شرق أوسط جديد والحاجة لمقاربات جديدة
تاريخ النشر : 2020-09-16 21:18

يبدو أن فكرة بناء شرق أوسط جديد والتي تابعناها وقرأنا عنها في كل الأدبيات التي ترافقت مع إنطلاق عملية السلام في تسعينيات القرن الماضي، ومروراً بفترة بوش الإبن، بدأت تتحول إلى واقع على الأرض، وتأتي أُكلها مع تشغيل قطار التطبيع العربي مع إسرائيل، دون التوقف عند المحطة الفلسطينية. والملاحظ أن الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل يدركون عمق الأزمات، وتسارع الإنهيارات في الوضع الداخلي الفلسطيني، والتراجع العربي، وحالة الإرباك والتردد التي يعيشها النظام الدولي، وهي بذلك تسعى إلى توظيف كل ما سبق من أجل بناء شرق أوسط جديد وفقاً للرؤية الإسرائيلية، بالأمس كانت الإمارات البحرين وغداً وبعد غدِ ستكون دول عربية أخرى قد لحقت بقطار التطبيع، وهو ما يدل على أن ديناميات جديدة أصبحت تشهدها المنطقة، تقوم على فكرة مقاطعة الماضي والبدء بعهد جديد قائم على وجود مصالح مشتركة وعلى وجود تحديات أمنية متشابه، بالإضافة لقراءات موضوعية لمصالح الأطراف.
بعد 27 عاماً من عملية سلام مفترضة، ومروراً بربيع عربي تحول قسراً وبفعل فاعل لخريف عربي، أنهك الدولة العربية القائمة وشعوبها، وأنتهاءً بوجود إدارة امريكية ذات توجه شعبوي تسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية، كُتب عنها الكثير من الإنتقاد والشجب على سلوكها ويمينيتها المفرطة على حساب حقوق الشعب العربي الفلسطيني، والتي ظهرت أنها أكثر يمينية من اليمين الحاكم في إسرائيل، حيث قامت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت إليها السفارة الأمريكية، وطرحت ما تسمى بخطة صفقة القرن سيئة الصيت، بدأت بتنفيذ بنوذها ضمن نهج مغاير، بحث لم تعد تبقى القضية الفلسطينية شرطاً مسبقاً، لأي عملية تطبيع عربية إسرائيلية وتبادل مصالح اقتصادية وتجارية. لذلك، نحن اليوم أمام تحولات وتغيرات تشهدها المنطقة تحت إصرار وضغط أمريكي يسعى لحل الصراع في المنطقة ضمن تصور مختلف عما كانت تمارسه الإدارات الامريكية السابقة، يهدف هذا الحل إلى إقامة شرق أوسط جديد، في سياق ما يجري عربياً، فالقضية الفلسطينية لم تعد القضية المدللة للعرب رغم اعتبارها أهم عناوين الاستقرار في المنطقة، وهناك كي وعي عربي، أن مصالح العرب لم تعد رهينة الرغبة الفلسطينية، وهو ما يجب أن يدفعنا كفلسطينيين إلى أهمية البحث عن مقاربات جديدة حول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات الذي يشهدها النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وستمخض عنها حتماً مولود جديد.
لذلك، نريد مقاربات جديدة، تتضمن رؤية ورواية تنسجم مع تطلعات الأجيال الشابة، تصحيحاً لمسار، ضوءاً بنهاية النفق، أملاً يجمع اختلافنا، اعتباراً لتاريخنا، لشهدائنا، لكرامتنا، لفعلنا الوطني والثوري، وللغتنا المقاومة. نعم نريد فعلٍ فلسطينياً يجد صداه في واشنطن، تل أبيب، بكين القاهرة ، الدوحة، موسكو، وباريس، وفي كل مكان، نريد عودة لقوة فعلنا، ولإرادة شعبنا، نريد العودة لذاتنا التي سقطت في ثنايا مفاوضات وحوارات أرهقت عزيمتنا، وباعدت بيننا وبين حريتنا، بل بنت بيننا وبين الحرية سوراً من صخر، ونفقاً من ظلام، وطريقاً من شوكٍ، نريد قيادة تعيد لنا خطابنا الوطني الجامع، نريد قيادة تؤطر نضالنا، تعبر عن همومنا، تشحد هممنا.
إن انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة لن يفيد، لأنه ورغم ما تتوقعه استطلاعات الرأي، فإن ترمب هو الرئيس الــ 46 القادم في البيت الأبيض، فهو صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد والمستقر، وأن الولايات المتحدة وخلال العقد القادم، ستكون في مواجهة الصعود الصيني على حساب وجودها التقليدي في المنطقة، وأن مصر بقيادة الرئيس السيسي هي عراب التطبيع العربي والمشجع والمثمن لكل من خطوتي الإمارات والبحرين وأن خطة صفقة القرن ستخضع لتغيير في بعض تفاصيلها، وأن ضم إسرائيل لبعض أراضي الضفة الغربية لن يصل لمبتغاه 30%، الذي مثلت سقف طموح نتنياهو.
التطبيع والذي قد يأتي عليه يوم، يكون من أبجديات المنطقة وعلاقاتها المتشعبة، لا يجب أن يشكل حالة أحباط لنا، وإنما يجب أن يشكل لنا أفق نحو بناء فكرة وممارسة سياسية جديدة، فالدول المطبعة اليوم والتي تسعى لتغيير كل المفاهيم التي أسست لصراع الشرق الأوسط، عبر إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، وتستسهل الوعي الإسرائيلي بأنها قادرة على التأثير على إسرائيل تجاه تقديم تسهيلات للفلسطينيين، سنتركها تكتشف إسرائيل وسلوكها وعدوانيتها، وسنبقى نراهن على شعوبنا العربية الحية والأصيلة.
حتى لا نبقى في سياق من التفكير التقليدي والمنظور القصير والفهم محدود الآفق، على مستوى فهم المتغيرات التي تشهدها المنطقة، لا بد من فتح نقاش وطني حول المرحلة بكل ما فيها، والاعتراف أن مشروعنا الوطني قد أصابه الهرم وربما هزم بفعل فلسطيني، وأن ثمة تحولات ومتغيرات يجب التعاطي معها أنها حقيقة لا يمكن تجاهلها، وأن السؤال الكبير الذي سيبقى حاضراً ما الفعل الفلسطيني الممكن والمتاح اليوم؟.