من أعلام الدعاة في الغرب: د. أحمد توتونجي نموذجاً
تاريخ النشر : 2020-08-07 14:34

في عالم الدعاة الإسلاميين الذين كانوا رواداً متميزين على الساحة الغربية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت هناك أسماء لا يُشق لها غبار، من حيث الجهد والبصمة والسبق في إقامة الروابط والاتحادات الطلابية والجمعيات الخيرية، وبناء المؤسسات والمعاهد والوقفيات الإسلامية. د. أحمد توتونجي  من أربيل العراق كان أحدَ هؤلاء الرواد الأوائل ، حيث بدأ التزامه الإسلامي ومشوار عمله الدعوي في بريطانيا عندما كان طالباً مبتعثاً للدراسة هناك أواخر الخمسينياتـ، ثم انتقل عام 1963 إلى أمريكا لاستكمال دراستي الماجستير والدكتوراه في هندسة البترول. إن الجانب الذي انطبعت به شخصيته هو العمل في مجال استنهاض وتنظيم العمل الإسلامي بين الطلاب العرب والمسلمين الوافدين للدراسة في أمريكا، وخاصة من دول الخليج والعراق وسوريا وفلسطين وماليزيا، كما عمل مع مسلمي أمريكا من أصول إفريقية، مثل: أليجا محمد ومالكم إكس ووارث الدين محمد، وأسهم في تصحيح الكثير من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة التي كانت سائدة بين هذه التجمعات الدينية، والتي لم يسبق للكثير منهم أن التقى العرب والمسلمين أو زار حواضرهم المقدسة في مكة والمدينة.

شكَّل د. أحمد توتنجي مع مجموعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي (IIIT) الممثلة بالإخوة: د. جمال البرزنجي، وهشام الطالب، والشيخ طه جابر العلواني من العراق،  وكذلك د. فتحي الملكاوي (الأردن)، د. عبد الجميد أبو سليمان (السعودية)، د. سيد سعيد (كشمير)، البروفيسور إسماعيل الفاروقي (فلسطين) وآخرون، طليعة هذا العمل الدعوي، والذي تمَّت مأسسته في مطلع الثمانينيات بإنشاء المعهد العالمي في إطار رؤية إسلامية جامعة قائمة على فكرة (إسلامية المعرفة)، الذي رسم ملامحها وووضع خطوطها العريضة البروفيسور إسماعيل الفاروقي (رحمه الله) مع إخوانه الآخرين بالمعهد، والذين عملوا كذلك على إنشاء مؤسسة (سار) الاقنصادية؛ كذراع  استثماري خيري، للنهوض بمشروعاتهم الفكرية، والتي حظيت بدعم مالي كبير من رجل الإعمال السعودي سليمان الراجحي (رحمه الله). لقد نجحت هذه المجموعة في تقديم الكثير من المنح للطلاب المتفوقين من جنسيات مختلفة، بهدف استكمال دراساتهم العليا في أمريكا، وقد حظيت مع عددٍ آخر من الطلاب الفلسطينيين بهذه المكرمة التعليمية. ومن الجدير ذكره، أن المعهد قد تمكن من الوصول بفكرته للمئات من النخب العربية والإسلامية، ووفق في تجنيد الكثير منهم في الحواضر الغربية، مما أسهم في اتساع أنشطته خارج أمريكا، وفتح العديد من المكاتب الفرعية للمعهد في أكثر من قطر عربي وإسلامي . في الحقيقة، تمكنت هذه المجموعة من الدعاة الإسلاميين في أمريكا من فرض حضورها كمدرسة فكرية لها جمهورها وامتداداتها الأكاديمية في الكثير من الجامعات، كما أن لديها اعتمادات مالية وميزانيات تغطي كلفة أنشطتها الدعوية ومؤتمراتها الإسلامية بالمعاهد والجامعات داخل أمريكا وحول العالم.

  وفي مجال الطباعة والنشر، صدر عن المعهد قرابة ثلاثة آلاف كتاب تغطي معظم جوانب المعرفة الإسلامية بأكثر من لغة عالمية، حيث تقدم هذه الكتب والأبحاث والمجلات رؤية إسلامية معاصرة، وتنهج أسلوباً راقياً في العمل التربوي والتكويني، الذي تقوم قواعد أركانه على منظومة قيمية تعتمد أسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والرؤية الاستشرافية لمشروع "إسلامية المعرفة".

