب من الأديب أن يتحرّر من لغته العالية، وأن يكتب بلغة شخصيّات الرّواية،  وهذا لا يعني فقدان العمل الأدبيّ قيمته الأدبيّة، بل يؤكّد على أدبيّة العمل، الذي يُقدّم بطريقة تنسجم وطبيعة الشّخصيّات وثقافتها.

تتحدّث الرّواية عن "جمانة" التي تطيق ذرعا بزوجها "أسامة" المتزمّت دينا، والذي يحمل أفكارا تكفيريّة متطرّفة عن المرأة، بعد عودتهما إلى القدس وطفلهما "سعيد" من السّعوديّة حيث يعمل، تقرّر "جمانة" طلب الطلاق من زوجها، الذي عاملها كجارية في غربتها، ورغم أنّها لم تكشف  تفاصيل كثيرة، إلّا أنّها أوصلت فكرة ضرورة طلاقها لأهلها وللمتلقي، وهنا يتمّ (طرق جدران الخزّان)، امرأة تطلب الطّلاق وتسعى له متخلّية عن كلّ حقوقها مقابل أن تنال حرّيّتها، رغم أنّ المجتمع لن يرحمها  كمطلقة، إلّا أنّها تصرّ على الطّلاق الذي تحصل عليه بعد صراع مع أسام وفاطمة أمّه. هذا هو الحدث الرّئيس في الرّواية، والذي يبني عليه السّارد أحداث قصّته،  ويضيف شخصيّات عديدة، "تغريد" أخت "جمانة"، "لطيفة" أمّها وأبوها "عيسى"، رأفت شقيق أسامة، وأبوه سعيد ـ الشّخصيّة الأضعف في الرّواية ـ، سوزان، "صابرين"، وعائشة المطلّقة بسبب غشاء بكارتها المطاطيّ والأرملة، الأسير المحرّر "فارس"، الدّكتورة أميرة، الدّكتور فريد وشقيقه "رمزي"، مأمون المخنّث وأمّه صبحة، إضافة إلى أمل ومنى شقيقتا فريد ورمزي، فشخصيّات الرّواية تمثّل شرائح المجتمع المختلفة، وبما أنّ الشّخصيّات شريحة اجتماعيّة فهي تستخدم الأمثال الشّعبيّة بكثرة، كحال أفراد المجتمع، فهناك العديد من الأمثال جاءت على لسان الشّخصيّات كافّة، وتكاد لا توجد شخصيّة لم تتحدّث بالأمثال، وهذه إشارة إلى (اجتماعيتها) وقربها من نبض عامّة النّاس، كما أنّنا نجد الثّقافة الدّينيّة حاضرة عند الجميع، إذا ما استثنينا "مأمون" المخنّث، لهذا نقول أنّنا أمام رواية اجتماعيّة واقعيّة بامتياز.

وإذا ما توقّفنا عند المطلّقتين "جمانة وصابرين" وطريقتها في مواجهة المجتمع والضّغوط الأسريّة والاجتماعيّة، سنجدهما أقوى وأصلب من "أسامة ومأمون"، فالأوّل فشل في زواجه مرّة ثانية، ولم تقبل به أيّ  امرأة إلّا صابرين التي قبلته على مضض بعد أن أنهكها الخطّاب المسنّون العجزة، فقبلته قائلة: "بلاء أهون من بلاء وكساح أهون من عمى"، "شابّ يبهدلني ولا ختيار مخرّف يدلّلني" ص182، أمّا "مأمون" المخنّث فقد رفضت أمّه استقباله وتبرّأت منه عائلته، من هنا نجد أنّ النّساء في الرّواية، كن أقوى وأكثر أهمّيّة من الرّجال، وهذا ينسجم مع عنوان الرّواية "المطلقة".

