السلام المبتور والمرفوض ..!
تاريخ النشر : 2020-09-16 11:16

اليوم الخامس عشر من سبتمبر 2020م يحتفي البيت الأبيض في واشنطن بتوقيع اتفاقي سلام بين كل من الإمارات العربية ومملكة البحرين بإحتفال جنائزي يخلو من طعم الأمن والسلام الذي تنشده المنطقة والذي يعود عليها فعلا بالسلام والأمن الحقيقي والإستقرار والإزدهار ... لسبب رئيسي واحد وأكيد وهو مجافاته لجوهر المشكلة والصراع والقضية القائمة والباقية حتى تشهد حلا واقعيا وموضوعيا عادلا ينهي جوهر الصراع المتمثل بإغتصاب فلسطين وتشريد نصف سكانها من مدنهم وقراهم ومزارعهم وبيوتهم ومتاجرهم إلى منافي مختلفة منذ عام 1948م.

لقد عنيت الأمم المتحدة منذ البدايات الأولى للصراع واتخذت سلسلة من القرارات من أجل الوصول إلى تسوية واقعية وموضوعية إلا انها لم تفلح في ذلك وتدخلت وسعت أطراف دولية عديدة وبذلت مساعي كبيرة لأجل ذلك ولكنها اصطدمت جميعها بالتطرف الصهيوني ولم تكتمل ولم تنجح في تحقيق غاياتها واقرار الأمن والسلم لشعوب المنطقة ..

فهل الإتفاقات التي ستوقع اليوم بين أطرافها قادرة فعلا على أن تقود المنطقة إلى السلام والأمن والإزدهار حسب ما يدعيه رئيس البيت الأبيض ومستشاريه وممثلي أطراف هذه الإتفاقات ؟!

الحقيقة الماثلة للعيان أن هذه الإتفاقات اعجز من أن تقَرِبَ المنطقة من تلك الأهداف والغايات، اذا لم تستطيع أن تعالج جوهر الصراع وتؤدي إلى إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية في الجولان وجنوب لبنان وفي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وتعمل على تمكين الشعب اللاجئ الفلسطيني من العودة إلى أرضه ودياره ومدنه وقراه التي شرد منها .. وأن تمكنه من إقامة دولته المستقلة كحد أدنى على حدود الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس ...

لم يترك الفلسطينيون واشقاءهم العرب أي فرصة من أجل تحقيق ذلك إلا قبلوها وتعاملوا معها بإيجابية ... لكن العقلية الإستعلائية الإستعمارية التوسعية والعنصرية التي تسيطر على قيادة إدارة المشروع الإستعماري حالت دون نجاحها ...

لذلك مهما تُوقع إدارة المشروع الصهيوني من اتفاقات تسميها كما تشاء مع أي من الدول كانت عربية أو إسلامية أو غيرها فإنها لن تمنح المشروع أية مشروعية ولن تستطيع أن تلغي أية حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني ولن تأتي للمشروع الصهيوني وللمنطقة بالأمن ولا بالسلام الدافئ أو البارد .. مالم تصل إدارة المشروع الصهيوني إلى توقيع اتفاق سلام نهائي وشامل مع الطرف الأصيل والمباشر في الصراع وهو الشعب الفلسطيني بواسطة ممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف والذي اعترف بها وبصفتها العالم أجمع بما فيه الكيان الصهيوني نفسه ...

إن القفز عن الحقائق الموضوعية والجوهرية للصراع والقضايا المختلف عليها وبشأنها لن يخدم مسيرة التسوية السياسية ولن يطفئ نار الصراع .. وإنما سيزيد من حدة التوتر وسيبقي الأمن والسلام هدفين بعيدي المنال عن أطرافه وعن المنطقة ...

السلام الذي تحتاجه المنطقة هو السلام مع الشعب الفلسطيني وليس مع غير من الدول والشعوب ..

فلا قيمة سياسية أو قانونية لما سيوقع من اتفاقات اليوم بين كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، ولن تؤثر على مكانة القضية الفلسطينية لدى شعبي الإمارات والبحرين العربيان الوفيان .. شأنهم شأن بقية الشعوب العربية الأخرى التي سبقت حكومات دولها قد وقعت اتفاقات سلام مبتور ومنفرد مع الكيان الصهيوني مثل مصر العربية والمملكة الأردنية ...

ما سيتم اليوم هو عبارة عن حفلة علاقات عامة تضم أطرافها فقط وهدايا اماراتية وبحرانية تقدم مجانا للرئيس دونالد ترامب لدعمه في حملته الإنتخابية للفوز بولاية ثانية .. كما هي أيضا هدايا مجانية تقدم أيضا إلى نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني المهدد بالسقوط ودخول السجن لتورطه بقضايا الفساد .. وذلك على حساب الشعب الفلسطيني والأمن القومي العربي، كما لن تعود على حكومتي الإمارات والبحرين بأي فائدة تذكر أو تبرر، بل على العكس سيكون لهما آثار سلبية سيئة على أمن واستقرار البلدين الشقيقين بسبب الرفض الشعبي الواضح والأكيد لهما من قبل الشعبين وبقية الشعوب العربية والإسلامية لما فيهما من مخاطر أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية ..

لذا فإن فلسطين وشعبها وبكل مكوناتها تعبر اليوم عن رفضها المطلق وادانتها لما سيتم توقيعه من اتفاقات تدعي أنها في خدمة الأمن والسلام والإزدهار، وستبقى فلسطين وشعبها عنوانا للمقاومة والرفض العربي، وعنوانا للرفض والإستسلام للعدو الصهيوني ومواقفه ومواقف الرئيس دونالد ترامب وإدارته من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة ..

وهذا اليوم رغم ما يمثله من انتكاسة لوحدة الموقف العربي وتخلٍ عن القضية الفلسطينية وعن فلسطين والقدس وشرعنة لسياسات الإحتلال في التوسع والضم وهضم الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية، إلا أنه سيكون بداية لتكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية وبداية انطلاقة للمقاومة الشعبية الفلسطينية بكل اشكالها، كما سيكون بداية جديدة للتضامن العربي والدولي مع الشعب الفلسطيني من الأشقاء العرب والمسلمين وجميع الأصدقاء واحرار العالم الذين يدركون أهمية واجبهم وموقفهم الأخلاقي إزاء ضرورة دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة حتى ينال حقوقه المشروعة ...

هكذا يقف الفلسطينيون اليوم والعالم أجمع شهود على توقيع (اتفاقات سلام مبتور ومرفوض) ويعملون على مقاومتها واسقاطها لما فيها من تجاوز وافتآءت على الحق والحقوق المشروعة وعلى الشرعية الدولية والقانون الدولي ..

وللحديث بقية ...