كيف انتفض الأوروبيون في وجه العقوبات الأمريكية ضد إيران
تاريخ النشر : 2020-09-25 22:05

واشنطن: يبدو أن السيل وصل الزبى بالنسبة للأوروبيين الذين ضاقوا ذعرا بقرارات واشنطن الأحادية في العلاقات الدولية، كان آخر فصولها فرض عقوبات جديدة على إيران. قرار يدفع نحو عزلَ إدارة ترامب دوليا وعمق الخلافات مع الحلفاء الأوروبيين

و يذكر أن واشنطن قررت فرض عقوبات أمريكية جديدة على 27 كياناً وفرداً إيرانياً في قطاعات الأسلحة النووية والصاروخية والتقليدية. وتتضمن العقوبات أمراً تنفيذياً وقعه ترامب يستهدف الجهات التي تشتري أو تبيع أسلحة تقليدية لإيران. ومن بين تلك الكيانات وزارة الدفاع وهيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية ومديرها مهرداد كتابجي، إضافة إلى مسؤولين كبار في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وكذلك أفراد على صلة بمجموعة "شهيد همت" الصناعية وهي المنظمة الإيرانية المعنية بإنتاج الوقود السائل للصواريخ الباليستية.

وجاء تحرك إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد طهران في هذا الوقت بالضبط بسبب الانتهاء الوشيك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، إضافة إلى الرغبة في بعث رسالة إلى مختلف الأطراف الدولية من أنها إذا قامت بشراء أو بيع أسلحة لإيران، فسوف تواجه عقوبات أمريكية. وبموجب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته إيران مع ست دول كبرى، هي بريطانيا والصين وفرنسا  وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، فإنه من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة التقليدية الذي تفرضه الأمم المتحدة في 18 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

ويذكر أن واشنطن انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/ أيار 2018 بشكل أحادي وأعادت بعدها فرض عقوبات أمريكية على إيران، معلنة استئناف جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريباً على إيران، بما في ذلك حظر الأسلحة، لتصبح سارية المفعول. غير أن الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي وهم باقي أعضاء مجلس الأمن الدولي إضافة إلى المانيا أعلنت بأنها غير معنية بالخطوة الأمريكية معتبرين أن ليس لها أي أثر قانوني.

"سناب باك"ـ انتكاسة واشنطن في مجلس الأمن الدولي

تلقت  إدارة الرئيس دونالد ترامب  انتكاسة كبيرة في مجلس الأمن، حين حاولت تمديد العقوبات على الجمهورية الإسلامية. كما أن المجلس لم يتجاوب مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قبل نحو شهر الذي دعا فيه إلى تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات الدولية، وأيضاً إعلانه الأخير دخول هذه العقوبات حيز التنفيذ مجدداً. فروسيا على سبيل المثال، أعلنت نيتها تطوير تعاونها العسكري مع طهران مباشرة بعد انتهاء الحظر الدولي على الأسلحة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر رغم التهديدات الأمريكية.

فقد أعلن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (22 سبتمبر/ أيلول 2020) أن روسيا "لم تتخذ بعد أي قرار بشأن حجم هذا التعاون أو اتجاهه. لكن ذلك لن يكون بتاتاً رهناً بالأعمال غير الشرعية للإدارة الأمريكية التي تسعى إلى ترهيب العالم أجمع". توماس غوتشكر ويوهانس ليثوزر اعتبرا في مقال مشترك في "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (20 سبتمبر/ أيلول 2020) أن الموقف الأمريكي فيه ازدراء للمجتمع الدولي "تأويلات واشنطن القانونية قسمت أعضاء مجلس الأمن الدولي، بعدما رفض ثلاثة عشر من أصل 15 عضواً، بما في ذلك ألمانيا، الانصياع للحجج الأمريكية".

و كتبت صحيفة نيويورك تايمز في (20 سبتمبر/ أيلول 2020) "إنه لهدف نبيل أن تُمنع إيران من الحصول على أسلحة متطورة وهي التي تقدم الدعم لعدد من التنظيمات غير الحكومية الضالعة في العنف بالمنطقة. لكن منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، والقوى العالمية تركز على الهدف الأكبر: منع إيران من الحصول على سلاح نووي. قد تكون عقوبات "سناك باك" المسمار الأخير في نعش اتفاق يسعى بالفعل لتحقيق هذا الهدف، على الأقل حتى عام 2030. علاوة على ذلك، انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة (مع إيران) عام 2018. (..) ليس للولايات المتحدة الحق في اللجوء إلى بند منتقى بعناية يخدم أجندتها الخاصة بينما تسخر من بقية الصفقة. هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الاتفاقات الدولية. إن تصرفات إدارة ترامب تقوض حرمة أي اتفاق دولي مستقبلي".

