سياسات الإقراض ومخاطرها على المواطنين والقضية والمجتمع
تاريخ النشر : 2020-09-25 23:38

وصل مجمل القروض الخارجية والداخلية للسلطة خلال الخمس سنوات الأخيرة نحو 4 مليارات دولار ورغم أن القانون الدولي ينص على عدم وجوب تعدي حجم الاقتراض أكثر من ٤٠% من الموازنة العامة ولكن للأسف السلطة تجاوزت هذا الأمر، ونظرا لغياب رقابة المجلس التشريعي والسيطرة على السلطة القضائية وإضعافها واستسهال حل الأزمات المالية بالاقتراض من البنوك والدول وصناديق الاستثمار بفوائد عالية.

وقد أدى سوء الأداء الاقتصادي وحالة الفساد وغياب الشفافية وغياب استراتيجية اقتصادية وتنموية، إضافة لممارسات وجرائم الاحتلال وتحكمه في الاقتصاد الفلسطيني وعدم تحلل السلطة من اتفاقيات أوسلو وخاصة اتفاقيات باريس ووقف الاحتلال أموال المقاصة، وغياب أي معلومات عن صندوق الاستثمار الفلسطيني ودوره في سد العجز الحكومي وإفراغ صندوق التقاعد من الأموال وعمليات التهرب الضريبي لتحالف رأس المال والسلطة وزيادة الإنفاق الحكومي وتراجع المنح العربية والدولية وزيادة مؤشرات الفساد والفلتان الاقتصادي والأمني وبدلا من إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية وإيجاد معالجات تم التوقف عن استلام أموال المقاصة رغم أنها أموال فلسطينية واللجوء للاقتراض بفوائد عالية وبدون توجبه القروض لمشاريع استثمارية وتنموية.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك مؤشرًا اقتصاديًا خطيرًا يتمثل في زيادة القروض المصرفية للمواطنين والتي بلغت حتى نهاية النصف الأول 2020، 9.7 مليارات دولار حسب إيضاح سلطة النقد وهذا أيضا مؤشر إضافي خطير، لعل ما يفسره ضيق السبل بالمواطنين لتوفير مستلزماتهم الاستهلاكية و الكمالية وخاصة في الضفة الغربية الذي تم بناء فيها اقتصاد "كبتشينو" أما في غزة فتم بناء اقتصاد هجين في ظل هذه النماذج كان الضحية الأولى المواطنين وخاصة موظفي السلطة الذين تم اعادة جدولة قروضهم بفوائد إضافية، بالتالي ارتهانهم ومصالحهم للبنوك والنظام الاقتصادي القائم.
ولعل نسبة عدد المقترضين من البنوك العاملة في فلسطين توضح ذلك حيث بلغ العدد نحو 211.4 ألف مقترض، فيما بلغ إجمالي قيمة الودائع في القطاع المصرفي الفلسطيني 14.9 مليار دولار، بينما نسبة القروض إلى الودائع خلال نفس الفترة 65.1%.

حتى في التسهيلات البنكية التنموية هناك تمييز تجاه مواطنين قطاع غزة، فهو أقل من السقف المأمول, فالسلطة لجأت لحل مشكلاتها الاقتصادية عبر فرض عقوبات على موظفيها في غزة وتقليص فاتورة الخدمات في غزة وفرض قيود على الحسابات وخاصة للجمعيات الاهلية والمواطنين بذرائع مختلفة الامر الذي أدى إلى تراجع الودائع البنكية في غزة وتراجع النشاط الاقتصادي وأثر على زيادة نسب القروض، والفوائد البنكية وإفقار شرائح واسعة من الموظفين العمومين والمواطنين وارتهانهم للبنوك التي تتقاضى أعلى نسب فوائد في العالم، وهذا ما توضحه حجم الأرباح المرتفعة للبنوك وتراجع النشاط الاقتصادي في ضوء غياب رؤية اقتصادية لدى الحكومة من حيث كفاية الودائع عن الدعم الدولي، لو جرى استثمارها في مشروعات اقتصادية مع توفير بيئة قانونية واستثمارية ومؤسسات فاعلة وخالية من الفساد كي تكون ضمان للمستثمرين والمواطنين.

لعل المعطيات السابقة تشير إلى استقصاد الحكومة ورأس المال استمرار تكريس سياسية الإفقار الوطني والإثراء الفردي ورهن الموطنين لسياسات السلطة والبنوك والقطاع الخاص ولقمة العيش او لسياسات الزبائينة للأحزاب والقوي المهيمنة وبما في ذلك استمرار الارتهان للاقتصاد الإسرائيلي طالما بقي الانقسام والأداء الحكومي بلا خطة للفكاك الاقتصادي مع الاحتلال أو التوجه نحو اقتصاد الصمود والمقاومة اقتصاد انعتاقي، وطالما تم إضعاف وتغييب عوامل صمود المواطنين وانتهاك الحقوق الاقتصادية واستمرار الأداء الحكومي الفلسطيني في استسهال الاقتراض، ورفض استلام أموال المقاصة الفلسطينية دونما بدائل سياسية او اقتصادية واستمرار سوء إدارة المال العام وغياب الرقابة والمحاسبة بكل صورها وخاصة الرقابة الشعبية.

وتزيد مؤشرات الفساد في أوساط السلطة الحاكمة وأقطابها، وطالما استمرت انتهاكات حرية الرأي والتعبير والاعتقالات التعسفية على خلفية نقد السلطة أو محاربة الفساد وطالما استمر الانقسام والتفرد في القرار الوطني وغياب مبادئ استقلال القضاء والفصل بين السلطات وسيادة القانون.