أنقرة تفعل الشيء ونقيضه
تاريخ النشر : 2020-08-16 19:16

يتردد كلام في الأوساط السياسية التركية هذه الأيام، عن أن اتفاقاً بين مصر وتركيا في منطقة شرق المتوسط، ربما يكون هو أفضل الحلول. ولا تعرف وأنت تتابع مثل هذا الكلام، ما إذا كان الذين يردّدونه إنما يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم، أم أن السلطات المعنية في أنقرة هي التي تقف وراءه، وهي التي تسربه، وهي التي تدفع به إلى الواجهة، باعتباره بالون اختبار.. لا أكثر.

لا تعرف.. ولكن الذي نعرفه أن كلاماً كهذا يظل نوعاً من القفز فوق حقائق على الأرض لا يجوز القفز فوقها، ولا تجاهلها، وهو كذلك لأن الذين يقولون به ويذهبون إلى الترويج له، يهمسون بأن حدة الخطاب السياسي التركي التي كانت قائمة تجاه القاهرة لفترة مضت، قد خفت كثيراً، ولم تعد كما كانت، ما يدل في تقديرهم على أن اتفاقاً من نوع ما يتحدثون عنه هو اتفاق ربما يكون له مكان في هذه اللحظة.

هؤلاء الذين ينشطون في الترويج للفكرة، ينسون، ويتناسون أن القضية بالنسبة إلى تركيا في الإقليم ليست بينها، وبين مصر، فقط، ولكنها أوسع من ذلك، وأشمل. وإلا، فهل يمكن لاتفاق من نوع ما تجري الدعوة إليه أن يصمد في ظل وجود المرتزقة الذين أرسلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى حكومة فايز السراج في غرب ليبيا، ولا يزال يرسلهم؟ وهل يصمد اتفاق كهذا في ظل ما يمارسه أردوغان فوق الأراضي السورية، منتهكاً سيادتها، ومعتدياً عليها، ومستولياً على ثرواتها ؟ وهل يصمد في ظل إصرار حاكم تركيا على التوغل في الأراضي العراقية، والتلويح بحجز مياه الفرات عن سوريا، والعراق معاً، بل وقتل الضباط، والجنود العراقيين، كما جرى مؤخراً؟

وهل يصمد اتفاق من هذا النوع بينما الحكومة التركية لا تجد فرصة سانحة أمامها إلا وانتهزتها للتسلل إلى الأراضي العربية في الصومال مرة، وفي لبنان الذي يعاني جراح انفجار ميناء بيروت مرة ثانية، وفي اليمن الذي يواجه جشع الحوثي مرة ثالثة؟

هذا اتفاق إذا افترضنا عقده نظرياً، فسوف لا يكون له حظ البقاء على الأرض عملياً، لأن الذي يحلم بتوقيعه للحصول على نصيب من ثروات شرق المتوسط، إنما ينسى أن هذه الثروات، سواء كانت من البترول، أو من الغاز، ليست إرثاً يتقاسمه أهل الإقليم، بقدر ما هي محكومة بحدود بحرية للدول الواقعة في نطاقها، ومحكومة بقوانين دولية تنظم المسألة، ولا تتركها (سداحاً مداحاً).

وهذا اتفاق إذا افترضنا عقده نظرياً، فلن يكون له حظ من البقاء عملياً فوق الأرض، لأن على أنقرة أن تكف عن الإساءة إلى العواصم العربية، وأن تفهم أن زمن آل عثمان قد مضى، وانقضى، وأن ما تتصوره من أمجاد الماضي وأحلامه قد ذهب مع آل عثمان، ولن يعود.

إحدى مشكلات أردوغان الكبيرة أنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد في منطقته، وفي إقليمه، ولذلك يفعل الشيء ونقيضه، فتراه يخطب ود الاتحاد الأوربي ليلتحق به عضواً، ثم يتحرش باليونان ناسياً أنها عضو في الاتحاد، فإذا راحت ألمانيا توبخه عاد مرتدعاً خطوات إلى الخلف.

وتراه يدفع بالمرتزقة إلى ليبيا التي تقع على حدود مباشرة مع مصر، ثم لا يخجل من الحديث عن اتفاق له معها في شرق المتوسط.. وترى وزير دفاعه يطلق التهديدات في حق الإمارات، فإذا استدعى نايف الحجرف، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، السفير التركي في الرياض، وأفهمه أن عليهم أن يفكروا ألف مرة في المستقبل، قبل أن يعودوا لمثل هذه التهديدات، عادوا مئة خطوة إلى الوراء.

عن الخليج الإماراتية