أوروبا بين الانتهاكات الإيرانية والتهور الأمريكي

الموقف الأوروبي  عبر عنه مسؤول الشؤون الخارجية التكتل القاري جوزيب بوريل وقال في بيان، إن الولايات المتحدة انسحبت بصورة أحادية من الاتفاق (..) ولم تشارك بعد ذلك في أي أنشطة مرتبطة به. (..) وبالتالي، لا يمكن اعتبارها دولة مشاركة فيه ولا يمكنها بدء عملية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231".

وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاتجاه ذاته، حين أكد أن بلاده وشركائها الأوروبيين "لن يقبلوا" بوجهة نظر الولايات المتحدة بأن بإمكانها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وتابع ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (23 سبتمبر/ أيلول 2020) قائلاً إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها باستدعاء ما يسمى بآلية إعادة فرض العقوبات (سناب باك) بشأن الاتفاق النووي الإيراني لأنها انسحبت من هذا الاتفاق "بمبادرة منها".

وأضاف ماكرون إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا (الأطراف الأوروبية الثلاثة في الاتفاق) ستواصل الإصرار على تنفيذها الكامل، غير أنه أكد في الوقت ذاته أنها "لن تقبل الانتهاكات التي ارتكبتها إيران"، والتي صعدت تدريجياً أنشطتها النووية إلى ما بعد الحدود المتفق عليها رداً على انسحاب الولايات المتحدة. وكرر دعوته للتفاوض على اتفاقية أوسع من شأنها أيضاً تقييد تدخل إيران في دول أخرى في المنطقة وأيضاً برامجها للصواريخ الباليستية. وبهذا الصدد فسرت أنتيي باسنهايم مراسلة شبكة "أ.إر.دي" الألمانية في واشنطن (21 سبتمبر/ أيلول 2020) الموقف الأوروبي بأن "أطراف الصفقة النووية مع إيران يخشون من انهيار كامل للاتفاق معها، حينها، لن تكون لديها أي سيطرة على البرنامج النووي".

جدل بشأن فعالية العقوبات كأداة ضغط دبلوماسية

باتت العقوبات الاقتصادية أداة ضغط مفضلة لدى دبلوماسية تستعملها القوى الغربية على نطاق واسع. فحسب بيانات الحكومة الأمريكية، هناك حاليا ما لا يقل عن 32 نظامًا لعقوبات سارية على دول أو كيانات وتنظيمات أو حتى أفراد. فدولة ككندا تفرض حالياً عقوبات تشمل 20 دولة وكيانات مختلفة تشمل جماعات إرهابية كتنظيم القاعدة. أما الاتحاد الأوروبي فيفرض عقوبات ضد حوالي 30 دولة وتنظيماً. وفرضت الأمم المتحدة، منذ عام 1966، 30 نظاماً للعقوبات، شملت الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وليبيا معمر القذافي وعراق صدام. وإيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية.

العقوبات أداة سياسية غير مكلفة نسبياً مقارنة بأي نزاع مسلح. غير أنه ليس من السهل أبداً تحديد مدى فعالية تلك العقوبات وما إذا كانت تلحق الضرر بالكيانات المستهدفة أم بأطراف ثالثة ليس لها بالضرورة علاقة بالنزاع.

في تسعينات القرن الماضي قام الباحث غاري هوفباور وزملاؤه من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة بيانات واسعة النطاق تشمل لوائح عقوبات مختلفة منذ الحرب العالمية الثانية إلى بداية القرن الواحد والعشرين. وفي تصريح لـ DW في (18 أيار/ مايو 2018) أكد كريستيان فون سويست، رئيس قسم أبحاث "السلام والأمن" في معهد لايبنتزغ للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA) في هامبورغ: "أن (الباحثين الأمريكيين) توصلوا إلى استنتاج مفاده أن حوالي ثلث العقوبات المتعلقة بتغيير السلوك فعالة (..) لكن الرقم مثير للجدل للغاية. ويرى باحثون آخرون أن الرقم أقل بكثير، وأنه لا يتعدى 5 بالمائة". وتكمن المشكلة أيضاً في كون إدارة دونالد ترامب تمزج في حالة إيران بين عقوبات وأهداف مختلفة. فإذا لم يكن واضحاً لطهران متى سيتم رفع العقوبات، فإن تأثير الأخيرة ومفعولها يكون ضعيفاً في النهاية.

    الاقتصاد الإيراني.. انتكاسة واضحة ومستقبل مهدد

  شهدت إيران مع نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017 وانطلاق العام الجديد 2018 موجة مظاهرات بمناطق عدة نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والأزمة المالية الخانقة بالبلد، وقتل فيها العشرات واعتقلت السلطات الآلاف. وهذه هي الحركة الاحتجاجية الأكبر في إيران منذ المظاهرات المعترضة على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في العام 2009.