استطاعت"جمانة" أن تكمل تعليمها العالي،وأن تحتفظ بابنها "سعيد" وأن تتزوّج من المهندس "رمزي"  الشّابّ الأعزب، بينما "أسامة" تزوّج من "صابرين" المطلّقة، وهي بهذا تتفوّق ـ اجتماعيّاـ على طليقها أسامة. وبالنّسبة  ل"سيعد أبو أسامة" فإنّنا نجده شخصيّة ضعيفة يخضع لزوجته القويّة "فاطمة/أم أسامة"، التي تهينه في كلّ كبيرة وصغيرة، وإذا أخذنا ما قامت به عندما "تجمّلت وتزيّنت" وذهبت إلى  المشعوذ "الشّيخ عديّ" وقبلت أن يضاجعها دون تردّد! مبرّرة ذلك بضعف زوجها جنسيّا! إذن النّساء في الرّواية أقوى من الرّجال، فالأحداث متعلقة بهنّ، وما الرّجال إلا كواكب تدور حول شموسهنّ.

جمانة

الشّخصيّة المركزيّة في الرّواية، فهي تتجمّل بصفات المرأة النّاضجة والقويّة والعارفة لمصلحتها، فهي عندما طلبت الطّلاق كانت تتحدّى المجتمع قبل زوجها، فبعد أن حضر أسامة لتهدئتها وردعها عن قرارها، خاطبته بقولها: "لا حاجة لدار الفتوى أو لغيرها، فلن أعود إلى عصمة أسامة تحت أيّ ظرف، فالحياة معه مستحيلة... لقد خبرته عامين كاملين، تعامل معي فيهما كجارية سجينة، هدر كرامتي واستباح إنسانيّتي، ولولا الغربة في السّعودية لما عشت معه أسبوعين وليس عامين " ص17و18، بهذا الحسم تحدّثت "جمانة"، فهي لم تكن منفعلة بقدر ما حسمت أمرها، واتّخذت قرارها بالإنفصال عن زوجها، مهما كان الثّمن، فحريّتها وكرامتها أكثر أهمّيّة عندها من كلّ شيء.

وعندما حاولت أمّها "لطيفة" إقناعها "بأنّ الزّوج سترة"، ردّت عليها بمثل شعبيّ: "العزوبيّة ولا الزّيجة الرّديّة" ص25، وهذه إشارة أخرى إلى أنّها امرأة تعرف ما تريد، وتتقدّم بثبات نحو هدفها لخلاص من زوجها أسامة.

ورغم عتبها ولومها لوالدها، كونه السّبب الرّئيس لزواجها من أسامة المتديّن التّكفيريّ امتزمّت، إلا أنّه خاطبته بودّ وهدوء عندما ناقشها عن سبب قرارها  بالطلاق من "أسامة": "..لم أنج من كيد أمّه حتّى في ليلة الدّخلة، احتملت ذلك طلبا للستّر، وكي لا أجلب لكم المتاعب،...الحياة معه أصعب مما تتصوّرون، قراري ليس متسرّعا، ولا هو ردّة فعل على تصرّف عابر، وإنّما هي تراكمات لا يحتملها بشر، لذا لا داعي للتّريّث" ص27، مرّة أخرى تتجاوز "جمانة" أحد الموانع من أمامها بطريقة لبقة وهادئة، وتثبت صواب وأهمّيّة قرارها وإصرارها عليه.

وعندما حاولت أمّ أسامة الضّغط على جمانة من خلال خطف ابنها "سعيد" من حضن جدّته لأمّه لم ترتبك، ولم تنفعل، بل تصرّفت بحكمة وعقلانيّة، فذهبت إلى المحامي الذي أعاد طفلها إليها، وعقّبت على تصرّف أمّ أسامة هذا بقولها: "أنا اليوم لبؤة أعرف ما علينا وأعرف ما لنا أيضا" ولن أسمح لأحد بأن يتطاول علينا" ص47، إذن نحن أمام امرأة ثابته، تستطيع مواجهة المصاعب والأحداث القاسية، وأن تتصرّف بحكمة وهدوء.

تذهب أسامة مع والدته إلى المشعوذ الشّيخ عدي بن كعبح (ليفك السّحر) العالق بجمانة، يعطيه رقمها ليتّصل بها: "..أنا عالم روحانيّ، وأريد أن أقابلك، فقد علمت بمشكلتك من زوجك أسامة، وهذه المشكلة لن تجدي لها حلولا إلّا عندي.

