أصل الحكاية
تاريخ النشر : 2020-09-27 13:34

في مطلع العام 2000 حيث كنت اعمل صحفيا و باحث ميداني لحقوق الانسان كان لنا ورشة عمل في رام الله نظمها المركز الفلسطيني لادارة الازمات الذي كان يرأسه الدكتور علي صافي وعند الانتهاء منها اتفقنا مع بعض الاصدقاء من الذين يعملون معنا في الضفة الغربية بزيارة للمدن الفلسطينية في الداخل المحتل.

توجهنا صباحا من فندق روكي الذي كنا نقيم فيه في منطقة المصيون برام الله الي مدينة القدس حيث توجهنا مباشره الي البلدة القديمة عبر باب العمود للصلاة بالمسجد الاقصي ورؤية الصخرة المشرفة ومن هناك الي كنيسة القيامة التي تقع داخل البلدة القديمة والمحاذية للحي الاسلامي وهي من اهم الكنائس بالعالم ويشرف علي فتحها واغلاقها عائلة نسيبة المسلمة المقدسية وهذا يرسم صورة جميلة عن مدي التآخي والتعايش الاسلامي المسيحي في فلسطين.

ان السير في حواري البلدة القديمة

حيث الحي الاسلامي والحي الارمني والحي اليهودي الذي اقيم بعد العام 1948 علي انقاذ حارة شرف العربية ولا يمكنك مغادرة القدس المحتلة دون ان تحتسي فنجان من القهوة عند محمص ازحيمان العريق وتتناول الكنافة النابلسية عند جعفر في البلدة العتيقة التي تشتم من اسوارها وحواريها وحجارتها عبق التاريخ ولايمكن ان تجد مدينة في العالم ترتسم فيها صورة الصراع علي الرواية والمكان كما تتجسد في القدس.

وبعد ان إنتصف النهار غادرنا المدينة وحالة من الحزن تجتاحنا جميعا باتجاه الساحل الي مدينة يافا التي احب،

وما ان وصلنا الي قلب مدينة يافا حيث ساحة الساعة العريقة ومخبز سعيد ابو العافية الشهير حيث يقوم باعداد المناقيش بالزعتر والجبن والبيض وتجد أعدادا كبيرة من السياح الاجانب يصطفون لتناول المناقيش وهي من الآكلات الفلسطينية المميزة ومن ثم سرنا باتجاه الشمال حيث حي المنشية وكان يعتبر من اكبر أحياء يافا وهو الحي الذي هاجرت منه عائلة زوجتي بعد النكبة ولم يتبقي منه الا مسجد حسن بيك المطل علي البحر ومحطة القطار حيث تم هدم الحي بالكامل في العام 1948 بعد ان هاجمته العصابات الصهيونية ومن هناك عدنا باتجاه دوار الساعة وبمجرد ان تنظر باتجاه البحر حتي تقع عيناك علي بناء قديم يعج بالتاريخ وهي كنيسة مار يوسف حارسة البحر ومن هناك الي جهه الجنوب تصل الي الحي اليافاوي العريق حي العجمي والذي ما زال يقطنه المواطنون العرب الفلسطينيون الذي بقوا هناك . تشاهد البيوت العتيقة الشامخة التي تدل علي أصالة المكان والناس سواء الذين هاجروا نتيجة القتل والقصف والارهاب أو الذين بقوا في المدينة ونجو من الحرب .، واذا ما استدرنا الي جهه الشرق فتري حي النزهه الجميل وبعد ذلك حي ابو كبير الذي لم يتبقي منه شي وتم تدميره بالكامل وتهجير اهله.

ولا بد للزائر لمدينة يافا ان يذهب باتجاه البحر ليري ما تبقي من ميناء يافا الذي كان في يوم من الايام بوابه فلسطين الي العالم عبر تصدير البرتقال اليافاوي الشهير الي اوروبا وكثير من المنتجات التي كانت تصنع هناك.

في المساء عدنا الي مدينة رام الله للمبيت هناك وفي اليوم التالي استقلينا الحافلة وتوجهنا الي الداخل الفلسطيني حيث بعد خروجك من مدينة رام الله اول ما يصادفك من القري والبلدات المهجرة قرية رأس العين المهجرة ومن ثم تواصل الحافلة السير حتي الوصول الي المثلث الفلسطيني بمدنه العربية الاصيلة حيث ينقسم المثلث الي قسمين المثلث الجنوبي ويضم كل من كفر قاسم وجلجوليا وكفرا برا وقلنسوةوالطيبة والمثلث الشمالي
ويضم كل من كفر قرع وباقة الغربية وام الفحم وكنا قد التقينا هناك بشخصيات شعبية ونشطاء ممن يعملون بمؤسسات من المجتمع المدني وعند موعد الغذاء توجهنا الي مدينة طمرة في الجليل حيث تناولنا طعام الغذاء في مطعم ومنتزه طمره وبعد ذلك واصلنا الطريق الي مدينة حيفا.

