تركيا.. هل ستكونُ محطةً أخيرةً في قطارِ المصالحةِ الفلسطينية؟
تاريخ النشر : 2020-09-25 07:40

من جديد، يفتحُ ملفُ المصالحة الفلسطينية أوراقَهُ بوساطةٍ تركية، ففي اليوم الحادي والعشرين من سبتمبر الحالي وصل وفدُ حركةِ فتح برئاسة "جبريل الرجوب وروحي فتُّوح" إلى تركيا؛ لإجراء لقاءاتٍ مع وفدِ حماس برئاسة إسماعيل هنية ونائبه صلاح العاروري؛ لبحثِ ملفِ الوحدة، وإنهاء الانقسام، وتطبيق توصيات لقاء الأمناء العامِّيْن.

محاولةٌ جديدةٌ تنطلق سهْماً من تركيا، يأمل فيها الكلُّ الفلسطينيُّ ألّا تكونَ كسابقاتِها الـ (ثلاث عشرة) من جولات المصالحة، وأنْ تتمَّ لوضعِ النقاطِ على الحروف، وهدم جدران الأزمات التي يعاني بسببها الفلسطينيون منذ أربعة عشرَ سنة، لا سيما عودة القضية الفلسطينية وتوجيه بوصلتها إلى مسارها الصحيح.

اللافِتُ هذه المرّة أنَّ حالة السجالِ الفلسطينيّ التي تعقِبُ كلَّ محاولةٍ للمصالحة، لم تكُنْ كما قبل، ربما هي لا مبالاة، أو فقدانُ أملٍ في إتمامِ المصالحة، أو غيرها من الظروف، فعامُ 2020 الذي شهِدَ العالَمُ به أحداثاً شكّلت صدمة له، لكنّه على ما يبدو أنّه سيحقّقُ ما لم يكُنْ بحُسبان الفلسطينيّين أنفسِهِم، وينتهي الانقسام.

الرئيسُ محمود عبّاس خلال اتصالٍ هاتفيّ مع نظيره التركيّ رجب أردوغان، دعَم التوجُّهَ الفلسطينيَّ نحو تحقيق المصالحة والذهاب للانتخابات، مُوضِحاً له صورة الحواراتِ التي تجري حالياً بين حركتي فتح وحماس والفصائل الفلسطينية، وفق ما تمَّ الاتفاقُ عليه في اجتماع الأمناء العامِّيْن للفصائل الفلسطينية.

وشدّد الرئيسُ عبّاس على إصرارِ الفصائلِ على وحدة الموقف، وتحقيق المصالحة، والذهاب للانتخابات، مؤكِّداً ضرورة وجود مراقبين من تركيا في إطار المراقبين الدوليِّين؛ وذلك للمراقبة على الانتخابات المُزمَعِ إجراؤها لاحقاً، والتي اتفق عليها الأمناءُ العامِّين للفصائل الفلسطينية في الثالث من سبتمبر الجاري.

وأكّد مصدرٌ خاص أنَّ حركتَيْ (فتح وحماس) ناقشتا ملفَ المصالحةِ من خلالِ انتخاباتٍ شاملة، الأمر الذي أشعل خلافاً داخل قاعة الاجتماعات؛ بسبب مطالبةِ حماس بانتخاباتٍ شاملةٍ تشمل "الرئاسة، المجلس التشريعي، المجلس الوطني لمنظمة التحرير"، في حين تطرح فتح إجراءَ انتخاباتٍ تشريعيةٍ أولاً، ثم الرئاسية، وتليها انتخاباتُ المجلس الوطنيّ.

وأضاف المصدرُ أنَّ خلافاً آخرَ تمثّل في إصرار فتح على أن تكونَ الانتخاباتُ بالتمثيلِ النسبيّ لا المختلَطِ الذي جرَت عليه انتخاباتُ (عام 2006) والذي تطرحه حماس، في حين تطرح فتح تأليفَ الحكومةِ الائتلافيةِ بعد انتهاءِ الانتخابات، فيما تقول حماسُ: "إنَّ الأفضلَ هو حكومةٌ ائتلافيةٌ تقوم على تنفيذ الانتخابات؛ لضمان شفافيتها ونزاهتها".

دولٌ عديدةٌ كانت محطاتٍ في محاولةِ إنهاءِ الانقسام، وتركيا إحداها، حيث بدأت الاتصالاتُ مع الرئيس التركي بهذا الخصوص عام 2017 عند زيارة الرئيس عبّاس لأنقرة، القيادي في حركة فتح جلال أبو نحل، قال: "إنَّ رعاية تركيا أو غيرها من الدول للمصالحة الوطنية الحالية لن تستطيعَ تحقيقَها (هذا إنْ كانت صادقة في نواياها) إلّا لو كان طرفَا الانقسام (فتح وحماس) معنيَّيْنِ بتحقيقها، ويريدان مصلحة الشعب الفلسطيني، والتنازلَ عن الأهواءِ والمهاتراتِ السياسيةِ الجَوفاء، وتتوافر لديهما الإرادةُ الوطنيةُ الحقيقية، مؤكداً أنَّ هذا يُغنِي الطرفَيْن عن فرض رؤية أيِّ دولةٍ على الاتفاق بينهما.