ردت عليه جمانة فورا:

"من تدخل فيما لا يعنيه لقى ما لا يرضيه" وأغلقت الهاتف" ص 78، وهذا مشهد آخر يبيّن وعيها وقوّتها وصلابتها، وإصرارها على قرارها وقناعتها به.

ولم تقتصر قوّتها على المواجهة الاجتماعيّة بل تعدّتها إلى المواجهة الاقتصاديّة، فهي ليس لها أشقّاء، بل هناك شقيقتها "تغريد" فقط، لهذا كان عليهما أن تعملا لتأمين مصاريف البيت والأسرة: "ما بعد الضّيق إلا الفرج"، وقد حان الوقت ليستريح الوالد، فلكلّ مرحلة عمريّة متطلبات، فصحّته ما عادت تساعده على العمل، وبفضل الله وبسهر الوالد وشقائه، أتممنا أنا وتغريد مرحلتنا الجامعيّة الأولى، وحصلت كلّ منا على عمل يناسبها، ويسدّ تكاليف الحياة" ص90،  بهذا القول تنسف جمانة فكرة ضعف المرأة وعدم قدرتها على الإنتاج، فهي تتحدّث (كرجل) يتحمّل المسؤوليّة الاقتصادية للأسرة وبصدر رحب، وبهذا تقدّم نموذجا للمرأة الحقيقيّة، والمرأة التي تكوّن ذاتها، بعيدا عن سطوة المجتمع الذّكوريّ ومفاهيمه المهترئة.

وعندما يجتمع المحكّمان اللذان عيّنتهما المحكمة الشّرعيّة؛ لبحث قضيّتها مع أسامة، ويسألها أحدهم عن سبب طلبها الطلاق، تردّ عليه بثقة: "البيوت أسرار، وأسامة والد ابني، لن أغتابه ولن أشهّر به، لكنّني لن أعود زوجة له" ص97، إذن نحن أمام امرأة ملتزمة أخلاقيّا حتّى لمن أساء إليها،  وتكتفي بأن تطلب الطّلاق، دون الدّخول في التّفاصيل والأسباب.

فاطمة أمّ أسامة

بمقدار ما كانت"جمانة" ملتزمة أخلاقيّا تجاه زوجها، كانت أمّ أسامة  على النّقيض، فهي امرأة مجبولة على الحقد والعنف والشّرّ، بحيث يصعب إصلاحها، حتى بعد ندمها على فعلتها القبيحة مع المشعوذ "عدي"، ومحاولتها لإصلاح ذاتها، لكنّها سرعان ما تراجعت إلى أخلاقيّاتها السّابقة،  متّخذة العناد نهج حياة لها.

وهنا يظهر لنا الفرق بين إصرار "جمانة" وعناد فاطمة أمّ أسامة، الأولى وصلت وحقّقت رغبتها في الحياة السّويّة، والثّانية استمرّت في غيّها، حتّى غرقت في الزّنا رغم سنّها الكبير، ورغم أنّها أصبحت جدّة! لهذا يمكن للقارئ أن يفرّق بينهما، فهما بمثابة الخيط الأبيض والخيط الأسود. 

