احتكاك روسي ــ أمريكي
تاريخ النشر : 2020-09-07 20:06

حادث احتكاك القوات الروسية والأمريكية في شمال شرقي سوريا، الذي أصيب خلاله عدد من الجنود الأمريكيين، قبل نحو أسبوعين، عاد ليطفو مجدداً على السطح مع تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، التي حملت تحذيراً مبطناً لموسكو من تصاعد مثل هذه الحوادث، على الرغم من وجود آلية للتعاون والتنسيق بين الجانبين لضمان عدم وقوعها.

وبالفعل، فالحادث الذي وقع في 25 أغسطس/ آب الماضي، لم يكن الأول من نوعه، فقد تكررت هذه الحوادث، خصوصاً منذ مطلع العام الحالي، وسواء كانت المبادرة من هذا الطرف أو ذاك، فإن تكرار هذه الحوادث بات يسلط الضوء على المخاطر التي ينطوي عليها وجود قوات من البلدين قرب بعضهما في شرقي نهر الفرات، واحتمالات تصاعد التوتر بينهما، في وقت بدأت تُثار فيه أسئلة جدية حول فائدة الآلية المستخدمة لمنع وقوع المصادمات. أسئلة أخرى بدأت تطرح حول ما إذا كانت هذه الحوادث متعمدة، أو بعضها على الأقل، كما تلمح واشنطن بشأن الحادث الأخير في ريف الحسكة، أو أنها عفوية كما في حادث مقتل جندي أمريكي بانقلاب آليته العسكرية في المنطقة نفسها في يوليو/ تموز الماضي.

في محاولة لتقريب خلفيات هذه الحوادث، لا بد من الإشارة إلى التوترات القائمة بين واشنطن وموسكو في كل المواقع التي يتواجد فيها الطرفان على امتداد الساحة الدولية، وذلك بسبب اختلاف السياسات وتناقض المصالح والأهداف. ويتجلى ذلك على أوضح ما يكون في الحالة السورية؛ حيث يبدو منسوب التوتر والاحتكاك أكثر ارتفاعاً في رقعة ضيقة شمال شرقي البلاد. إذ بينما كان الروس ينتظرون انسحاباً أمريكياً كاملاً من سوريا، بعد العديد من التصريحات الأمريكية في هذا الشأن، إذا بهم أمام واقع بقاء هذه القوات وتعزيزها بذريعة محاربة بقايا تنظيم «داعش»، بينما يتضح أن بقاء القوات الأمريكية مرتبط بأهداف أخرى، منها السيطرة على حقول النفط، وممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة السورية، والتحكم في مسار أي حل أو تسوية سياسية للأزمة المتواصلة منذ نحو تسع سنوات.

وفي حين يعتقد الروس أن وجودهم في سوريا شرعي وأنه جاء بدعوة من الحكومة المركزية في دمشق، ويرون أن الأمريكيين يحاولون مزاحمتهم في منطقة نفوذ تاريخية لهم منذ عهد الاتحاد السوفييتي، لا يأبه الأمريكيون لكل المبررات الروسية، ويواصلون خططهم لعرقلة كل ما من شأنه أن يعيد بسط سيطرة دمشق على أراضيها في كل أنحاء البلاد، لكنهم في نفس الوقت، غير معنيين بأي صدام مع القوات الروسية، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي الأمريكي بأن «التحالف أو الولايات المتحدة لا يسعيان إلى تصعيد مع أي قوات عسكرية لأي دولة، لكن القوات الأمريكية تحتفظ دائماً بحقها وبالتزامها بالدفاع عن نفسها ضد أي أعمال معادية». فهل تصمد هذه المعادلة الحذرة إلى ما لا نهاية، أم أن واقع تكرار عمليات الاحتكاك سيفرض تحديات من نوع آخر؟!

عن الخليج الإماراتية