ولفت أبو نحل إلى أنَّ هناك فارقاً كبيراً بخصوص إنهاء الانقسام والمصالحة بين قادةِ الحركتين، فهم عملياً متصالحون، لكنَّ الحركتين أبعد ما تكونانِ عن فكرةِ إنهاء الانقسام، من خلال عدم تنازُلِ كلٍّ منهما عن صلاحياتهما في منطقة حكمهما تحت نفوذ "الاحتلال الإسرائيلي" بالضفة، أو المحاصَر في قطاع غزة، لصالحِ كيانٍ وطنيٍّ قويٍّ سياسياً، ويُنهِي مهزلةَ عدم وجودِ مؤسساتٍ وعنوانٍ فلسطينيّ واحد.

وتابع: إنَّ عجزَ السلطة السياسيّ الحاليّ عن حلِّ مشاكلها الداخلية الكثيرة، دفعَ بالعديدِ من الأطراف الدولية والإقليمية لاستغلال هذا الانقسام والضعف، بل الالتفاف على طرفي الانقسام بذريعة إنقاذ ما يمكن إنقاذُه من المشروع الوطني الفلسطيني، وإنَّ حماس ورغم تبعيتها وارتباطها الكُليّ بجماعة (الإخوان المسلمين) إلّا أنها قد أبدت موقفاً إيجابياً نحو المصالحة الوطنية، لكن ضمنياً يبقى في إطار الانقسام؛ لأنَّ الجماعةَ على تماسٍ مع مصر ولا تسمح بإنهاء الانقسام على يد مصر؛ لأنّها وحاكم تركيا يعملان على تثبيت دعائم الجماعة في قطاع غزة، حتى يكون ذلك (كما يتوهّمون) شوكة في ظهر مصر أمنياً، والحقيقة أنّ القاهرة وما تمتلكه من أدوات وأوراق سياسية كبيرة، وثِقلٍ إقليميّ مؤثّر قد هدمت تلك النظرية.

كما أشار أبو نحل إلى أنّ القضية الفلسطينية فقدت الكثيرَ من التضامُنِ الدوليّ الحقيقيّ، ولكنّه ليس بعيداً عن المصالح الإقليمية؛ بسبب عجز القيادة الحالية -المتمثلة في السلطة- عن الوقوف أمام المخططات "الإسرائيلية/الأمريكية" وبما تُسمّى "صفقة القرن"، فقد اكتفت بعباراتِ الشجب والاستنكار، فلَمْ يختلفْ حالُها عن حالِ أيِّ طرفٍ خارجيّ، يرى المشهدَ من بعيدٍ دون أيِّ أفعالٍ حقيقيةٍ تصدرُ منها تُطبَّقُ على أرضِ الواقع.

وعن موقفِ الأحزاب الفلسطينية من المصالحة الوطنية، أوضح أنها توغّلت في الحقّ الفلسطيني من خلال تعنُّتِها في ملف المصالحة، وراهنت على توجُّهاتٍ خارجيةٍ لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع، ولكنّ طرفَيّ الانقسام لو أنجزَا المصالحة في وقتٍ سابقٍ وأدارَا الصراعَ الشرعيَّ مع الاحتلال بطريقة وطنية سياسية تجمعُ الكُلَّ الفلسطيني، ولم تنفِّرْ أو تشرذمْ لَمَا تجرّأت (أمريكا وإسرائيل) على طرح ما يُعرف بصفقة القرن، وفرض المخططات الاستيطانية.

كما صرّحَ القياديُّ بلهجةٍ تحذيريةٍ بأنَّ على إسرائيل أنْ تعلم يقيناً وهي تنوي تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على حلِّ الدولتين، أنَّ الفلسطينيين لم ولن يستسلموا أبداً، وأنها لا تزيدُ سوى الإطالة من هذا الصراع، وتعمل على تأسيس زمنٍ قادمٍ لا أمنَ فيه أو أمان واستقرار، وأنّ حقّنا في الحريّةِ وكفاحَنا الخالد مثل باقي شعوب العالم لن يضيعَ هباءً، ولن يسقطَ مهما طال الزمانُ جيلاً بعد جيل.

مشهدٌ تكرَّرَ أكثر من عشرِ مراتٍ؛ لإنهاء الانقسام، وأصبح أشبهَ بمسلسلٍ له أجزاءُ لا يُعرَفُ متى آخره، لا سيما وأنّ مخرجَها (صهيوأمريكي)، فلم يكُن هذا الاتفاقُ المحاولة الأولى منذ إعلان القاهرة عام 2005، فقد شهِدَ الشعبُ الفلسطينيُّ سلسلة جلساتٍ واتفاقياتٍ عربية ودولية، كان جميعُها بَثَّ أملٍ فقط، وأبرز هذه الاتفاقيات: إعلان القاهرة 2005، وثيقة الأسرى 2006، ، اتفاق مكة المكرمة فبراير 2007، إعلان صنعاء مارس 2008، محادثات 2009 عقِبَ الحرب الإسرائيلية على غزة، محادثات عام 2010، اتفاق القاهرة مايو 2011، اتفاق الدوحة فبراير 2012، اتفاق القاهرة مايو 2012، محادثاتٌ بعد ترقية فلسطين في الأمم المتحدة يناير 2013، اتفاق الشاطئ 2014، محادثات 2016 في الدوحة، اتفاق القاهرة 2017.