ونتطرّق لنماذج من أقول أمّ أسامة لمعرفة طبيعتها الشّرسة العنيفة، في بداية طلب "جمانة الطلاق" تخاطب ابنها: "لو كنت رجلا لما احجتنا لتدخّل الإمام أو غيره، اسمع يا أسامة، إن كنت ابني حقّا فلن تعود بنت لطيفة زوجة  لك، وسنزوّجك فورا ممّن هي أفضل منها، هذه سوزان  بنت خالتك رائدة" ص23، ولم يقتصر شرّها على الكلام فقط، بل وصل الفعل، فقامت بخطف  حفيدا سعيد بن جمانة من حضن جدّته لأمّه، مستند على مقولة "جحا أولى بلحم ثوره" ص46، وبعد فشلها في الاحتفاظ بسعيد، وحبسها لأربع وعشرين ساعة بتهمة الخطف، تعود إلى البيت هادرة: "هل بنت أمّ ريالة أم... سافر لعملك واتركها "معلقة" حتّى تموت بغيظها، وسنزوّجك أفضل منها" ص54، وتتوّغل أكثر في عنادها، فتقرر الذّهاب إلى المشعوذ "الشّيخ عديّ" الذي يضاجعها بحجّة إخراج الجنّيّ من جسدها، فقبل أن يعطيها موعد جلسة العلاج القادمة: "قفزت من مكانها.. حوّطته بذراعيها وقبّلته بعمق، وهي تجلس في حضنه، رفعت ملابسها حتى بان نهداها، تحسّس أعضاءها  الحسّاسة وقال لها: من غير اللائق أن نعملها الآن، فربما يصدر منك آهات يسمعها ابنك، وهذا سيفسد العلاج، انصرفي الآن، وعودي غدا في السّاعة الثانية ظهرا" ص76، إذن هي تعلم أنّها سيمارس الجنس مع رجل غريب، ومع هذا ذهبت إليه في الموعد المحدّد  وكأنّها عروس  في ليلة دخلتها، وبعد أن قضى وطرا منها، بدأت "تلوم نفسها على فعلتها الشّنيعة" ص94، وبدأت تتغيّر إيجابيّا، لكن هذه الإجابية لم تستمر، فما أن سمعت بأن "جمانة" ستتزوّج حتى عادت إلى عهدها القديم، إلى شراستها وحقدها وحسدها: "يجب أن يتزوّج أسامة قبل بنت "أمّ ريالة" فلا يليق بنا أن تتزوّج طليقته مرّة ثانية قبله" ص180، هذه صورة المرأة السّلبيّة، المرأة التي  تتحكم فيها غريزتها، فبدت امرأة قبيحة، نشازا، لا يمكن التّعاطف معها بأيّ شكل.

المكان

بما أنّ أحداث الرّواية تجري في القدس،  فلا بدّ من الحديث عن  المكان والاحتلال، "فارس" الأسير المحرّر يحتاج إلى عملية زرع كبد، تتبرّع أمّه بكبدها، ويتم تأمين مصاريف الزّراعة التي ستتم في الأردنّ من قبل احد  أغنياء المدينة، لكن  عند الجسر يمنع المحتلون فارس من المغادرة بحجّة المنع الأمنيّ، ويعود إلى القدس؛ ليقضي أيّامه الأخيرة فيها: "عند جسر "اللنبي" رفض الجانب الإسرائيليّ السّماح بعبور فارس بذريعة الأمن، لم يجد مندوب الصّليب الأحمر من يستجيب لطلبه بتسهيل عمليّة المرور، وأُجبرت سيّارة الإسعاف على العودة، لكنّ حاجز "الزّعيّم" عند مدخل القدس الشّرقيّ لم يسمح جنود الاحتلال بدخول فارس إلى القدس، ليرقد في مستشفى المطلع لعدم وجود تصريح ساري المفعول، يسمح له بدخول القدس" ص144، ليتمّ نقله إلفى مستشفى رام الله، وهكذا يتمّ (قتل) فارس من خلال عدم السّماح له بالذّهاب للعلاج.

مشكلة الفلسطينيّ لا تقتصر على  ممارسات الاحتلال الآن فحسب، بل فيما فعله في الماضي أيضا، فأينما ذهب الفلسطيني يجد مأساته أمامه، فدولة الاحتلال قامت على حساب فلسطين وشعبها، عندما تقوم "جمانة ورمزي" أثناء خطبتهما برحلة استجمام  ليافا، تأخذ بالبكاء، توضّح سبب بكائها لخطيبها "رمزي":

"...أبكي فردوسنا المفقود، هل تعلم يا رمزي أن أبي ورث بيتا عن جدّي  في هذه المدينة، وشرّدوا منه ومن أرضنا  مع من شرّدوا من أهل المدينة في نكبة العام 1948، وأنّ غالبية عائلتنا وأقربائنا وأهل مدينتا قد غادروا بيوتهم على السّفن إلى لبنان" ص177، فالمأساة الفلسطينيّة باقية وحاضرة، حتى في المكان والوقت الذي يفترض أن يكون للفرح والبهجة، فالاحتلال  هو الغصّة التي تقف في حلوقنا وتمنعنا من ا(التّنفس) بحرّيّة.

