اسرائيل و تركيا من سايكس بيكو الى لوزان
تاريخ النشر : 2020-08-07 23:20

استمر رؤساء الولايات المتحدة على مدى تاريخها الى اعتماد مذهب سياسي يقوم على مفهوم "الهيمنة" مقابل الحماية الامنية، ولم تكن لتسمح لأي دولة من القيام بدور الحماية، حتى ان الحرب على اليابان انتهت بتوقيع اتفاق سلام يقوم على الاذعان مقابل الحماية، نفس المذهب الذي اعتمدته مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ما كان لهذا المذهب ان يتغير إلّا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي شكل وجوده حالة استقطاب شديدة، اعطت هذا المذهب حالة استمرار و ديمومة، لكن هذه الاستراتيجية تغيرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لغياب المنافسة بين الطرفين ولم يعد للاستقطاب ضرورة في ظل نظام العولمة القائم على القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة. مما دفع الولايات المتحدة لتغيير مذهبها الذي يعتمد "الهيمنة" كاستراتيجية مذهبية الى مذهب جديد ليصبح "الهيمنة وحفظ امن العالم مقابل الثمن"، تبلور هذا المذهب في عهد بوش الابن و ترجمه من بعده خلفه اوباما الذي

اعلن عن المذهب الجديد علانية في مقابلة معه تم نشرها بتاريخ 5 ابريل 2015 في نيويورك تايمز.

سمح نظالم العولمة للاقتصاد الصيني بالانخراط فيه وسط ترحيب الغرب بقيادة الولايات المتحدة بعد توقيع الصين على اتفاقية التجارة  الحرة، لم تدرك امريكا انها بفعلتها هذه قد اخرجت المارد من القمقم! حينها كان الاقتصاد الصيني يساوي نظيره الهندي، الا ان تقدم الصين لتصبح عملاقا اقتصاديا و مالكا لديون الولايات المتحدة و دول الغرب اهلها  الى زراعة جينات اقتصادها في كل جينات الاقتصاد العالمي و جعل من الصين مصنع العالم. أفاقت الولايات المتحدة على كارثة لم تكن على موعد معها و لم تتمناها، فهي المهيمنة على العالم وها هي تواجه من يبحث عن مشاركتها هذه الهيمنة، مما دفع بالولايات المتحدة الى تحويل مصالحها و اهتماماتها الى جنوب شرق اسيا للحفاظ على تواجدها في بحر الصين في محاولة لحصار التمدد الصيني. تحول دفعها للاستعانة بادواتها و حلفائها في منطقة الشرق الاوسط لتكون بديلا لها في المنطقة بما يحفظ مصالحها و يكافىء الوكلاء ايضا  عبر تحقيق طموحاتهم التي تم تحجيمها تاريخيا باتفاقيات دولية مثل سايكس بيكو و معاهدة لوزان، فتم توكيل اسرائيل و تركيا فهم حلفاؤها التقليديين في الشرق الوسط، وهم فائض القوة الكامنة لحفظ مصالحها.

وضعت الولايات المتحدة و الوكلاء الجدد اليات تحقيق اهدافها و اهداف الوكلاء معتمدة على منهجها الدائم و الذي تستحضره عند الحاجة "الفوضى الخلاقة"،  فجاءت هذه الاليات منسجمة مع مذهبها الجديد "الهيمنة و دفع الثمن"، فذهبت الى الهاء الرأي العام في منطقة الشؤق الاوسط لينشغل بالحاجات الاستهلاكية الانسانية و تحرفه عن اهدافه الحقيقية الدافعة نحو النمو، و قامت بتشغيل ادواتها الاسلامية و الاقليمية في خطوة تحاكي الدور الذي لعبته في حرب افغانستان، وعاملة لاعادة ايران الى الحظيرة الامريكية مستخدمة كل السبل الممكنة و المتاحة لتحقيق هذا الهدف لادراكها ان ذلك يؤدي الى قطع الطريق على الصين و يمنعها من الوصول الى البلقان و منها الى قلب اوروبا.  

وجدت الدول العربية نفسها امام واقع جديد يجعل منها صيدا ثمينا في حال اعادة صياغة اتفاقية سايكس بيكو، مما دفعها الى الاذعان للمذهب الامريكي الجديد، وقامت على ارضائه بدفع مئات المليارات من الدولارات و التخلي عن القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل و تركيا الوكيلين الجديدين، وذهبت اكثر من ذلك وقدمت التطبيع و توقيع الاتفاقيات مع اسرائيل على حساب الفلسطينيين كأصحاب الحق، ولم يكن هناك اي حرج لدى دول الخليج العربي من رفع العلم الاسرائيلي على اراضيها و توقيع اتفاقيات تتعلق بالامن معها فكان اتفاق التعاون التكنولوجي بين الامارات و اسرائيل، ومشاركة قطر في تحويل الانقسام الفلسطيني الى صدع عمودي حين لعبت كقناة اتصال بين اسرائيل و حماس التي وقعت تفاهمات غير معلنة بينها وبين اسرائيل في حين قامت منظمة التحرير برفض كل هذه التنازلات العربية التي قامت على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، وبقيت منظمة التحرير وحيدة واقفة امام المشروع الامريكي الصهيوني الذي كافأ اسرائيل وغض الطرف عن ضم اراضي الضفة الفلسطينية ولتصل السيادة الاسرائيلية الى الحدود مع الاردن بانتظار الخطوة التوسعية القادمة، دون ان تنسى بان الولايات المتحدة قد منحتها الحق في القدس كعاصمة لها و يهودية الدولة التي منحها لها الرئيس اوباما الذي اعلن عن المذهب الجديد للولايات المتحدة. 

ذهبت تركيا بالتضامن مع قطر و حركات الاسلام السياسي الى لعب دور الوكيل في سوريا و تركيا فكان تقسيم سوريا بالاتفاق مع السمسار الروسي، الذي سمح لوكلاء الولايات المتحدة بتحقيق اهدافهم في سوريا فاعلنت اسرائيل ضم هضبة الجولان و احتلت تركيا اجزاء من شمال سوريا و خلق دويلة جديدة يحكمها الاسلاميون الحلفاء لها في محاولة لفرض لوزان جديدة على سوريا و السماح بتبلور دولة جديدة للاكراد، في واقع جديد يخدم مصالح الولايات المتحدة و مذهبها الجديد، و يحقق المكافأة للوكلاء.

يعتقد البعض العربي في الخليج ان ما قدمته دولهم من تنازلات وتخليها عن قضاياها الرئيسة و دفعها للمليارات لارضاء الولايات المتحدة و وكلاءها قد يعفيها من تغول المذهب الجديد للولايات المتحدة، اعتقادا لا يعدو كونه سراب لن يعفيها من اطماع الوكلاء الذين استطاعوا فرض واقع جديد في الاقليم و هم يعلمون ان الولايات المتحدة كان من كان رئيسها جمهوريا ام ديموقراطيا لا يستطيع تغيير قواعد لعبة الصراع القادمة مع الصين فالصراع طويل و هم يراهنون على الزمن.