عند وصولك الي مدينة حيفا تجد ان وجهها الي البحر وظهرها الي جبال الكرمل وهو ما يضفي عليها مزيدا من السحر والجمال ، ومن الاحياء العربية في حيفا حي وادي النسناس ومحطة الكرمل وحي عباس ووادي الصليب وهي الاحياء التي بقيت بعد النكبة وهناك علي البحر تجد حديقة البهائيين وبها قبر بهاء الدين مؤسس الديانة البهائية ويزورها السائحين من كل انحاء العالم وتضم الحديقة في ثناياها اجمل انواع الورود واغربها من كل بقاع الارض وياتي اليها اتباع الديانة البهائية كونها تضم المركز البهائي العالمي كرمز ديني ياتوه للحج حسب معتقداتهم ،وقمنا بزيارة مسجد الاستقلال الذي تم بناءه من العهد العثماني ودير الكرمل وكنيسة مار الياس والبنك الانجليزي الفلسطيني وهو من زمن الانتداب البريطاني في فلسطين واثناء عبورنا لجبل الكرمل الذي تغطية الاشجار الخضراء والمطل علي البحر المتوسط راينا سجن الدامون والذي يقال انه تم تشيده في العهد البريطاني وما زال الي الان يقبع بين جدرانه خيرة ابناء شعبنا، وعلي بعد 12 كيلو متر عن حيفا توجد بلدة فلسطينية اسمها عتليت كان الاحتلال البريطاني زمن الانتداب اقام علي اراضيها معسكر للجيش وعند احتلال اسرائيل لفلسطين تم تحويل المعسكر الي سجن عتليت وكنت قد اعتقلت به في العام 1988 خلال الانتفاضة الاولي،ويوجد في عتليت قلعة تاريخية شيدت علي ساحل البحر وتعرف بقلعة عتليت وما زالت اثارها باقية حتي اليوم،

وبعد ذلك توجهنا شمالا الي مدينة عكا حاضرة البحر والتي تحطمت احلام نابليون بونابرت علي اسوارها وما يميز مدن الساحل كيافا وحيفا وعكا انها مدن مختلطة بمعني يسكنها العرب واليهود علي عكس مدن المثلث التي هي مدن عربية خالصة، وما ان تصل عكا حتي تري اسوارها العظيمة التي ترتطم بها مياه البحر ليل نهار وبعد ان دخلنا الي عكا القديمة التي تضم بين اسوارها مسجد الجزار وخان العمدان و ميناء الصيادين الذي يوجد به العديد من مطاعم الاسماك والطعام البحر وياتي اليه الزوار من كل مكان وخاصة من يرغبون بتناول الاسماك علي مختلف انواعها وحين تسير في سوق عكا القديم تري المنحوتات الخشبية والنحاسية والفخارية هي يدوية الصنع يمارسها حرفيون من ابناء عكا وعند المساء تري منظر غروب الشمس وهي تبداء بالغوص في الماء وانت تجلس علي سور عكا وبعد ذلك غادرنا المدينة التي يقع في حبها كل من يزورها عائدين الي رام الله .

وفي اليوم الثالث والاخير من برنامج الزيارات كان باتجاه الغور الذي يعج بأشجار النخيل والموز علي امتداد الطريق وصولا الي طبريا ومنها صعودا باتجاه هضبة الجولان السوري المحتل والذي يمتلا بمزارع التفاح والكرز وبعد ان انتهينا من الصعود للهضبة ونظرنا الي الغرب كانت بحيرة طبريا وواصلنا المسير حتي وصلنا الي قرية مسعده وهي من القري العربية الدرزية الثلاث الموجودة في الجولان وبها تقع بحيره رام او بحيرة مسعدة وشكلها دائري ومن ثم الي بلدة بقعاتا ومنها الي مجدل شمس القرية العربية الدرزيه السورية حيث الحدود مع سوريا وبالنظر الي جهه الشمال تشاهد جبل الشيخ ومن الجنوب نهر اليرموك الذي يفصل هضبة عجلون في الاردن عن سوريا وفي مجدل شمس تم تشيد نصب تذكاري وسط القرية يرمز الي نضال وكفاح الشعب العربي السوري في الجولان وايضا يوجد في الجولان قلعة النمرود التي شيدها الصليبيون، واثناء الانتهاء من الزيارة وفي طريق العودة توقفنا بجوار نهر الحاصباني نسبة الي بلدة حاصبيا في الجنوب اللبناني والتي ياتي منها ويجتاز الحدود مع فلسطين وتاتي مياهه من ذوبان الثلوج من قمة جبل الشيخ ومن عده ينابيع في جنوب لبنان وهو من اهم مصادر المياه التي تغذي نهر الاردن وبحيرة طبريا وهناك علي جانب النهر التقينا بسيدة عربية ترتدي الثوب المطرز الفلسطيني وتقوم بخبز (الكماج) في الطابون ومن ثم تضع فيه اللبنة المصنعة محليا وتقوم ببيعه للمارين من هناك والذين يأتون ليجلسوا علي ضفة النهر وقد عرفناها علي انفسنا ففرحت كثيرا بنا وقدمت لنا مما كانت تصنع من طعام وحين سألناها من أين انت ....أجابت انا اصل الحكاية .