وكتب د.صافي صافي - من المتعارف عليه إلى حد ما، أن هناك عدة وظائف للفن، ومنه الأدب: تحسين الذائقة الفنية وتطويرها، إعمال العقل، ربط الجمال بالحياة، التفكير والتفكير الناقد، التأمل في الذات والذوات التي حولنا، تقدير الجمال، اتخاذ موقف بين الشر والخير، ....الخ

إن أي عمل أدبي، يحمل رسالة، والرسالة هي فكرة، والفكرة لها قيمة، والقيمة لها مكانة، والمكانة تقع في أعلى سلم الهرم أو قريبا منه، والهرم هو معرفي، والمعرفة تقع في ثلاثة مجالات هي: المعرفة، والوجدان، والنفسحركي. وهرم المعرفة يبدأ من الحفظ فالاستيعاب فالتطبيق فالتحليل فالتركيب فالتقويم فالاتبكار. وفي الابتكار تكون الكتابة الإبداعية، التي تتضمن للمبدع كل المستويات التي تحتها، وعلى ذلك سأحاول محاكمة روايتي الكاتب جميل السلحوت.

وأوكد أن السلحوت لا تغيب عنه مثل هذه الأمور، بل هو يحملها، كما أعرف من خلال اللقاءات معه، ومن خلال كتاباته النقدية لأعمال آخرين، في الشعر والقصة والرواية والمسرحية، وفي المقالات الأدبية والصحفية. يعني ذلك، أنه رغم أهمية التفاصيل، وهي في كل الأحوال مهمة، فإننا نبحث عن سياقها وأهدافها في تحريك العقل للتفكير والتفكر، ليس فقط في فترة قراءة الرواية، بل لتمتد، ونحملها معنا أطول فترة ممكنة.

هكذا نتذكر الروايات العالمية المشهورة، فلا ننساها، وتصبح جزءا من ثقافتنا، نستشهد بها، ونحكم على سلوكنا وأقوالنا وفق أحكامها.

إذا يبقى السؤال المشروع: ما هي الأفكار الكبرى التي حاول جميل السلحوت بثها من خلال روايتيه؟

ربما يتوقف البعض عند فكرة الظلم الذي لحق بالمرأة اجتماعيا وثقافيا وممارسة، والدليل على ذلك عنوان الروايتين، أو الشخصيات النسوية التي تناولها. إذا كان كذلك، فإن السلحوت يقصد أن نعمل على تغيير هذه الثقافة والممارسة، لتكون أفضل، متحررة من الماضي المقيد، في الطريق لتحرير المجتمع، فالمرأة مثل الرجل، وإن اختلفا بيولوجيا ونفسيا.

ربما يتوقف آخرون عند تفاصيل الحياة الاجتماعية، خاصة في مراسيم الزواج ابتداء من اختيار العرسان، فالخطبة، فالحفل، فالزواج، وبذلك يصبح مؤرخا أو شبه مؤرخ، لننظر إلى الماضي، ولننظر إلى المستقبل، ورغم أحقيتهم في اختيار هذه الفكرة، فإنها ليست وافية، اذ يمكن أن تكون هذه في مجالات أخرى غير الفن الروائي.

وربما يتوقف طرف ثالث، عند المكان، القدس وما حولها، باعتبار المكان هو المنتج لكل المعتقدات والعادات والتقاليد، ويعتقد البعض أن الصراع في هذه المنطقة هو المكان، فهي أرض المنشر والمحشر، ولا بد من التركيز عليه، فمكانة المكان هي  همّنا، وما البشر الذين يعيشون عليه، سوى استكمالا له، فهو يدرس المسألة بطريقة فنية روائية، لكن في ذهنه، هذا المكان بالذات، الذي تدور حوله الصراعات الدينية والسياسية والاجتماعية، ورغم حقهم في هذا التفكير، فإنها أيضا ليست وافية.

وربما يتوقف طرف رابع، عند فرص العمل التي لا تتوفر في بلادنا، وبالتالي اضطرارنا للهجرة للتكسب في الخارج، كما فعل أسامة في السعودية، حتى لو كانت على حساب تعبه وبخله وغربته، فغيابه لعدة سنوات، ربما يوفر له مستوى أعلى مما هو فيه، هو وعائلته وأهله. وما العادات والمعتقدات الجديدة إلا ثمن هذه الغربة، باعتبار أننا أنقياء أوفياء، لكن الفكرة أوسع من ذلك.

