طلاب غزة بين مطرقة التعليم الإلكتروني وسندان جائحة كورونا... في ضل وضع اقتصادي معقد
تاريخ النشر : 2020-08-21 06:44

بعدما فوجئ العالم في نهاية ديسمبر2019م بظهور وانتشار فايروس كورونا المستجد "COVID-19"، الناجم عن الفايروس التاجي، المتكون من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفيروسات التي تسبب أمراضا تتراوح من نزلات البرد إلى أمراض أكثر شدة تؤدي للوفاة، وعليه رفعت منظمة الصحة العالمية مرتبة تفشيه من درجة وباء إلى درجة جائحة، بعدما تجاوز انتشاره محيط دول متقاربة ليمتد للعالم بأسره، مما أثر على جميع مناحي الحياة في الدول المتقدمة منها والنامية، ما تطلب اتخاذ التدابير نفسها، والأخذ بكل الإجراءات والتعليمات الوقائية التي أوصت وتوصي بها الهيئات والمنظمات الصحية العالمية والوطنية، من وسائل النظافة الشخصية والعامة، وتجنب مخالطة المرضى، وصولاً للحجر الحكومي والذاتي والمنزلي والانقطاع عن الأعمال العامة والحكومية والمسيرة التعليمية، وهي إجراءات وتعليمات اختلفت طريقة الأخذ بها وتطبيقها من دولة لأخرى، بحسب الإمكانيات الصحية والمادية والسياسية وطبيعة الناس والعوامل البيئية واللوجستية الأخرى.
فمنذ الإعلان عن إغلاق المؤسسات التعليمية والتوقف عن التعليم النظامي في "المدارس والجامعات"، بدأ البحث عن الطريقة الأفضل التي يمكن من خلالها استكمال العملية التعليمية، للخروج بسلام من أضرار ما قد تسببه جائحة كورونا في ضل تكدس أعداد الطلاب في المدارس والجامعات، ومنعاً للمخالطة والتلامس، أو ما قد يتسبب في انتقال العدوى، وذلك من خلال برنامج التعليم عن بعد واستخدام التكنولوجيا وما تستطيع أن توفره من قدرة التواصل عن بعد عبر الإنترنت.
فالأزمات والكوارث تضع الدول والمؤسسات والأفراد، كما هو الحال بسبب جائحة كورونا أمام تحديات وعقبات حقيقية، فأي أزمة أو كارثة أو حتى مشروع أو خطة إلا وله من السلبيات كما الإيجابيات، فبما يخص جائحة كورونا فقد ألقت بظلالها وآثارها السلبية على المسيرة التعليمية وسيرها لدى الطلبة وذويهم، بعدما أقدمت المؤسسات التعليمية على اختلافها لإغلاق أبوابها، تقليلا من فرص انتشار الجائحة، والتزاما بتوجيهات القيادة السياسية والصحية والمؤسسات ذات العلاقة، لنبدأ باكتشاف الواقع الصعب للمسيرة التعليمية حيث تمر في وقتنا الحالي بالعديدِ من الصعوبات والعقبات، على الحياة الاجتماعية والتي تُظهر عدم الجاهزية والقدرة على إتباع مثل هذا النمط من التعليم إلا بقدر بسيط.
على الرغم من أننا في هذا المقال، لم نتناول قضية التعليم الإلكتروني كبديل لاستمرار العملية التعليمية، من أجل الاعتراض وإظهار السلبيات دون الإيجابيات، لكن فحوى المقال هي التناسب ما بين العملية التعليمية الإلكترونية بمتطلباتها والمجتمع الذي ستطبق عليه تلك العملية والأخذ بالحسبان شتى أوضاعه المعاشة، وبالأخص الأوضاع الاقتصادية كونها انعكاس طبيعي على الطلبة في جميع المستويات.
فاستخدام التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت ليس وليد الجائحة بشكل مبدئي، بل يعود إلى ما قبل عام 2000م، فمعظم الجامعات في ضل جائحة كورونا تستخدم اليوم التعليم الإلكتروني كبديل لضمان استمرار العملية التعليمية، إلا أننا نعيد ما ذكرناه في السطور السابقة بخصوص اتخاذ التدابير ضد جائحة كورونا التي قد تختلف من دولة لأخرى حسب الإمكانيات الصحية والمادية والسياسية وطبيعة الناس والعوامل البيئية واللوجستية الأخرى فيها.
