ماكرون يُعرّي الطبقة الحاكمة وفسادها
تاريخ النشر : 2020-08-07 19:19

نعم لقد فعلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عندما راح يجول بين الناس متفقداً الأضرار التي خلّفها إنفجار المرفأ. لقد فعل الرئيس الفرنسي ما لم يتجرّأ على فعله أي زعيم سياسي أو حزبي في لبنان لدرجة بدا فيها وكأنه هو رئيس جمهورية لبنان أو وربما "مُخلّص" هذا الشعب من العبودية والمظلومية التي يقبع تحتها بسبب حكّام لم يجرؤا حتّى على تفقّد أحوال رعيّتهم لا في الطرقات والاحياء حيث الدمار يفرض نفسه على كل المساحات ولا في المستشفيات حيث تفوح روائح دماء الجرحى والشهداء في الغرف والطوابق.

منذ وقوع الإنفجار وحتّى الساعة، لم يُلحظ أي مبادرة فرديّة للمسؤولين اللبنانيين وتحديداً أصحاب السلطة، حتّى خطابات الدعم المعنوي غابت عنهم وعن قصورهم وأبراجهم المُشيّدة والمُسيّجة ضد "الاختراقات" الشعبيّة. ماكرون عرّى كل هؤلاء بقوله "جئت بمساندة أخويّة وتضامن مع اللبنانيين الذين تربطنا بهم علاقة اخوية عمرها من عمر تاريخ البلدين".

هو رجل جاء من أقصى بلاد الغرب يسعى لمسح جراح المظلومين، والأبرز، كمن في فقدان ثقته بالمسؤولين وأركان الدولة خصوصاً عندما نفض يده من التعاون معهم من خلال قوله "نريد تقديم مساعدة ميدانية وسننسق هذا الامر مع الاسرة الدولية ليصل الدعم الى الشعب اللبناني"، مشيراً إلى انه "التقى المسؤولين اللبنانيين من باب اللياقات فقط"، ما يعني بصريح العبارة أن عدم مد يده لمصافحة بعض الشخصيّات، كان مُتعمّداً وليس بسبب إنتشار فيروس "كورونا" كما حاول أن يُشيع البعض، والدليل احتضانه الأبوي لتلك الفتاة التي عانقته وسط الجميع.

فقط مع زيارة ماكرون الى لبنان، تسقط وللمرّة الأولى مقولة "أهل مكّة أدرى بشعابها"، فالرجل يبدو أنه عالم بالتركيبة السياسية اللبنانية وما تحتوي دهاليزها، أكثر من اللبنانيين أنفسهم، ولذلك وعد الجماهير التي تحلّقت من حوله وراحت تهتف للثورة ولإسقاط المنظومة السياسيّة بأكملها، أن "المساعدات ستكون على الأرض وامام الجميع ولن توضع في أيدي الفاسدين".

أمس، حاول فريق سياسي التخفيف من وطأة ما حصل وحتّى التقليل من شأن زيارة الرئيس الفرنسي، من خلال بث أحاديث ضمن حلقات حزبيّة ضيّقة على سبيل المثال أن الشتائم والتعرّض للمسؤولين اللبنانيين، هو نفسه يحصل لمسؤولين في دول أوروبية ومن بينهم ماكرون نفسه، معتبرة أن الشعوب الموجوعة عادة ما ترى في المسؤول الزائر، "خشبة خلاص" للتخلّص من أوجاعها ومن "ظلم" بعض حكّامها، لذلك تذهب الى تعليق كل آمالها على هذا الزائر.

في المقابل، تُشير مصادر سياسية بارزة إلى ان هناك استحالة بعد اليوم للتعايش مع هذه المنظومة السياسية التي تتحكّم بالبلاد. نعم الرئيس الفرنسي وصل الى لبنان يحمل معه مجموعة حلول وتصوّرات للعديد من الملفّات الصحيّة والاجتماعيّة، وطاولة الحوار التي جلس حولها المسؤولون، تؤكد اننا غير راشدين لا نعرف متى نختلف أو متى نُنظّم علاقاتنا. وخير دليل على ذلك، طاولة الحوار التي كان دعا اليها رئيس الجمهورية ميشال عون، والتي أفشلها البعض لأسباب يعلمها الجميع.

وختمت المصادر نفسها بالقول: النظام اللبناني يلفظ أنفاسه الأخيرة لأن ما نعيشه كلبنانيين غيّر ملامح المعركة الحقيقيّة التي نخوضها ضد الجهل والفقر ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ومحاكمة السارقين. رئيس الجمهورية لا يملك صلاحيات تخوّله اتخاذ قرارات مصيريّة من دون العودة إلى مجلس وزراء تحوّل الى شكرة تُساهم جميع الأحزاب بتكوينه ولكل حزب حسابات ومصالح خاصّة. وكذلك الامر بالنسبة إلى رئاسة الوزراء. نحن بحاجة الى نظام أو عقد جماعي جديد يقوم على تفضيل مصلحة الوطن والمواطن، لا على مصلحة الزعيم والطائفة.

عن "ليبانون ديبايت"