وربما يتوقف طرف خامس عند الحياة بعد الهجرة، والتمازج الثقافي والاختلاف، ومن ثم المصاهرة، وتعلق المهاجرين اللاجئين بالتعليم حماية وسندا، وما آلت إليها الأمور بعدها، فاللاجئون هم أكثر انفتاحا (ربما حسب الرواية)، من غيرهم، لكن هذا ليس كافيا، وربما ليست هي الفكرة الرئيسة، فالكل أصبح تحت الاحتلال، جيل وراء جيل، ومنطقة وراء أخرى.

وربما يتوقف طرف سادس، عند الحالات الشاذة (لا يقصد بالشاذة غير المقبولة أخلاقيا، بل مختلفة عن السياق الاجتماعي العام)، مثل المطلقات والحب قبل الزواج، والممارسة خارج إطار الزوجية، والتحول، والمثلية. لكن لم يتم التركيز على هذه المسائل بالقدر نفسه، رغم أن الطلاق، أخذ نصيبا أكبر.

وربما يتوقف آخرون وآخرون عند الصراع الاجتماعي والثقافي في إطار الدين نفسه، بين تيار متشدد تكفيري "يمثله أسامة"، لا يرى الحياة إلا من خرم إبرة، ويرى في العبادات أساسا للدين، ويتسند إلى الإمام ابن تيمية، وعبد الوهاب، ومن الجانب الآخر ما تمثله طليقته جمانة، من تمسّك بالدين وبالحياة، وبانفتاح مناسب حتى لو اصطدم بثقافة الجزيرة العربية، التي رفضت الرجوع إليها، وآثرت الحياة قريبا من أهلها، ومن بيئتها. فأسامة هو نتاج ثقافة هؤلاء، تلك الثقافة التي امتدت، وتعيش الآن بيننا، لتكفرنا وتخرجنا من دائرة المؤمنين.

في هذا الموقف الذي طال معظم مفاصل الروايتين، ربما حاول السلحوت، أن يقول لنا، بأن نفهم الدين بشكله اللين القابل للحياة دون انغلاق، وإن التمازج بين المتشددين والمنفتحين (الأقل تشددا) لا يمكن تحقيقه.

في هذا الإطار، فإن السلحوت، يخبرنا بأن التشدد جاء من خارج فلسطين، من بيئة صحراوية بدوية، ترى في المرأة إناء للتفريغ والتفريخ، غير قابلة للانفتاح على ثقافة الأدب والعلم، بينما التمسك بالدين بطريقة حضارية مقبولة يكون في بلاد الشام، في بلاد الرباط وأكناف بيت المقدس. هل يعني ذلك بأن الصراع القادم هو بين ثقافتين دينيتن، الأولى الجزيرة العربية والثانية هي بلاد الشام؟ لا أعرف. هل يعني أن الصراع القادم، سيكون محصورا بين هاتين القراءتين، وغابت وراءهما القومية واليسارية والليبرالية والليبرالية الغربية؟ هل غاب أيضا أثر المستعمر في تغيير ثقافتنا، وعاداتنا؟ هل خلقنا نموذجا خاصا مختلفا تماما عن الثقافة البدوية؟ ربما قصد ذلك.

ربما أميل أنا للموقف الأخير، ولي من الشواهد الكثيرة، لأثبت ذلك، أهمها اعتماد كل الأطراف على الآيات القرآنية والأحاديث، لاثبات وجهات النظر، ومنها أيضا مدى التمسك بالعادات والتقاليد المتبعة في هذا المجتمع وما حوله.

بالطبع غابت الكثير من القراءات في هذين النصين، مثل السياسية والفكرية والاستعمار، رغم وجودها بشكل طفيف هنا وهناك.

ربما تكون هذه القراءات التي أوردتها، هي قراءتي أنا وحدي، فلا يتفق معي أحد، وله الحق في ذلك، لكن يمكن أن تكون هناك قراءات أخرى أكثر عمقا وجمالا.