ففي شتى المجالات لا يمكن أن نزرع في أرض غير مهيأة وننتظر محصولاً وفيراً، أو نرسم لوحة في الهواء لنعرضها للمشاهدين، أو نطير في السماء تلقائيا ضد قانون الجاذبية، فأي خطوة أو هدف نريد الوصول اليه، لا بد وأن يسبقه تخطيط، لنكون على أرضيته مهيأة ولو باليسير مع إمكانية تهيئتها أثناء العمل، كما وأيضاً لابد وأن تكون الطريق في جزئها اليسير سلسة لتطويرها بهدف الوصول للهدف المنشود، وإلا غير ذلك، فما هو إلا جهد ووقت وقفزة في فراغ تساوي مردود عكسي سقوطاً وارتطاما بالأرض، وقد يقول قائل بأن الفترة الأولى للعام المنصرم من التعليم الإلكتروني كانت تجربة فيها من الخلل ما فيها سيتم تجاوز سلبياتها في العام الحالي، وهنا أقول بكل وضوح بأنه لا ضير إن كان ذلك، ولكن علينا إن أردنا تجاوز السلبيات والعقبات أن نتناول منظومة التعليم الإلكتروني بكل مكوناتها للوصول لتلك السلبيات والمنغصات المحبطة، وطرح طرق العلاج المناسبة، حيث أنها قد لا تكون في التعليم الإلكتروني بذاته أو محتوياته أو برامجه، أو مدخل المعلومة أو المتلقي، مع اعتقادي بأن هناك تفاوت فيما ذكرت من نقاط من حيث السلبيات والإيجابيات، كما ويجب أن لا يخضع التقييم للقائمين على العملية التعليمية أو من يسعون لتطويرها فقط، أو القائمين عليها كملقنين، بل يجب الاهتمام أكثر بتقييم المتلقي ومن يدفع متطلبات عملية التلقي وهي الأسرة وهي الحاضنة الاجتماعية والاقتصادية لمثل هكذا تعليم، وهل لوحظ مردود للمبذول من جهد مادي ومعنوي حيال هذه العملية أم لا.
فبعد إبراز التحدي الرئيسي وهو "الحاضنة الاجتماعية والاقتصادية"، الماثل أمام تطبيق نظام التعليم عن بعد في غزة بشكل خاص، فإنني أرى من وجهة نظري كولي أمر لطلاب في شتى المراحل التعليمية، بأنه لضبط سير العملية التعليمية الإلكترونية في المستقبل بشكل جيد وإيجاد تعليم يكفل تلبية حاجات الطلاب بشكل أفضل.
بذلك فلن نتطرق في هذا المقال سوى للتحدي الذي يواجه "الحاضنة الاجتماعية والاقتصادية"، كونها عماد التعليم الإلكتروني عن بعد، وبما أن جائحة كورونا كشفت ضعف التجربة السابقة لدى جميع المؤسسات التعليمية الفلسطينية، ما يستدعي منا دراسة الوضع الحالي بعودة الطلاب المختصر من جديد إلى مقاعد الدراسة والذي يشوبه الحذر الشديد، ومع فتح باب التعليم الإلكتروني كمكمل للعملية التعليمية، التي يمكن الاستكمال بها عند وجود أي طارئ قد يحدث سواء من انتشار الجائحة أو غير ذلك.
ما يستدعي دراسة متخصصة للاستفادة من التجربة السابقة والحالية من أجل العمل على وضع خطط متكاملة متصلة يكون المجتمع رأس الحربة بها تكفل تحقيق النجاح في العملية التعليمة.
وبذلك أعود لأطرق باب "الحاضنة الاجتماعية الاقتصادية" للعملية التعليمية سواء طبيعية أم إلكترونية، فالغالبية العظمى من الأهل غير مُعدين مسبقاً من ناحية برمجية و تقنية للتفاعل مع هذا النوع من التعليم، والذي كان يتطلب إعدادهم كونهم المتفاعل الأكبر مع هذا النوع من التعليم، وهو ما يقودنا أيضا لجملة من الصعوبات التي تواجه الحاضنة الاجتماعية الاقتصادية" ومنها:-
1- الوضع الاقتصادي الخانق الذي يمر به المواطنين في قطاع غزة، مما ولد مجتمع فقير ليس لديه القدرة على تلبية الحاجيات الأساسية بالحد الأدنى.
2- انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة والتي أصبحت قضية ملازمة لأهالي قطاع غزة، والمرتبطة بها كل مصادر التكنولوجيا الحديثة.
3- عدم مقدرة الأهالي لشراء أجهزة إلكترونية للأبناء في ضل متطلبات متفرقة ما بين مواد تعليمية أو رسوم دراسية.
4- عدم توافر أجهزة الكترونية كافية لدى العائلات التي لديها أكثر من طالب.
5- القليل من الطلبة في مستوياتهم المختلفة، من يمتلك مهارات تكنولوجية في برمجيات التعلم عن بعد.
6- افتقار بعض الأسر لتوفر خدمة الانترنت.
7- في حال ما توفر الإنترنت، فإنه يواجه عديد من المشاكل منها: "السرعة والجودة، سوء الخدمة لدى العديد من الطلاب ومعلميهم وتكرار انقطاعه، والضغط على أنظمة إدارة التعلم في المدارس والجامعات مما يتسبب في توقفها عن العمل في كثير من الأحيان.
8- عدم قدرة الأهل على الاستمرار بمتابعة دروس أبنائهم، وبالأخص من لديه أكثر من طالب، أو من والديهم يلتحقون بعمل.
للخروج من الأزمة:
1- على مسؤولي المؤسسات التعليمية بشتى مستوياتها ومسؤولياتهم، السعي لتوفير طرق وأساليب ، بهدف توفير الأجهزة التكنولوجية للطلبة، والأسر الفقيرة، كتوفير تسهيلات منها:- "توزيعها بشكل مجاني - المساهمة في دفع نسبة من ثمن هذه الأجهزة - تفعيل دور المؤسسات الخاصة بمنح الأهل والمعلمين الأجهزة بأسعار رمزية".
2- العمل على إيجاد حلول للانقطاع الثابت للتيار الكهربائي، بما يتناسب مع الطلبة على اختلاف أماكن سكناهم ومستوياتهم التعليمية.
3- العمل على توفير خط النفاذ والسرعة المناسبة إلى الأهالي والمعلمين بأسعار تكون في متناول أيديهم.