العشائرية صمام أمان ام نذير فلتان
تاريخ النشر : 2020-09-26 15:23

العشيرة قديمة قدم تشكل المجتمعات يربطهاعلاقات الدم والرحم والمصاهرة والقربى وهى مؤسسة اجتماعية مهمة وفاعلة بخلاف العشائرية التى هى نمط تفكير، ايدلوجية،سلوك وعقلية تسعى إلى توظيف واستخدام العشيرة لخدمة أفكار وتوجهات او مصالح محددة وهى مرض خطير قاتل يفتك بالنسيج المجتمعى ويهدد السلم الاهلى بل يصطدم مع قيم الحداثة والمدنية والتقدم،هى نظام حكم خارج نطاق القانون والدولة على حساب المواطنة والعدالة والحريات.

الثورة والمواطنة تعنى تجرد الإنسان من انانيته من قبيلته وعشيرته وعائلته ،الثورى هو من يخلع الثوب العائلى والقبلى ويرتدي الثوب الأكبر الضام والجامع والموحد لكل المكونات و الفسيفساء المجتمعية أنه ثوب الوطن والثورة والقضية ان الدعوات المشبوهة وتضييق افاق وممرات الانتماء وحصرها فى الانتماء العشائري ومحاولات إحلال الهوية العشائرية والانتماء القبلى وعلاقات القربى محل الهوية الوطنية والمجتمعية هو فى الحقيقة دفع باتجاه الخلف والوراء و هى دعوات ذباحة للثورة والوطن والقضية والمجتمع.

أجزم ان التجمعات المبنية على العشائرية والقبلية والعائلية هى حتما الى زو ال لانها تحمل بداخلها مقومات فشلها وبذور موتها لانها بالأصل مبنية على العو اطف والمصالح الانانية الضيقة القابلة للتبدل او الاندثار والزوال وهى حتما لا تمتلك أدوات وحوامل ديمومتها ومواءمتها مع المتغير المتطور .

العشائرية ليست قدرا او حالة أبدية هى ليست حالة مقدسة تستوجب التسبيح والحمد ليلا نهارا، لو كانت كذلك لبقيت القبلية والعشائرية هى التى تحكم المجتمعات المدنية فى أوروبا فأين مصير العشيرة والقبيلة فى أوروبا؟ لقد توارى وانزوى الى غير رجعة لصالح دولة القانون والمجتمع المدنى بعد الثورة الصناعية وتحطيم أصنام القبلية والعشائرية ،القرية تمدينت والمدينة تعولمت والبدو استقروا فى دور و قصور كل شىء تغير بسبب الحراك الاجتماعى والمكانى.

ولأن لا شيء يبقى على ثابته فى الكون والحياة فالتطور والتغير متواصل بلا توقف فالمجتمع المشاعى البداءى اندثر وتوارى مع تطور المجتمع العبودى والاقطاعى و البرجوازي وهذا ينظمه قانون نفى النفى على أرضية الصراع بين القديم والجديد من خلال ديلاكتيكية وحدة وصراع الأضداد.

نعم نحن لا نستطيع مناطحة تطور وتمرحل التاريخ فالتاريخ معلم جيد ولكن نحن بحاجة للتعلم واستخلاص العبر والدروس . .

الولاء العشائري والقبلى هو نقيض الانتماء للوطن وقضاياه الكبرى وهذا ما عمل المستعمر الأجنبى واليهودى على تغذيته وتوظيفه عبر مراحل تاريخية مختلفة حيث قامت العلاقة بين العشيرة والسلطة القائمة على التخادم والتصادم وعلى أرضية التوافق والمسايرة بعيدا عن القانون وقضايا الوطن ،ان استحضار القديم البالى لمواجهة الجديد المتطور المعاصرهو بلا شك محاولة خاسرة ولا رهان عليها وانما هى محاولة لاعادة الفشل والعدم .

