فريدمان والقيادة الفلسطينية
تاريخ النشر : 2020-09-22 14:03

السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان هو شخصية مثيرة للاهتمام - فهو محامي متخصص بقضايا الإفلاس حوله رئيس أمريكي غريب الأطوار إلى دبلوماسي. إنه ليس فقط مدافع قوي وخجول عن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بل أيضا مؤيد قوي لضم إسرائيل لأكبر قدر من الأراضي الفلسطينية في أقرب وقت ممكن وبمباركة الولايات المتحدة.

منذ الكشف عن خطة ترامب للسلام في يناير، اضطر جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، إلى كبح جماحه حتى لا يدمر خطة كوشنر الإقليمية للتوسط في اتفاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية، فهو حاد وصريح ويمنح نفسه قوة أكبر من القوة التي حظي بها سفراء الولايات المتحدة لدى إسرائيل من قبله.

في مقابلة مع صحيفة يسرائيل هايوم يوم الخميس الماضي، صرح السفير ديفيد فريدمان أن هناك عناصر داخل الإدارة الأمريكية تؤيد دعم محمد دحلان للإطاحة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

بعد إدانة تصريحاته الاستفزازية على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل دحلان نفسه، ادعى فريدمان أن يسرائيل هايوم ارتكبت خطأ في اقتباس كلامه وأن "نحن لا نفكر في ذلك.  نحن لا نتطلع إلى هندسة القيادة الفلسطينية ".  وقال دحلان الذي أسس التيار الإصلاحي الديمقراطي داخل حركة فتح ويقيم في أبو ظبي أنه "رفض واستنكر" تصريحات السفير، وأضاف أن "الشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي يختار قادته من خلال صناديق الاقتراع".

وفي انتقاد واضح لمحمود عباس والقيادة الفلسطينية الحالية، أضاف دحلان:  "كلي إيمان بأن فلسطين بحاجة ماسة إلى تجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة وذلك لن يتحقق إلا عبر انتخابات وطنية شاملة وشفافة"، وقال أيضًا: "طالبنا عدة مرات وما زلنا ندعو لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي لم يتم عقدها منذ أكثر من 15 عامًا".

في ما يبدو أنه رد من قبل السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، بدأت القوات الأمنية الفلسطينية يوم الاثنين حملة تهدف إلى اعتقال حلفاء دحلان المعروفين داخل فتح، بمن فيهم مسؤولون رفيعو المستوى ومتعاطفون آخرون مع دحلان في الضفة الغربية.

والآن لا أحد يعرف ما إذا كان البيان الأولي للسفير يهدف لقياس رد الفعل على فكرة استبدال عباس أم لا، لكن ردود الفعل على تصريحه كانت سريعة على الساحة الفلسطينية.

على الرغم مما سبق، قال السفير شيئًا ذا أهمية كبيرة خلال المقابلة نفسها، فقد صرح بأنه يعتقد أنه بعد دفع مبادرة السلام إلى الأمام والاستفادة منها بشكل كامل، فإنه يمكن "إعادة النظر في قضية السيادة [للفلسطينيين] بطريقة أقل إثارة للجدل". إذا حللنا هذا التصريح بعناية وعلمنا أنه يأتي من شخص متشدد مثل فريدمان، فيمكنني أن أرى تحولًا كبيرًا في الموقف التفاوضي للولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين حتى في سياق خطة ترامب للسلام.

يمكن للمرء أن يعزو هذا التحول إلى الالتزام الذي حصلت عليه الإمارات من الولايات المتحدة مقابل توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، ويتمثل هذا الالتزام بعدم السماح لإسرائيل بالمضي قدمًا في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. وبدون ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، فقد أُزيل حجر الزاوية الرئيسي لخطة ترامب للسلام التي اعترض عليها الفلسطينيون ومعظم دول العالم. هذا التغيير عدل نسيج خطة ترامب للسلام بشكل أساسي.

فضل غالبية الإسرائيليين السلام عندما خيروا بين السلام أو ضم أجزاء من الضفة الغربية بما في ذلك المستوطنات، وكان اليمين المتطرف الذي احتاجه بنيامين نتنياهو لانتخابه هو فقط الذي اهتم بشدة بالمستوطنات والضم. ومع غياب تهديد الضم الذي يلوح في الأفق، فقد تحسنت آفاق اتفاق سلام مع الفلسطينيين بشكل كبير.

ومؤخرًا، قدمت مجموعة من أعضاء الحزبين المؤثرين في مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس الماضي تشريعًا جديدًا يؤكد "الدعم القوي لحل تفاوضي للنزاع الذي يؤدي إلى دولتين - دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية ودولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة. - تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن واعتراف متبادل ". حذرت مجموعة J Street المؤيدة لإسرائيل وحل الدولتين بعد ذلك بوقت قصير من أن "السلام الشامل بين إسرائيل وجيرانها في العالم العربي لن يتحقق إلا من خلال اتفاق يحل القضايا الجوهرية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"

ربما يكون السفير فريدمان قد بدأ عن غير قصد مناقشات حول القضايا الجوهرية التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انفراجة في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فقد تطرق إلى قضية القيادة الفلسطينية وغياب الانتخابات التي تسمح للفلسطينيين بانتخاب قادتهم الجدد بحرية، على أمل أن يكون لدى القيادة الجديدة بعد نظر ورؤية واستراتيجية مدروسة جيدًا. وكشف فريدمان، على حد قوله، أن نجاح الإمارات في فرض وقف إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية، ربما مهد الطريق أمام "إعادة النظر" في السيادة الفلسطينية "بطريقة تكون أقل إثارة للجدل". في نفس اليوم الذي أدلى فيه السفير بتصريحاته المثيرة للجدل، أكدت مجموعة من النواب الأمريكيين من الحزبين الرئيسيين دعمها لحل الدولتين. كشف فريدمان دون جدال أن الشخص الذي يقرر في النهاية سياسة الولايات المتحدة بشأن السلام في الشرق الأوسط هو كوشنر وليس السفير.

درَّس الأستاذ بشارة بحبح في جامعة هارفارد وتولى منصب المدير المساعد لمعهد الشرق الأوسط التابع للجامعة. تولى منصب رئيس تحرير صحيفة الفجر المقدسية وعمل في الوفد الفلسطيني في مجال الحد من التسلح والأمن الإقليمي.