الهروب لا يسقط الانتخابات
تاريخ النشر : 2020-08-12 14:53

مروض الكواسر الإسرائيلية، والمدافع عن عرينه، ومملكته، وكرسي حكمه مازال يناور، ويحاور، ويلقي بفتات لقمة هنا، ولقمة هناك، ويسعى بكل ثقله لإختراق عرين الشريك الخصم حزب "مناعة إسرائيل" أو أي حزب او تكتل نقيض له، لا فرق عنده، المهم ان يمزق الخصوم، ويستقطب من بينهم الخواصر الرخوة والمستعدة لبيع الذات في مزاد الحاوي ليفوز بالحسنيين، بالإستمرار في سدة الحكم، وإقصاء غريمه الجالس على يمينه في كرسي الحكومة. لم ييأس، ولم يستسلم نتنياهو، ولم يرفع الراية البيضاء، بل يعمل بكل ما يملك من طاقة السحر والفهلوة لهزيمة المتربصين به من داخل وخارج الحكومة، ويحول بينهم وبين إيداعه السجن.

مشروعا قانونين يجري التداول بشأنهما في الكنسيت، الأول الذي طرحه تسافي هاوزر ويوعاز هندل، ويدعو لتأجيل تمرير الموازنة لثلاثة اشهر، وهذا المشروع لقي إستحسانا من الليكود ومجازا "أزرق ابيض"، وبالطبع تكتل القوى اليمينية الصهيونية والحريدية في الكنيست، وطالب غانتس بمصادقة الحكومة على مشروع القانون لتعديل الموعد النهائي لتقديم الميزانية قبل 25 آب/ أغسطس القادم قبل مساء أمس (اليوم الثلاثاء الموافق 11/8/2020)، على ان تتم المصادقة بالقراءات الثلاث في غضون 24 ساعة القادمة، وقال رئيس الحكومة البديل : بدون حيل وبدون آلاعيب، يجب الموافقة على الإقتراح في القراءتين الثانية والثالثة (بعد تمرير القراءة الأولى). وأضاف "هذا ممكن ودستوري وضروري وأخلاقي." وهو لا يمت للإخلاق بصلة، لانها مساومة رخيصة ومبتذلة، وفيها إستجداء للحاوي، ورغم انه الأحوج للقانون، لكنه مازال حتى اللحظة الأخيرة يفكر، ويعيد ترتيب الأوراق بين يديه، ويستشرف أيهما افضل، البقاء في الحكومة العرجاء، أو تشكيل حكومة بديل تكون الخلافة فيها لنائب من الليكود، او الذهاب لإنتخابات رابعة. قد ترسو افكاره قبل رؤية المقال النور على احد الخيارات. لإن ما ينتظره ليس سهلا، حيث قدم رئيس المعارضة لبيد مشروع قانون يمنع أي مسؤول متهم بقضايا فساد من الترشح ورئاسة الحكومة، والذي سيتم التصويت عليه اليوم الأربعاء. وهدد الجنرال الضعيف، بانه لن يقف ضد مشروع القانون في حال لم يصادق زعيم الليكود على  قانون الثنائي هاوزر هندل.

مشكلة نتنياهو انه لا يريد السماح لزعيم "كاحول لافان" تولي رئاسة الحكومة ليوم واحد. لإنه يعتبرها سابقة مرفوضة من قبله، وقد يفضل الذهاب للإنتخابات على الآ يجلس غانتس على كرسي الرئاسة، ولهذا يعمل بخطى حثيثة لإختراق الإتفاق المبرم مع حزب "مناعة إسرائيل"، وعليه مازال حاسوب الحاوي يعمل بقوة غير مسبوقة ليخلص للنتيجة المرجوة، لا سيما وانه يقف على مفترق طرق: اما الإنتخابات، وأما الحكومة البديلة أو التأجيل لتمرير الميزانية. قد يكون خيار الحكومة البديلة الأنسب من وجهة نظره، لإنها تحرره من غانتس وحزبه وإتفاق التناوب، وتفتح الباب امامه لعزل المستشار القضائي، مندلبليت، والتفرد بالمصادقة على التعيينات في العديد من المناصب الحكومية، ومواجهة المحكمة باريحية. لكنها بالمقابل تمنح المحكمة مساحة اوسع للتصدي لرئيس الحكومة الفاسد.

مازالت حتى كتابة هذا المقال مساء الثلاثاء (امس) الإتهامات المتبادلة بين الأعدقاء نتنياهو وغانتس دائرة، ولعبة عض الأصابع بينهما على اشدها، والمشهد الإسرائيلي غائما وملبدا، ولا يبدو انه يفضي إلى رؤية واقعية للمخرج من الأزمة البنيوية الحادة، التي تعيشها الدولة الإستعمارية، التي يلعب فيها الملك الفاسد دورا توتيريا، ومشعلا للفتن في الداخل الصهيوني.

مع ذلك المظاهرات لم تتوقف نهائيا ضد رجل الفساد القابع في شارع بلفور، وحسبما اعتقد انها تتجه نحو التصعيد أكثر فأكثر حيث شهد السبت الماضي زيادة ملحوظة في عدد المتظاهرين والمطالبين بإقالة نتنياهو عن سدة الحكم. لكنه مازال يستمتع بملاحقة المحتجين، وبرؤية خراطيم المياة العادمة وهي تغرقهم برائحته.

 بالنتيجة النهائية، وأي كان الحل الآن لإزمة الحكومة، فلن ينفع نهائيا لا التأجيل، ولا الحكومة البديلة، ويبقى الخيار الممكن، وهو الذهاب للإنتخابات الرابعة في نهاية نوفمبر القادم. لإن التأجيل ليس حلا، بل هو تمديد لإمد الأزمة، والمراوحة في ذات المكان والمربع، في حين أن الأزمة أعمق من كل الحلول الترقيعية المطروحة، ولا خيار إلآ إيداع الحاوي في القفص، لإن بقائه في سدة الحكم سينعكس بإرتدادات وإهتزازات زلزالية متدحرجة على المنظومة الإسرائيلية الصهيونية برمتها.