إن د. أحمد توتونجي؛ نائب رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي, يعتبر واحداً من بين أهم الشخصيات التي عملت على فكرة إنشاء المعهد وتطوير رسالته الدعوية والحركية ورؤيته الفكرية، فهو شخصية لها خصال لافتة للنظر، من حيث قدراته العلمية وحركيته التنظيمية وسلوكياته الإنسانية ووعيه الدعوي، وخبراته بساحة العمل الإسلامي في بلاد العرب والعجم، إضافة لما لديه من شبكة علاقات واسعة مع العاملين في القطاع الخيري والإغاثي في دول الخليج، إضافة لما يتمتع به من حس فكاهي يضفي على مجالسه أجواءً من الألفة والانسجام.

لقد سعدت بمعرفة د. توتونجي  منذ  منتصف الثمانينيات، حيث التقيته خلال  العديد من الأنشطة التي كانت تعقدها الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا (ISNA) ورابطة الطلبة المسلمين (MSA) وكذلك خلال فعاليات المعهد  ومؤتمراته السنوية في العاصمة واشنطن،

اليوم؛ وبعد أكثر من ستة عقود من العمل الدعوي والأكاديمي والنشاط في مجالات العمل الخيري والحركي، ما يزال د. أحمد توتونجي على فرسه لم يترجل، محتفظاً بحيويته وقدراته على العطاء وتوريث خبراته للأجيال القادمة من الدعاة، حيث وضع تلك التجربة للقراء كدروس وصفحات لمطالعتها واقتفاء الأثر. لقد تمتعت وأنا أقرأ  كتابه الذي وضعه عام 2019 باللغتين العربية والإنجليزية، والموسوم (دروس من حياتي)، وكتابه الآخر: (أحمد توتونجي: خمسون عاماً بين الشرق والغرب)، الصادر في عام 2013، حيث يقف القارئ على كنوز معرفية راقيىة، وتجربة إنسانية رائعة في العمل الدعوي ذي الطبيعة الرسالية والحركية المتميزة. 

أخيراً.. أختم ببعض كلماتٍ للدكتور أحمد توتونجي، والتي دوَّنها في كتبه كدروس وعبر، لكي يبني على هديها جيلاً بنهج وأثر، وهذه الوعظيات تجلت في النقاط التالية:

_ لا تستقثل أي نصيحة من أي شخص مهما كان هذا الشخص,, قفد تستفيد منه ويُبصرك بأمور لم تكن على بالك.

- العمل الخيري والتطوعي يُشعر الإنسان بالراحة، وأنه يفعل ذلك لله، وعليه تجديد النية دائماً، وأن على كل فرد ومنظمة تطوعية أن تسأل نفسها: من نحن؟ وماذ نريد؟ ولماذا؟ لكي تستطيع تحقيق أهدافها.

- الشباب يتعطش دوماً لرؤية القدوات، فمهمتنا أن نكون قدوة، وأن نبرز القدوات، حيث إن أعمدة القدوة ثلاثة (الشفافية - الشورى - الحسبة)

- المسؤولية التي يتحمّلها المفكرون والكتاب المؤمنون عظيمة جداً ، ذلك أن من الصعوبة إنتاج هذا الصنف من الناس.

- الملاطفة والحوار هما عماد العلاقة مع المناوئين والمخالفين، لا سيما أن وجود المخالفين لك سنة كونية لا يمكن التخلص منها. لذا، فإن عليك مهادنة المخالف بما يوحي إليه أنك فد استفدت من معارفه وآرائه.

- قيمة الاجتماع والتعاون وعدم التنازع عظيمة، ولا يصلح التنازل عنها، فالإسلام دين (الوحدة)، فابحث دوماً عمّا يوحّد الناس ويجمعهم، لا عما يشتتهم.

- تكمن أهمية الجمع بين العمل الفكري والعمل الميداني في كونهما جناحي طائر لا بتخلى أحدهما عن الآخر.

- من أكثر حظوظ الحياة أن يطول عمرك في طاعة الله وأن يحسن عملك، وعليك التركيز على إيجابيات إخوانك لا سلبياتهم.

ويبقى الرجال سيرة ومسيرة وأثر.