لعب المستعمر الانجليزى واليهودى على و تر و تغذية النزعات العائلية والعشائرية والقبلية واستطاع التسلل من خلال هذه القناةالفتاكة و التى كانت سبب رئيسي فى إلحاق الأذى والضعف والضرر الكبير بمسيرة النضال الوطنى الفلسطينى وكان هذا واضحا فى الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936حيث الدور التدميرى الذى لعبته بعض العائلات الكبرى والوازنة بقيادة ال النشاشيبى والحسينى وعبد الهادى وحلفاءهم فى إفشال الثورة حين انقلبوا عليها وشكلوا حزبهم المضاد للثورة والذى عرف حينذاك ب "فصائل السلام" حيث كان الدافع للالتحاق بهذه الفصائل هو الوقوف مع القبيلةو العاءلة ضد الثوار الذين ينحدرون من الطبقات الدنيااجتماعيا والفلاحين البسطاء الذين نفذوا عمليات قتل ضد العملاء وسماسرة بيع الأراضىو المتعاونين مع المستعمر الإنجليزى واليهودى وهذا كان محل رفض واستياء وعدم تسليم من هذه العواءل التى كانت ترى فى سلوك الثوار فى قتل أبناءهم من المتهمين والعملاء مساسا بمكانتها الاجتماعية والوطنية ونتيجة لذلك قررت هذه العواءل التحالف مع المحتل الإنجليزى والعصابات اليهو دية من خلال تشكيل " فصائل السلام" التى ساهمت فى الإجهاز على الثورة وتقويضها ،و منذ ذلك الحين بدا ينمو ويكبر نبات الكراهية عبر الأجيال لكل ما هو عاءلى و عشائري وقبلى لادراك الأجيال ان هذا الانتماء كارثى مدمر وعلى حساب الوطن وقضاياه ، ان استبدال الانتماء للوطن بالانتماء للعائلة و العشيرة التى اصلا لا تنتمى إلا لنفسها وحدها ومانفسها الا سلسلة ومجموعة امتيازات أنانية ضيقة ومحدودةعلى حساب المصلحة العليا للوطن وهذا كان حال شعوب الاغريق قديما الذين كانو ا يطلقون على مدنهم اسم ممالك لايعنيهم قضاياالوطن الكبير الام بل جل مايعنيهم كيف يؤمنون حاجة مدينتهم.
ان المطل على مشهد الشعوب العربية وتجار ب الأنظمة معها نلحظ كيف استعانت الأنظمة بل غذت ووظفت وضغطت على أزرار العشائرية والقبلية حسب ضرورات الزمان والمكان، النظام الاردني استعان بأبناء العشائرعندما حصل حراك شعبى فى الاردن حيث عمل النظام على تغذية الانقسام المجتمعى بين اردنى وفلسطينى وادعى أن الفلسطينى يعمل على ضرب الهو ية الاردنية.

فى العراق ومشروع الصحوات المعتمد اصلا على العشائرية والقبلية والذى كان يهدف لضرب المقاومة العراقية ضد المحتل الأمريكى.

فى السودان وتجربة البشير مع الجنجويد وهم قبائل عربية من قبائل دارفور ضد الأفارقة وهم نفسهم او ما يسمى "الدعم السريع" فى مواجهة الثواروالمعتصمين ابان الثورة السودانية .
لا يخفى علينا تجربة اليمن ودور القبلية والعشائرية فى عرقلة مسيرة النمو والبناء والثورة حيث ابقت اليمن فى ظلامات الجهل والتخلف وكذلك الحال فى ليبيا التى كان بامكانها الانتقال لمعارج الرقى و النهضة .

انها لحظة انكشاف الوهم وتجلى الحقيقة الرهيبة التى هى نتاج طبيعى وتحول نوعى لاستزراع نبتة شيطانية تثمر عقلية قبلية عشائرية يجنى قطافها سلطة طرفى الانقسام لبسط النفوذ وادامة الحكم والسيطرة وتعظيم الأرباح الأنانية المتمثلة فى الدعم والمناصرة والاسناد للدرجة التى تحولت فيها بعض العوائل والعشاءر الى محميات من المنفلتين والمتنمرين والقبليين الوقحين والمعتدين على منظومة السلم الاهلى والمجتمعى ان النفخ فى قربة

العشائريةوالقبلية سيؤدى إلى الانقضاض على المجتمع ويقوض ويمزق ما تراكم من منجزات ومكتسبات وطنية تحققت بفضل التضحيات الجسام التى كرست وعززت االروح والعلاقات والقيم الوطنيةبدلا من العلاقات العشائرية و علاقات القربى.

و الحالة كهذه المطلوب تحصين وتمنيع المجتمع وتطهيره من كل رواسب وسيوف الجاهلية والعشائرية القاتلةوقطع الطريق على سواءب القبليين الوقحيين الذين يهددون النسيج المجتمعى بأدوات واشكال واتجاهات مختلفة .ان تعزيز ثقافة الانتماء والولاء للفكرة الجامعة و للوطن الأكبر وقضاياه المصيرية حتما لن يحرف المعركة عن مسارها الأساسى و سيبقى الصراع مفتوحا مع العدو المركزى وكيانه المصطنع الذى عمل ويعمل على تفتيت مجتمعنا وتجريم وشيطنةنضاله الوطنى من خلال قنوات القبلية والعشائرية وروابط القرى ، وغيرها من المسميات، فالوطن أسمى وأهم من العوائل والقباءل والعشائر، ان الواجب الوطنى يملى على الجميع ان ينتمى للوطن الأكبر وقضاياه العادلة ، وعلى سلطة طرفى الانقسام اغلاق الباب و تضييق مساحات النفوذ العشائري والعائلى وتعزيز سيادة القانون والمواطنة ،بدون الهوية الوطنية لا يمكن الحفاظ على منجزات ومكتسبات راكمها وعمدها شعبنا بالدم