كورونا وسرقة مستقبل الخريجين 
تاريخ النشر : 2020-08-13 11:58

جميعنا يعلم ما اجتاح العالم مؤخراً من جائحة أصابت الملايين من البشر على نحو واسع في أنحاء المعمورة. ضربت الجائحة أرضاً قطاعات إنتاجية عديدة بل ربما جميعها تقريبا. المتأثر هنا هو الإنسان من الناحية الصحية ومصادر الدخل. حينما نتحدث عن دخل الفرد في ظل الأزمات حدث ولا حرج. فقد الملايين من البشر في العديد من الدول بما فيها ذات الاقتصاديات الكبيرة وظائفهم نتيجة جائحة كورونا.

وان كان هذا ما حدث لمن يملكون وظائف فما هو حال الخريجين الجدد الذين يبحثون عن بداية طريقهم؟ تقريباً الأبواب مؤصدة أمامهم. لا أماكن يتدربون بها لاكتساب الخبرات العملية اللازمة لهم في سوق العمل. حسب ما هو مرئي لا تتيح الظروف الحالية فرص تشغيل لهم تعينهم على بدء مستقبلهم.

الحديث عن الخريجين في زمن الكورونا مؤلم حقاً. فقدوا أقل القليل الذي يمكن أن يعثروا عليه في شكل فرصة عمل صغيرة هنا أو هناك في موسم الصيف على الأقل الذي حين يأتي يحمل معه فرص عمل مؤقتة. حتى من كانوا يملكون وظائف فقدوها بسبب ضعف أو توقف التمويل الخارجي لمشاريع تلبية احتياجات وخدمة المجتمع المدني. 

بالنظر إلى أعداد الخريجين ومقارنته بمعدل البطالة نرى أنه مرتفع بين الشباب، وهو في تزايد غير مسبوق مع الزمن. فحسب الإحصائيات الأخيرة؛ وصل معدل البطالة في غزة إلى 45% وهو 3 أضعاف المعدل بين صفوف شبابنا في الضفة الغربية الجناح الثاني من الوطن.

بات تأثير الظروف الاقتصادية المستجدة والأكثر صعوبة بضيق حلقاتها أكثر وضوحاً على المواطن والاقتصاد الفلسطيني وأصبحت للأسف واقعاً ملموساً. وهذا ألقى بظلاله على عدم إجراء إحصاء رسمي نظراً لصعوبة تنفيذ التعداد، ولكن ما تقوم به المؤسسات والجهات الرسمية ذات الاختصاص والمسئولة عن تسجيل المسرحين من أعمالهم ووظائفهم يظهر العبء الجديد الواقع على كاهل الحكومة بضرورة توفير فرص عمل أو بدائل وهو ما يكاد يكون مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة. 

من المؤسف أن العديد من الشباب يحلم بفرصة عمل يتقاضى عليها مئات من الشواكل يومياً داخل الخط الأخضر والعمل في المستوطنات. أصبح التنازل سيد الموقف من أجل توفير لقمة العيش وإيجاد فرصة عمل ولا يهم أين وكيف ولماذا؟ كل هذا من أجل سداد دين أو توفير مستلزمات البيت والأسرة والبدء في ظل انعدام ملامح واضحة لحياة أو مستقبل. 

امتزجت الشهادات في قلوب حامليها بالقهر أكثر من أي وقت مضى. فترى خريج يحمل شهادة جامعية في علم النفس ويعمل سائقاً، وأخر يحمل شهادة هندسة صناعية يطلب وظيفة عامل في مصنع، وأخر يحمل شهادة عليا في المحاسبة يعمل نادلاً أو مساعد شيف في مطبخ أحد المطاعم! 

القهر في غزة ملوناً بلون الموت الأسود، الذي يفتحه فمه كذئب جائع كل يوم ليلتهم المزيد من الشباب ويصيبهم بحالة من الاكتئاب والبؤس بسبب عدم توفر أساسيات بناء حياتهم وتمكّنهم من تغطية مصاريف الحياة اليومية. 

كان يحلم كل خريج بالسفر أو الهجرة – حتى وإن كانت غير شرعية- لإيجاد أي فرصة عمل يبدأ بها حياته في سبيل توفير موارد مالية يعيل بها نفسه وأسرته. أضحى الحلم رماداً. فجائحة كورونا التي باتت تحصد ملايين الإصابات ومئات ألوف الوفيات حول العالم قضت تقريباً على اقتصاديات كبيرة جراء الإجراءات الاحترازية المتخذة، والتي إن عادت للعمل لا تعمل بكامل طاقتها وطاقمها، وألغت أي خطط توسعية للأعمال والمنشآت والمشاريع. 

يمكن الجزم بمخاطر عاصفة نتيجة استياء الشباب ما لم تتصرف الحكومة والمجتمع المدني الآن لحماية الآفاق الاقتصادية للشباب. وإن كانت الحكومات الآن تحاول أن تعيد البناء في ظل الوباء، وجب عليها منح الأولوية للقطاع الخاص باعتباره الحاضنة الرئيسية للأيدي العاملة. وإعطاء الأولوية هنا تكمن في مهارة الحكومات في اقتراح شراكات إبداعية مع القطاع الخاص بما يضمن حفاظ القطاع الخاص على وجوده وبقائه أبعد ما يكون متأثراً بالضائقات المتلاحقة والعظيمة التي تعصف به. على الحكومات حماية شبابها وإنصافهم الذين هم عمادها وعدم الزج بهم في طوابير الهالكين، فالمجتمعات تبنى على أكتاف شبابها وطاقاتهم.